في حوار مع عدد من وسائل الاعلام حول النكبة وحق العودة وما يسمى يهودية الدولة ومناورات وألاعيب حكومة بنيامين نتنياهو ، دعا تيسير خالد ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الى موقف وطني متماسك في مواجهة سياسة حكومة اسرائيل ومحاولاتها الدؤوبة تضليل الرأي العام الدولي حول النكبة وفي مواجهة سياستها العدوانية الاستيطانية وسياسة كسب الوقت بالمناورات وافتعال الأزمات من اجل التهرب من استحقاقات تسوية سياسية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ومن أجل فرض المزيد من الوقائع ، التي تجعل حل الدولتين مستحيلا .
وحمل تيسير خالد دولة اسرائيل المسؤولية الكاملة عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني وعن تهجير الفلسطينيين من ارض وطنهم بالقوة العسكرية الغاشمة عام 1948 وقال : نحن في هذه الايام نعبر الى الذكرى التاسعة والستين للنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 وما رافقها من جرائم وسياسة تهجير جماعي وتطهير عرقي على ايدي دولة اسرائيل والمنظمات العسكرية اليهودية المسلحة ، التي رافقت قيامها وكانت مسئولة عن سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ، التي ارتكبتها بشهادة منظمات دولية ضد الشعب الفلسطيني ، بما فيها بعثة الصليب الاحمر الدولي التي كانت تعمل في فلسطين تحت الانتداب ، تلك البعثة التي وثق رئيسها السيد جاك رينير تلك الجرائم وخاصة جريمة دير ياسين على نحو لا يترك مجالا للشك بأن اسرائيل ارتكبت في حينه جرائم حرب ، عملت دول وقوى ومنظمات سياسية وإعلامية دولية على ابقائها طي النسيان تحت تأثير جرائم النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية ، حتى لا تبني جسر تواصل وتشابه بين جرائم النازية وجرائم الحركة الصهيونية .
وأضاف : ذكرى النكبة ، وما تختزنه الذاكرة الوطنية الفلسطينية عن هذه الذكرى على امتداد هذه الاعوام يعني الشيء الكثير للشعب الفلسطيني . فالنكبة تعني التهجير والتشريد والمعاناة وفي الوقت نفسه الحنين الدائم الى الوطن والديار ، كما تعني تسعة وستين عاما من النضال المتواصل من أجل العودة ، قدم فيها الشعب الفلسطيني خيرة ابنائه من الشهداء وفي المقدمة منهم القائد التاريخي الكبير ، الرئيس الراحل ياسر عرفات
وتابع : يجب الاعتراف أننا قصرنا في تقديم الرواية الفلسطينية عن النكبة من خلال التركيز على جانبها السياسي والقانوني ارتباطا بالقرار الأممي 194 ، وإهمال توثيق ما ترتب عليها جرائم دفعت الفلسطينيين الى النزوح واللجوء وتقديمها للرأي العام الدولي ، حتى لا يبقى اسيرا للرواية الاسرائيلية حول اسباب النكبة . فقد شاعت افكار خاطئة في اوساط الرأي العام العالمي ، روجتها الدعاية الاسرائيلية حول اسباب النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كالإدعاء بأن الفلسطينيين هجروا ديارهم استجابة لطلب جيوش عربية ريثما يتم دحر القوات الصهيونية ومنع قيام دولة اسرائيل . ومن جانبنا لم نحاول بالقدر الكافي تقديم الحقائق وتسليط الضوء على مسؤولية اسرائيل السياسية والقانونية والأخلاقية عنها ، كسياسة الترانسفير ، او التهجير القسري ، او التطهير العرقي ، التي لا تستطيع اسرائيل أمام احداثها وحقائقها التهرب من مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية عن النكبة – المأساة ، التي تزامنت مع قيام تلك الدولة .
وأشار خالد الى أن سياسة الترانسفير والتطهير العرقي ، التي مارستها اسرائيل في حينه وحتى قبل قيام الدولة كان لها اساس في مصدرين : الاول هو الانتداب البريطاني والثاني هو الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية . ففي مجرى احداث ثورة العام 1936 شكلت سلطات الانتداب البريطاني لجنة تحقيق عرفت باسم ” لجنة بيل “. هذه اللجنة قدمت في العام 1937 توصية بتقسيم فلسطين الى دولتين ، واحدة عربية وأخرى يهودية وطلبت في الوقت نفسه اجراء تبادل سكاني بين الدولتين بحيث يجري تهجير 225 الف فلسطيني من اراضي ما سمي بالدولة اليهودية الى اراضي الدولة الفلسطينية ونحو 1250 يهودي من اراضي الدولة الفلسطينية الى اراضي الدولة اليهودية . وقد رحبت الترويكا القيادية للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية المشكلة آنذاك من حاييم وايزمان ، وموشي شاريت ودافيد بن غوريون بالفكرة وكتب في حينه دافيد بن غوريون في يومياته الخاصة بتاريخ 12 تموز 1937 يقول: ” ان الطرد الاجباري للعرب من الاودية التي اقترحت للدولة اليهودية يعطينا ما لم نكن نملكه حتى في ايام الهيكلين الاول والثاني ، انه يعطينا الجليل خاليا من السكان العرب “.
