محافظة سلفيت التي لا يزيد عدد سكانها على خمسة سبعين ألفا، موزعين على تسعةَ عشرَ تجمعاً سكانيا، تشكلُ حلقةَ وصلٍ ضمنَ امتدادٍ يربطُ الساحلَ الفلسطينيَ بغور الأردن.
هذا الموقعُ الاستراتيجيُ جعلَها نقطةَ استهدافٍ للاحتلالِ الاسرائيلي، فصادرَ مساحاتٍ واسعةً من أراضيها، وحاصرَها بالمستوطناتِ.
اربعة وعشرون تجمعًا استيطانيا يحيط بسلفيت.. أكبرهم مستوطنة “أريئيل” التي يقطنها نحو خمسة وعشرين ألف مستوطن، وهي ثاني أكبر تجمع استيطاني في الضفة الغربية بعد مستوطنة “معاليم أدوميم” على مشارف القدس.
المستوطنة تضم جامعة معترف بها من الحكومة الإسرائيلية، التي وضع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مؤخرا، حجر الأساس لبناء كلية الطب فيها.
رئيس بلدية سلفيت عبد الكريم زبيدي يخشى من أن تكون محافظة سلفيت باتت مهددة ديموغرافيًا من المستوطنين، “خاصة أن المدينة من أقل المدن الفلسطينية كثافة في السكان وعددهم 12 ألف نسمة فقط“.
هذا الواقع يقابله 24 مستوطنة ما بين سكانية وصناعية.. أكبرهم مستوطنة “أريئيل“.
وعن ذلك يضيف زبيدي أن “في أرائيل وحدها حوالي 25 ألف مستوطن.. فمعاناة أهالي محافظة سلفيت بدأت قبل أكثر من 30 عامًا معها، وقبل عقد من الزمان تقريبا أقامت سلطات الاحتلال قصرا ثقافيا فيها، تعرض فيه “الآثار والتراث المسروق“.
ويتابع “أرائيل تستولي على مساحات شاسعة من أراضي سلفيت؛ لا سيما بلدات مردة وجماعين، وتقع على أكبر حوض مائي فلسطيني، ويسعى الاحتلال لتنفيذ مخطط لربطها مع بلدة كفر قاسم بالداخل المحتل.. ما يعني فصل شمال الضفة عن وسطها تماما“.
كلية الطب
وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، قد ذكرت أنه تم الأسبوع الماضي وضع حجر الأساس لبناء كلية الطب بجامعة مستوطنة أريئيل التي ستحمل اسم الملياردير اليهودي المتبرع “شلدون ادلسون” وزوجته مريم، الذي دفع مبلغ 20 مليون دولار.
وشارك في الحفل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، إذ صرّح خلال تدشين الكلية، بأنها ستترك أثرًا كبيرًا وستكون مركزًا للتميز الحقيقي.
خطوة يصفها زبيدي بـ”الخطيرة”، إذ تهدف لترسيخ الاحتلال، وتعزيز فكرة رفض الانسحاب من التجمعات الاستيطانية الضخمة عبر بناء مؤسسات ومدارس وجامعات“.
ويكشف زبيدي عن أن المخطط الهيكلي الإسرائيلي الجديد “يهدف لمضاعفة مساحة الجامعة من 47 ألف متر مربع لتصبح 105 آلاف متر مربع على حساب أراضٍ فلسطينية، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة الملتحقين بها، الذين زاد عددعن 13 ألفا“.
وحسب المعلومات فجامعة “أريئيل” تحولت من معهد صغير في مستوطنة “أكير” القريبة، وتم نقله لها، واعترفت به الحكومة الإسرائيلية واعتمدته كجامعة عام 2012.
خطوة استفزازية
من جهته، وصف “المكتب الوطني” للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان (يتبع منظمة التحرير الفلسطينية)، تشييد كلية طب في مستوطنة جامعة أريئيل بـ “الخطوة الاستفزازية“.
واعتبر في بيان له أن تواجد نتنياهو في مستوطنة أريئيل الجاثمة على أرض فلسطينية محتلة، انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، واتفاقيات جنيف… فالشرعية الدولية وقراراتها أكدت باستمرار عدم شرعية وقانونية الاستيطان والمستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يستدعي إدانة صريحة من جانب المجتمع الدولي والأوساط الأكاديمية العالمية“.
