منذ احتلال الضفة الغربيّة عام 1967، وتحديدًا مع الإعلان عن مناطق عسكريّة مغلقة وإقامة المستوطنات الإسرائيلية، تشكّلت قيود شديدة قد طال أمدها على جميع الفلسطينيين، حيث أثّرت سلبًا على أساليب حياة السكان البدو بالتّحديد.
تعرّضت حريّة تنقّل البدو لتضييقات كثيرة، منها الإعلان عن مناطق كثيرة اعتادوا على استخدامها للرّعي، كمناطق عسكريّة مغلقة، كما بنيت مستوطنات عدّة في مناطق سكناهم، ما أدى إلى تهجيرهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي من أراضيهم التي اعتادوا على التنقّل فيها صيفًا وشتاءً، علمًا أنّ معظم البدو تمّ تهجيرهم بعد النّكبة عام 1948 من أراضيهم في النّقب، وهكذا، تمّ الحدّ من حريّة تنقّلهم من مكان إلى آخر موسميًّا، حتّى آلت بهم التّغييرات في مناطق تنقّلهم إلى المكوث في مواقع ثابتة، كما هو الحال بالنّسبة لتجمع بدو سطح البحر الذي يسكنه أبناء عائلة الحمّادين من قبيلة عرب الجهّالين.
يقع تجمّع سطح البحر جنوب مدينة أريحا وشرق مدينة القدس في منطقة وادي قطيف، ويسكن أبناء التجمّع منذ عدّة عقود بشكل ثابت في المنطقة. وصل السكان إلى المنطقة بدايةً في عام 1920 بغية البحث عن مصادر المياه والرّعي عندما عانوا من نقصها في النّقب. ومنذ ذلك الحين، هجّروا من أراضيهم في منطقة تل عراد في النّقب وجنوب البحر الميّت، في بداية سنوات الخمسين من القرن الماضي، وشقّ السكان طريقهم إلى منطقة صحراء الضّفة الغربيّة وتنقّلوا في مواقع مختلفة بما فيها وادي قطيف حيث يتواجدون بشكل ثابت منذ عام 1983.
تقطن في تجمّع سطح البحر 17 أسرة من عائلة الحمّادين – قبيلة الجهالين، وقد ولد معظم السكان في نفس الموقع حيث يتواجدون اليوم.
رفض السكان العيش في مخيمات ‘وكالة الغوث للأمم المتحدّة’ لعدم ملاءمتها لعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعيّة ونمط حياتهم، واعتادوا العيش في تجمّعات تجمع بين أفراد العائلة نفسها.
الاحتلال يوقف الاتصالات مع الفلسطينيين البدو في المنطقة “ج”
في أعقاب ضغوط من أعضاء الكنيست من اليمين ومنظمات أخرى أوقف الاحتلال الاتصالات مع الفلسطينيين البدو في المنطقة “ج” بشأن إخلائهم من المكان
تعود ملكيّة الأراضي في هذه المنطقة إلى وقف النّبي موسى، أي تتبع وزارة الأوقاف الفلسطينيّة والشّؤون الدّينية، وقد تمّت مصادرتها من قبل إسرائيل.
تسعى الإدارة المدنيّة إلى تهجير ونقل سكان تجمّع سطح البحر إلى بلدة نويعمة المقترحة. وقد تمّ إعداد مخطّط النّويعمة المقترح من قبل الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة بهدف تنظيم وتوطين أبناء قبيلة الرّشايدة، فقط الذين يسكنون في الموقع، وفي تصريحات رسميّة تبيّن أن هذا المخطّط أُعدّ من أجل إيجاد حلّ لآلاف البدو من عشرات التجمّعات الأخرى الواقعة في مركز الضّفة الغربيّة والتي تنتمي إلى عدّة قبائل مختلفة.
بدأ العمل على إعداد مخطّط النّويعمة من قبل الإدارة المدنية منذ أكثر من عشر سنوات، والذي خُصّص فقط لسكان الرّشايدة الذين يتواجدون في المنطقة، وبدورها، سعت الإدارة المدنيّة إلى تنظيم منطقة سكنيّة لسكان الرّشايدة بمحاذاة منطقة ‘أ’ التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينيّة أمنيًّا وإداريًّا وتبلغ مساحتها حوالي 18٪ من مساحة الضّفة الغربيّة. حينها، لم يتمّ تطوير أو تنفيذ المخطّط، بل تشكّلت مبادرات محليّة أخرى وتمّ إعداد مخطّط وتقديمه من قبل السكان أنفسهم في عام 2009، ولكن لم يتمّ التطرّق إليه من قبل السّلطات الإسرائيليّة وبالتّالي لم يتم السّعي قدمًا لتطويره وتنفيذه.