وأكد أنه على خلفية هذه الافكار السوداء كانت سياسة الاقتلاع والتطهير العرقي ، التي وجدت ترجمتها الفعلية في ماسمي في الايام الاخيرة من عهد الانتداب على فلسطين بالخطة ” دالت “، التي اعتمدتها قيادة الوكالة اليهودية في العاشر من آذار 1948 سياسة رسمية اوكلت تنفيذها للوحدات العسكرية للهاجاناه ، بتوجيهات تفصيلية لترجمتها ، كاثارة الرعب بين السكان ومحاصرة القرى والبلدات والأحياء الفلسطينية وقصفها وتدميرها وحرق المنازل والأملاك والبضائع وهدم البيوت والمنشآت وزرع الالغام وسط الانقاض لمنع السكان من العودة الى قراهم وبلداتهم وأحيائهم . خطة ” دالت ” تلك تواصلت على امتداد ستة أشهر ارتكبت فيها اسرائيل 28 مجزرة اشدها هولاً وقسوة مجزرة دير ياسين ، التي وثقها في تقرير تفصيلي يثير الفزع رئيس بعثة الصليب الاحمر الدولي في حينه في فلسطين تحت الانتداب السيد جاك رينير . وقد ترتب على خطة دالت تلك تدمير 531 بلدة وقرية فلسطينية وإخلاء نحو احد عشر حيا سكنيا في عدد من المدن الفلسطينية ، مثلما ترتب عليها تهجير 800 ألف فلسطيني ، تحولوا الى لاجئين في وطنهم ولاجئين في البلدان العربية المجاورة.
وحيا تيسير خالد صمود فلسطينيي الداخل وفلسطينيي مخيمات الجوء والشتات وإرادة التحدي ، التي يتحلون بها وأضاف أن ما نشاهده كل عام ، وفي هذا العام كذلك يثبت أن ابناء الشعب الفلسطيني ، لاجئين وغير لاجئين وهم يحيون هذه الذكرى يؤكدون تمسكهم بحقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها مثلما يؤكدون ردهم على محاولة اسرائيل تزوير تاريخ هذه البلاد بروايات مستمدة من الاساطير تنفي الارتباط الابدي بين الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين . وفي الداخل الفلسطيني ( 48 ) يجري إحياء الذكرى بمشهد من ارادة الصمود وإرادة التحدي تعبر اصدق تعبير عن الارتباط بين الشعب والأرض والتاريخ والهوية ، ففي الوقت الذي يحتفل فيه اليهود بما يسمونه يوم الاستقلال ، ينظم فلسطينيو الداخل ( اللاجئون في وطنهم ) مسيرات الى قراهم المدمرة ، والتي يشارك فيها عشرات الاف الفلسطينيين تأكيدا على هذا الارتباط الابدي .
*** وحول ما يجري تداوله من افكار ومقترحات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها وعن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة قال تيسير خالد :
نعم المشهد يتغير من عام الى آخر تحت ضغط وتأثير دولة اسرائيل وروايتها عن النكبة ومساندة الادارات الاميركية المتعاقبة وأوساط سياسية فاعلة وحاكمة في عدد من الدول الاوروبية . فالإدارات الاميركية المتعاقبة تتبنى الرواية الاسرائيلية حول النكبة وتعرض منذ سنوات على الجانب الفلسطيني صيغ حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لما جاء في اقتراحات الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون في طابا عام 2000 ، وذلك بوضع اللاجئين الفلسطينيين أمام خيارات ، تتنكر جميعها من حيث المبدأ لحقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها وتتجاهل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بقضية اللاجئين الفلسطينيين . صيغ الحل هذه تعتمد ليس فقط الرواية الاسرائيلية لأصل المشكلة ، بل وكذلك الرؤية الاسرائيلية لحل قضية اللاجئين ، والتي بحجة الحفاظ على يهودية دولة اسرائيل وعلى نقائها ” العرقي ” ، وبحجة عدم المسؤولية السياسية والاخلاقية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين ، لا تشترط للحل شطب حق العودة وحسب ، بل وتضمين كل اتفاق فلسطيني – اسرائيلي للتسوية السياسية بنودا ينص بعضها على اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة في اسرائيل وينص بعضها الآخر بوضوح على انهاء المطالب ، أي التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ، التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة . في هذا الصدد من المؤسف ان تصدر عن أوساط سياسية دولية مواقف تضع الحفاظ على يهودية دولة اسرائيل في مرتبة سياسية وقانونية وأخلاقية ارقى من حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وهو حق تكفله قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة أولا ، وحق لا يموت بالتقادم ، وحق نبنيه على تحميل اسرائيل المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني عام 1948 وكانت سببا لنزوحهم ولجوئهم وهجرتهم القسرية .
وأضاف : طبعا أمام انسداد الافق السياسي وغلق الطريق امام فرص التسوية السياسية بفعل السياسة العدوانية الاستيطانية التوسعية لدولة اسرائيل وممارساتها ، التي تفضي كما هو واضح الى الترانسفير والتطهير والعرقي والتهجير بوسائل وأدوات تختلف عن تلك التي مارستها عام 1948 ، يجب على الجانب الفلسطيني أن يحذر الايحاءات او التلميح بالاستعداد لحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين لا يقوم على اساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، والتي تستند بالأساس الى قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار 194 والى الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم التي هجروا منها .
وأكد خالد ان الموقف الاساس الذي ينبغي أن يحكم سياستنا على هذا الصعيد يجب أن يأخذ في الاعتبار أن الجانب الفلسطيني لن يوقع على اية تسوية للصراع تنطوي على انهاء المطالب قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي المقدمة منها القرار 194 أو تنطوي على حل وتصفية أعمال وكالة الغوث الدولية أو نقل اللاجئ الفلسطيني الى ولاية غير ولايتها كالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة أو تنطوي على المس بالمكانة السياسية والقانونية للمخيمات الفلسطينية او تنطوي على الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل كما تطالب بذلك حكومة نتنياهو وتناصرها وتدعمها في ذلك بقوة الإدارة الأميركية الجديدة باعتبار ذلك مؤشرا على نوايا ترانسفير وتهجير جديد ونكبة جديدة لأهلنا في اراضي 1948 ومدخلا لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين .
14/5/2017 مكتب الاعلام