وطالب المجتمع الدولي بـ “مواقف واضحة” من جامعة أريئيل والدراسة فيها والمتخرجين منها، داعيًا لمقاطعتها، ومقاطعة الأكاديميين الذين يدرّسون فيها، وعدم الاعتراف بالشهادات الصادرة عنها.
حرب شرسة
وتعيش محافظة سلفيت ببلداتها وقراها معاناة شديدة وحالة من التمزق بفعل ممارسات الاحتلال، وأهمها: تصاعد وتيرة الاستيطان، وجدار العزل العنصري، والتلوث البيئي الناتج عن مخلفات المستوطنات خاصة المناطق الصناعية، وسرقة آلاف الدونمات الزراعية، ومصادر المياه الجوفية، وطمس معالمها التاريخية والدينية.
إذ بدأ بلدوزر الاستيطان بأكل أرض سلفيت منذ عام 1975م، وذلك بإقامة العديد من البؤر الاستيطانية الصغيرة، التي سرعان ما تضخمت وتوسعت في أراضي المحافظة، وهيمنت على مساحات واسعة من الأراضي، وضمتها لحدود المستوطنات، بأوامر عسكرية إسرائيلية وذرائع وحجج أمنية مُخْتَلَقَة .
ويرى كثير من الخبراء والمختصين في قضايا الاستيطان أن سلفيت تعدُّ المحافظة الثانية بعد القدس من حيث الاستهداف الاستيطاني الإسرائيلي، وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه التصريحات من قبل مسؤولين إسرائيليين بأن مستوطنة “أرئيل” ستبقى داخل حدود “دولة” إسرائيل، وأن الهدف من التوسع الاستيطاني في سلفيت هو فصل شمال الضفة عن جنوبها، والهيمنة على المياه الجوفية في المحافظة.
ابتلاع الأرض
ويرى الباحث في شئون الاستيطان خالد معالي أن “مخاطر الاستيطان الهائلة الناجمة عن الهجمة الاستيطانية في محافظة سلفيت وصلت إلى حد لا يمكن أن يطاق فلسطينيا؛ فقد بلغ عدد المستوطنات فيها سبع عشرة مستوطنة؛ أكبرها مستوطنة أريئيل، التي تعدُّ من أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، وبلغ عدد البؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد عام 2000م ستة بؤر وعدد المواقع العسكرية ثلاثة مواقع، وبلغ عدد المناطق الصناعية فيها ثلاث مناطق؛ فيما بلغ عدد المواقع الخدماتية للمستوطنين فيها موقعًا واحدًا، وهذا العدد يفوق عدد التجمعات الفلسطينية“.
و يشير معالي إلى أن الأمر يزداد سوءًا نظرا لقرب المستوطنات من المنازل الفلسطينية في قرى مردة، ومسحة، ودير استيا؛ “فهذه المستوطنات آخذة بالتوسع المستمر على حساب أراضي المواطنين في هذه القرى“.
ولعل أحد أهم أسباب الأطماع الإسرائيلية بهذه المحافظة هو أنها تتربع على أحد أهم الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية؛ حيث إن سلطات الاحتلال تقوم بسرقتها وضخها لصالح المستوطنات المقامة على أراضي المحافظة.
مرام خبيثة
ويتابع “نكبت محافظة سلفيت باختيار الاحتلال لأراضيها كجزء يقع على الخط الاستيطاني الذي خطط لفصل شمال الوطن عن جنوبه؛ فقد بدأ الغزو الاستيطاني عليها، بسبب موقعها الجغرافي المتميز، وبسبب خصوبة تربتها، ولتربعها على أهد أهم الأحواض المائية في الضفة الغربية؛ فضلًا عن رغبته في فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، ولفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها عبر زرع خط من المستوطنات التي تقطع التواصل الجغرافي والسكاني الفلسطيني بين أوصال الوطن في الشمال عنها في الجنوب”.
