أثار مقال الصحافي يوسي كلاين الذي نشرته صحيفة “هآرتس” مؤخرا، واعتبر فيه الصهيونية الدينية أكثر خطرا على إسرائيل من حزب الله ومن مرتكبي عمليات الدهس ومنفذات عمليات الطعن، ردود فعل غاضبة امتدت من يمين الساحة السياسية الإسرائيلية إلى يسارها، حيث شملت زعيما حزب العمل الحالي، يتسحاق هرتسوغ والسابقة شيلي يحيموفيتش وزعيم حزب يش عتيد يئير لبيد وتصدرتها “الردود العنيفة” لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، و برز من بينها رد وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، الذي دعا الى مقاطعة صحيفة “هآرتس” التي نشرت المقال.
كلاين، وهو أحد الصحافيين المخضرمين في الإعلام الإسرائيلي، حيث سبق أن أسس وترأس تحرير محلية “كول هعير” في القدس، التي اشتهرت بجرأة تقاريرها وتحقيقاتها الصحافية، وصحيفة “حدشوت” الشهيرة التي سبحت عكس التيار وصدر أمر باغلاقها لفترة زمنية محدودة إثر فضح قضية مقتل فدائيي باص 300.
كلاين كسر حاجز الصمت وقرع ناقوس الخطر القادم على المجتمع الإسرائيلي، كما يقول، بعد أن نزع “برقع الزيت والعسل” الذي يتستر به رواد الصهيونية الدينية الجدد، الممثلين سياسيا بحزب البيت اليهودي، وحذر من أخطارهم على المجتمع الإسرائيلي.
واعتبر أنهم “يؤيدون قوانين تكميم أفواه الإعلام وحقول الغاز “الخنازيرية” ويسعون إلى إجهاض القضاء والمحكمة العليا، وهم يرقصون رئيس الحكومة على إصبع واحدة ويحركون الوزراء كما لو كانوا دمى متحركة”، مشيرا إلى أنه بعد “تعزز ثقتهم بأنفسهم باتوا على بعد خطوة واحدة من بيوتنا”، وعلى حد تعبيره “هم يخلعون الأقنعة لأنهم لم يعودوا بحاجة إليها ولكنهم ما زالوا حذرين”.
وبتعابير حادة جدا وضع الصحافي الإسرائيلي المخضرم يده على سياسة الخطوة خطوة والضم الزاحف والهيمنة الزاحفة للصهيونية الدينية على المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية، حيث كتب “في السابق لم يقولوا شيئا، واليوم يتحدثون بصوت مرتفع عن الضم وهم يفكرون في الترانسفير، وغدا سيتحدثون بصوت عال عن الترانسفير ويفكرون بما فكر به أعضاء التنظيم السري اليهودي”.
وإن كان صوت كلاين كان هو الأعلى ونقده هو الأكثر فظاظة، إلا أنه ليس الوحيد الذي انطلق محذرا من أخطار الصهيونية الدينية التي تشق طريقها بتصميم باتجاه الهيمنة على مفاصل ومؤسسات الدولة، وتهدد، من وجهة نظر العلمانيين، بتقويض الأسس الديمقراطية لإسرائيل ونزع طابعها العلماني.
الصراع، وإن اقتصر على بؤر محدودة وشكل الجيش ساحتها الرئيسية، حتى الآن، مثل قضية خدمة الفتيات في الوحدات القتالية وفتاوي الخامات العسكريين وغيرها، إلا أن تلك المعارك تشير إلى زحف التيار الصهيوني الديني نحو مواقع القرار في المؤسسة التي تشكل العامود الفقري للدولة العبرية، والتي رسم المجتمع والدولة برسمها، ما يعني أن الصهيونية الدينية في طريقها لاحتلال مواقع القيادة العسكرية والسياسية في الدولة العبرية.
ليبرمان نفسه، الذي دعا إلى مقاطعة “هآرتس” احتجاجا على مهاجمة هذا التيار، هو من اتهم مؤخرا رئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، بالدفاع عمن يحاولون تحويل إسرائيل إلى دولة أصولية على غرار إيران، حسب تعبيره.
رئيس الكنيست الأسبق والرئيس السابق للوكالة اليهودية، أبراهام بورغ، الذي نشأ في بيت من بيوت الصهيونية الدينية بصيغتها المعتدلة، فهو نجل د. يوسف بورغ زعيم لحزب المفدال الذي شكل على مدى سنوات طويلة التعبير السياسي لهذا التيار، أيد في مقال نشرته “هآرتس”، هذا الأسبوع، ما ذهب إليه الصحافي أوري كلاين بأن الخطر الذي يتهدد إسرائيل ينبع من الداخل في غياب خطر خارجي.
وأنحى باللائمة على من أسماهم بأصحاب الطريق الصحيح الذين يسكتون عن أخذ الصهيونية الدينية إلى أقصى اليمين.
ويشير إلى أن نقطة التحول حصلت عام 1967 عندما “رفس” الجيل الجديد نهج المؤسسين المعتدل وخرج إلى البرية وقام الحاخامات كوك الأب والابن ودوكمان وبن بورات وغيرهم بجذب جميع الخيوط نحو الخلاص، الأرض، المسيحانية والتطرف، كما يقول بورغ.
بورغ، القريب من هذه البيئة وابنها الشرعي، يكشف في مقاله أن من يصغي إلى ما يجري هناك يستمع إلى أصوات مرعبة، أحاديث عن دم يهودي أفضل من دم الأغيار، عن العرب الذين يشبهون الحمير والبهائم، عن تحول أحلام إقامة “الهيكل الثالث” إلى خطط عملية.
ويضيف أن ما كان يعتبر ثمنا باهظا (حرب يأجوج ومأجوج –حرب دينية عالمية) بات بنظر هؤلاء ثمنا محتملا، وصار لهم ولأفكارهم ممثلية نشطة في الائتلاف والحكومة، ولم يعد تفجير المساجد فكرة غريبة فيما أصبحت مقولة “العرب يفهمون لغة القوة فقط” ممارسة مقبولة لدى محرقي العائلات، محرقي المساجد ومقتلعي الزيتون الذين تربى قسم كبير منهم في حضن أحد تيارات الصهيونية الدينية.
ويرى بورغ بهؤلاء “نواة ذات مخزون تدميري مخيف، مشكلة تتضخم وأورام تنتشر في السرب، وهم يدفعون بغلاف الهوية إلى خارج نطاق القانون، خارج نطاق الشرعية وسيادة الدولة، إنهم يعملون سرا وعلنا لتحقيق النهاية اليهودية”.
بورغ، وبلسان الابن الغيور على تراث والده والآباء المؤسسين الذين مثلوا تيار الاعتدال، يرى أن المشكلة ليست في سلطات تطبيق القانون التي تغض الطرف عنهم، وليس في انهيار السلطة الأبوية والدينية غير القادرة عليهم، لأن جزء منها بوحي منهم، كما يقول، المشكلة الرئيسية “هي في الناس الذين يعرفون الطريق الصحيح، أبناء الصهيونية الدينية وخريجيها الذين يعرفون الحقيقة أكثر من الجميع ولا يبالون، عليهم يقع واجب إطلاق الصرخة ضد خطر الفوضويين العنيفين وخطر محيطهم السلبي وهو يدعوهم إلى إطلاقها”.