تمّ إيداع مخطّط النّويعمة في شهري آب وتشرين الأوّل من عام 2014، وقدّم عدد كبير من الاعتراضات عليه. وقدّم التماس على المخطّط ولم يتمّ الإقرار به حتّى اليوم. وأحد أهم أسباب تقديم الالتماس هو عدم مشاركة السكان في إعداد المخطّط والرّجوع إليهم في تقرير مصيرهم.
تناولت الاعتراضات عددًا كبيرًا من الادعاءات المختلفة، وهذه بعض الادعاءات المهمّة بشأن السكان البدو أنفسهم: بداية، المخطّط غير مناسب للسكان البدو ولا يأخذ بعين الاعتبار أسلوب حياتهم بما يتعلّق بطبيعة عمل الرّعاة وحاجتهم الأساسية إلى مناطق رعي. كما يتجاهل المخطّط كافّة الميّزات الاجتماعية والثّقافية للمجتمع البدوي، ويطرح قطع أراضٍ صغيرة ومحدودة بكثافة عالية من أربع وحدات سكنيّة للدّونم الواحد، حيث لا يلائم نمط حياة التجمّعات البدويّة، كما يهدف المخطّط إلى تجميع وتركيز عدد كبير من التجمّعات التي تشمل قبائل مختلفة، ما لا يتماشى مع عادات وتقاليد البدو. إضافة إلى ذلك، لم يتمّ التحقّق من إسقاطات نقل السكان قسريًّا والعودة إلى مخطّطات سابقة في عدّة أماكن، حيث أقيمت بلدات للبدو في الضّفة الغربيّة، مثل مخطّط قرية عرب الجّهالين أو ما تسمّى ‘الجبل’، والذي تمّ إعداده لتهجير عائلات من قبيلة الجّهالين من عدّة تجمّعات في محيط القدس بين السّنوات 1997-2007، وذلك لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم (لتفاصيل حول الموضوع يمكن مراجعة التّقرير الذي أعدته جمعيّة بمكوم – مخطّطون من اجل حقوق التّخطيط والأونروا.
وتعود سياسة تهجير سكان سطح البحر إلى ادعاء الإدارة المدنيّة بوقوع بعض البيوت داخل منطقة عسكريّة مغلقة، علمًا أنّ مخطّط النّويعمة يصبّ داخل منطقة عسكريّة مغلقة (911) ويمتدّ على 875 دونم تقريبًا، لكن قامت إسرائيل بإلغاء المنطقة العسكريّة في منطقة النّويعمة عام 2014، فيما تشكل 10 عائلات من الحمّادين الواقعة داخل المنطقة العسكريّة أقلّ من 1٪ من هذه المنطقة، أيّ حوالي 8 دونمات من المنطقة العسكريّة التي لم تشهد أيّ تدريب عسكري منذ عقود، إضافةً إلى أنّه تمّ تقديم اقتراح للإدارة المدنيّة من قبل السكان، وبمساعدة تمثيل قانوني بنقل بيوتهم إلى خارج المنطقة العسكريّة، بين حدودها وحدود الشّارع الرّئيسي رقم 1، لكن تمّ رفضه بشكل قاطع.
من جهتهم، قال سكان التجمّع أنّ الحلّ الذي تطرحه الإدارة المدنيّة لنقل عائلات الحمّادين إلى منطقة النّويعمة يحمل العديد من العقبات والإشكاليّات ولا يعدّ قابلًّا للتّطبيق. وأكّد السكان على أنّهم لم يشهدوا أي تدريب عسكري منذ أكثر من 34 عاما في المنطقة، ومن المستحيل حدوثه لقربها من شارع رقم 1 ومن مستوطنة ‘متسبي يريحو’، وشدّدوا على حقّهم في المشاركة في تخطيط تجمّعهم في موقعهم الحالي دون أيّة قيود، وأنّهم كلاجئين يتطلّعون بأن تكون عودتهم إلى أراضيهم في تل عراد في النّقب.
جدير بالذكر أنّ مخطّط الإدارة المدنية لتهجير السكان، يشمل أيضًا الأسر التي تسكن خارج حدود المنطقة العسكريّة. وهذه النّقطة تؤكّد على أنّ ادعاء الإدارة المدنية واهن، وما تسعى إليه هو أخطر بكثير من مجرّد إخلاء وتهجير أحد التجمّعات البدويّة، إنّما هدفها الأساسي والسّياسة التي تتبعها، هي تطهير المنطقة ‘ج’ من السكان الفلسطينيين، والتي تشكّل حوالي 60٪ تقريبًا من مساحة الضّفة الغربيّة، وتسيطر عليها إسرائيل أمنيًّا وإداريًّا.
(عن عرب 48)