وحسب المعلومات فإن مشاريع الاستيطان في محافظة سلفيت تتركز من خلال مجموعة من المحاور والخطوط، تخدم الهدف الاستراتيجي، لدى مخططي ومنظري الاستيطان، وهو تقطيع أوصال المحيط الفلسطيني، وبعثرة التجمعات السكانية الفلسطينية، ومنع أي تطور في البناء الفلسطيني في المنطقة، ومنع تواصلها الجغرافي وتطورها البنيوي وامتداد مخططها الهيكلي، وتقطع أوصال الضفة الغربية إلى أجزاء وفصلها عن بعضها البعض، ولهذا الهدف قام الاحتلال ببناء عدة محاور استيطانية وجيوب عازلة لتفصل المدن الفلسطينية عن بعضها، وتقطيع الاتصال الريفي والاندماج الهيكلي في البناء الفلسطيني.
ولقد شكلت التجمعات العمرانية الفلسطينية اختراقا للموانع الإسرائيلية، والمحاولات الاستيطانية التي كان من أهم أهدافها: منع قيام مثل هذه التجمعات، ومنع أي تطور في البناء الفلسطيني في المنطقة، وإزاء هذه التجمعات الفلسطينية قام الاحتلال ببناء عدة محاور استيطانية وجيوب عازلة لتفصل المدن الفلسطينية عن بعضها، وتقطيع الاتصال الريفي، والاندماج الهيكلي في البناء الفلسطيني، من خلال إنشاء مجموعة من الخطوط والمحاور والتكتلات الاستيطانية .
وفيما يلي أهم المحاور والتكتلات الاستيطانية في محافظة سلفيت:
1- الخط الذي يمتد من كفر قاسم داخل أراضي 1948 (غرباً) حتى وادي الأردن (شرقاً) يربط الساحل الفلسطيني (تل أبيب- بتاح تكفا) مع وادي الأردن، ويفصل بين الجزء الشمالي من الضفة الغربية (نابلس، وجنين) والجزء الأوسط من الضفة الغربية (رام الله).
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 يبدأ الخط الاستيطاني من غربي المنطقة ملاصقًا للخط الأخضر مبتدئًا بمستوطنة أرونيت، ومارًا بمستوطنة شعاري تكفا، (عبر ما يسمى شارع عابر السامرة أو خط ألون) ومستوطنة شعاري تكفا إلى مستوطنة الكانا، ثم مستوطنة بركان، ثم مستوطنة رفافا، ليصل إلى مستوطنة أرئيل، ثم ليمتد شرقًا حتى مستوطنة كفار تفوح، التي تتصل مع مستوطنة معاليه أفرايم، عبر خط ألون الذي يتجه إلى الأغوار ليتصل مع خط مستوطنات الغور، ويتقاطع مع ما يسمى خط 90، خط المستوطنات الموازية لنهر الأردن من الشمال إلى الجنوب عبر خط أريحا- نابلس في مفرق فصايل ثم الجفتلك، ثم يتقاطع هذا الخط مع خط معالي أفرايم، وجيتيت، ومخورا، والحمرا، نزولا إلى طريق الأغوار عبر خط بقعوت، ويتقاطع مع خط مستوطنة شيلو، وعيلي، ورحاليم، في مفرق زعترة، ومستوطنة كفار تفوح. (حسب المركز الجغرافي الفلسطيني، مسح المستعمرات الإسرائيلية في الضفة).
2- محور أرئيل: يقع شمال غرب مدينة سلفيت وجنوب غرب مدينة نابلس، وقد توزع هذا التكتل على شكل فكي كماشة حول المنطقة، حيث يبدأ المحور الأول: في تجمع حول خط سير نابلس– قلقيلية، بمستوطنة قدوميم، وقدوميم تصفون، عمنوئيل، ياكير نوفيم، نيفي أورانيم-جينات شمرون، معاليه شمرون، وأطلق على هذا التكتل اسم: تكتل قرنيه شمرون الاستيطاني.
3- المحور الثاني لفكي الكماشة لهذا التكتل يمتد على خط نابلس- سلفيت، أو ما يسمى “عابر السامرة”، ويبدأ من مستوطنة “كفار تفوح” جنوبي نابلس ويمتد إلى أرئيل- كريات ناطفيم – بركان – عيتص أفرايم – الكانا- شعاري تكفا – أورنيت – إيلي زهاف – بدوئيل.