تميم منصور*****
بلدية القدس برئاسة نير بركات، تدير سياستها في إدارة البلدية من سجلات وارشيفات النظام العنصري في جنوب إفريقيا، قبل تطهيرها من دنس نظام الأبرتهايد، مع فرق واحد أن إدارة هذه البلدية تحظى بغطاء كامل من حكومة نتنياهو، وهذا يعني ان مدينة القدس العربية والمدن والقرى الفلسطينية المحيطة بها تعاني من سياسة مزدوجة أو مضاعفة من العنصرية والاستثناء والإهمال.
احد مظاهر هذه السياسة هو استمرار الاحتلال، والإصرار على ضم والحاق القدس العربية والعديد من المدن والقرى المحيطة بها ، مثل الرام، شعفاط، بيت حنينا وغيرها ،لقد فاحت رائحة هذه السياسة وانكشفت مظاهر العنصرية أكثر، بعد الاضراب الذي حدث في القدس الغربية، فسارعت وسائل الاعلام بما فيها الفضائيات الاسرائيلية لتنظيم حملة تنتقد خلالها العنصري نير بركات رئيس البلدية، وعدد من المسؤولين في وزارة الداخلية.
جاءت فزعة وسائل الاعلام هذه احتجاجًا على شل المرافق العامة في القدس الغربية، وقد تركز الردح والعويل على القدس الغربية بسبب تراكم النفايات في المدينة، لقد اعتبروا تراكم النفايات في المدينة لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام جريمة كبرى ووصمة عار في تاريخ المدينة المقدسة من وجهة نظرهم، وأشارت وسائل الاعلام هذه، خاصة القناة الثانية، بأن الاضراب يمس بطهارة المدينة، لأنها العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، ومن وجهة نظرهم بأن هذه المدينة، يجب ان تكون مميزة في كل شيء لأنها الرمز الابدي لكل إسرائيلي، ويجب أن تبقى خارج كل انتقاد وبعيدة عن كل تقصير.
وطالبت وسائل الاعلام هذه بالنظر الى هذه المدينة بمنظار واحد وهو منظار الحاضر والماضي، ومنظار التاريخ والدين.
هذا الردح والتباكي المفتعل المزيف غير الموضوعي على مدينة أقيمت فوق أراض فلسطينية مغتصبة، طُرد أصحابها الشرعيون عام النكبة وبعدها، مدينة تحتضن ربما أكبر برلمان عنصري عرفه التاريخ، ومؤسسات حكومية تعمل ليل نهار للتخطيط بمصادرة حرية شعب آخر، مدينة تعمل جهدها لابتلاع الشطر العربي من القدس، وهي المدينة المقدسة الحقيقية، الشاهد على التاريخ أقامها العرب منذ خمسة آلاف عام بقيادة الملك اليبوسي “ملكي صادق” وأسماها مدينة “اور سالم” لم تتباك وسائل الاعلام العنصرية على الأحوال المتردية واللاانسانية في القدس العربية الواقعة تحت سيطرة بلدية “البيض” برئاسة نير بركات، هذا العنصري الذي يستوحي ممارساته العنصرية ضد السكان الفلسطينيين في القدس العربية، وضد المدن والقرى الفلسطينية المحيطة بها، بدعم من وزراء حكومة الاحتلال، أنه يعتبر نفسه سيفًا من السيوف التي تهدد بها هذه البلدية المواطنين العرب باقتلاعهم من وطنهم، كما أنه يعتبر نفسه امتدادًا لحكومة الاحتلال، بل أكثر من ذلك يحاول أن يتجاوزها في ممارسته القهرية.
يعمل دائمًا على جر هذه الحكومة واخضاعها لمخططاته العدوانية وحثها على مصادرة المزيد من أراضي المواطنين الفلسطينيين لإقامة البؤر الاستيطانية داخل القدس العربية وفي محيطها.
نير بركات الغارق في العنصرية الدينية والإثنية يخضع سكان القدس العربية والمدن التي تحيط بها الى سياسة الاحتلال المزدوج، من جهة فانه يدعم ويشجع أجهزة الأمن – ذراع الاحتلال – كي تمارس أقسى وأشد حالات الملاحقة والاعتقال والمداهمات الليلية والتنكيل ضد المواطنين الفلسطينيين، ويستعين بهذه الأجهزة للتغطية على هجمات المستوطنين المسعورة على الحرم القدسي الشريف وبقية أماكن العبادة في المدينة.
أما الاحتلال الثاني فيتمثل بسياسة التمييز القومي التي تنفذها بلدية بركات ضد المواطنين الفلسطينيين، فالمدارس الفلسطينية في القدس العربية تعاني من شح الميزانيات، ونقص الملاكات والخدمات المختلفة، وقد قامت بلدية بركات “البيضاء” بوضع شروط عبرت من خلالها عن غرائزها الاحتلالية، من هذه الشروط:
أن المدارس التي تلتزم بتطبيق منهاج الدراسة الإسرائيلي، هي التي تحصل على الدعم والميزانيات من البلدية والهدف معروف، أسرلة الطلاب الفلسطينيين، ومصادرة هويتهم الوطنية.
كل من يقارن بين حالة البنية التحية بين القدس العربية، وبين البنية في القدس اليهودية يستطيع قراءة ومعرفة معنى سياسة التمييز في تقديم الخدمات، أما سياسة بلدية بركات لمدن وقرى الضواحي فهي مطابقة لسياسة رؤساء البلديات في جنوب افريقيا قبل تحررها من جلاديها البيض، في جنوب إفريقيا عاش غالبية السكان السود في ضواحي المدن التي استوطنها السكان البيض، عاشوا داخل أحياء عشوائية، خالية من غالبية المرافق الهامة، الكل يذكر أحياء “سويتو” في مدينة جوهانسبرغ، لقد أقام البيض جدرانًا فاصلة بين عشوائيات السود وبين بيوتهم الفارهة، وهكذا فعل الفرنسيون في الجزائر.
لم تتأخر سلطات الاحتلال الاسرائيلي عن تطبيق هذا الأسلوب اللاانساني ضد الفلسطينيين، لقد سارعت لإقامة جدار الفصل العنصري داخل الضفة المحتلة، وفي منطقة القدس بصورة خاصة، مما حول حياة الفلسطينيين الى جحيم.
لم تقتصر سياسة “بلدية بركات” العنصرية على أحياء وشوارع القدس العربية فقط، فقد تعاملت مع بقية المدن والقرى التي تم ضمها عنوة الى بلدية القدس الصهيونية، كما تعامل البيض في جنوب إفريقيا مع أحياء ومدن السود، والأوضاع المزرية في بلدة شعفاط البالغ عدد سكانها ثمانين الفًا تفضح سياسة بلدية البيض في القدس اليهودية، وتفضح سياسة حكومة الاحتلال.
خلال التسع سنوات من قيام “بلدية بركات” رفض إقامة مرافق للخدمات الصحية العامة في هذه البلدة، وقد وصلت به العنصرية قوله : بأن غالبية العرب يقضون حاجاتهم في الخلاء، لم نسمع قيام أي عنصري في جنوب افريقيا بالتقيؤ بمثل هذه الألفاظ المنحطة.
على سبيل المثال بلدة ” شعفاط” باعتراف وسائل اعلام عبرية، غالبية الخدمات مشلولة، شبكة الصرف الصحي منهارة، لا يتم جمع النفايات إلا في حالات استثنائية، وقد أدى تكدسها الى تجمع القوارض والأفاعي التي أخذت تهدد حياة المواطنين.
اذا كان سكان القدس الصهيونية قد هددوا بترك المدينة بسبب تراكم النفايات لمدة يومين فقط نتيجة الاضراب، كيف يتحمل أهالي بلدة شعفاط أكوام النفايات بشكل دائم؟
لقد أعترف أحد مراسلي صحفية “هآرتس” الذي زار “مخيم شعفاط ” للاجئين بأن هذا المخيم من أكثر المناطق المهملة في العالم، والسبب كون سكانه من الفلسطينيين، عنصرهم الإثني يختلف عن العنصر اليهودي من وجهة نظرية البيض برئاسة بركات، وعندما أثيرت القضية أمامه قال : العرب لا يهتمون بتراكم النفايات!!
الاحتلال ومعه “بلدية بركات” يصرون على التشبث بالمناطق الفلسطينية والقدس وضواحيها ويرسلون الجنود للموت من اجل استمرار السيطرة على هذه المناطق، لكنهم ينظرون الى المواطنين في هذه المناطق نظرة البيض للسود.
ما يعانية السكان العرب في مدينة القدس نتيجة العنصرية، ليس فقط صورة كبيرة لمعنى الاحتلال، بل هو مرآة تعكس العقلية الاحتلالية والنظرة الدونية للآخر.