يعد سن الثامنة عشرة في كل دول العالم، حداً فاصلاً ما بين الطفولة والشباب، غير أنه في بلادنا فلسطين، لطالما استثنيت قسراً من كل الأمور المفروغ منها، فعلى حدود خرائط أحمد مطر الشعرية، حين قال: أم سجننا المسجون خارج الزمن، لُخصت قصة أرقام الطفولة، وانتُهكت كافة المواثيق الدولية وبنود حقوق الطفل.
في فلسطين، تُزرع في أذهان الصغار قبل الكبار قصص البطولة والتضحية، ونفهم نحن أن عبارة، نموت كي يحيا الوطن، مقدسة الملامح، حتى وإن مست أحلام ما يقارب الـ 400 طفل، كان يجب أن يلتحقوا بمقاعد الدراسة لهذا العام.
في أنحاء فلسطين كافة ستعلو رائحة الكتب الجديدة، سيصدح نشيد الوطن في الطابور الصباحي، ستوزع الكتب كافة، وستحتوي مئات الصفوف على مقاعد دراسية، تنتظر بلهفة عودة أصحاب الأحلام.
ما يقارب الـ 400 طفل لن يلتحقوا بصفوف العام الدراسي، ذلك أن سجون الاحتلال غيبتهم عن هذا الحق المتواضع، بدعوى رفع علمٍ فوق سور المدرسة، أو رمي حجرٍ اتجاه جيبٍ عسكريٍ اقتحم القرية.
الطبيبة ملاك
ملاك محمد الغليظ (14 عاماً) من مخيم الجلزون، تعتبر أصغر أسيرة تتواجد في سجون الاحتلال، تُحتجز هناك برفقة أحلامها وأفكارها وخوفها وقلقها على مستقبلها.
صباحاً، نشرت الأسيرة المحررة رشا العزة (28 عاماً) من بيت لحم، تفاصيل اعتقالها، رغم مرور ما يزيد عن 10 أعوام على الإفراج عنها، رسمت صورةً لفتاةٍ غادرت بيتها طفلةً وعادت شابةً ناضجة، كبرت قبل أوانها قسراً، وغادرتها ملامح الطفولة.
رشا لا تزال تتذكر الثامن من شهر آب لعام 2003، تتذكر كيف أحاط أشقاؤها بها؛ ليمنعوا جنود الاحتلال من اختطافها من عائلتها، تتذكر صوت خطوات الجنود أعلى سطح المنزل، وتتذكر كيف التصقت بوالدتها.
المحررة العزة، والتي تحمل من اسم عائلتها الكثير، تتذكر أيضاً 67 يوماً في التحقيق، وربما تتذكر 18 يوماً، لم تعرض فيها على المحكمة، ولم يسمح للمحامي برؤيتها بموجب الأمر العسكري رقم 1500.
في قصة رشا، تتكرر قصة ملاك، لا بالتفاصيل ذاتها، بل بالذكريات، وتداعيات الزمن، ملاك طفلةٌ كانت على أعتاب مغادرة الصف التاسع الأساسي، طفلةٌ تحلم بأن تصبح طبيبة، فتحت عينيها لتجد نفسها فجأة داخل الأسر.
تشير روزان الغليظ، شقيقة الأسيرة الطفلة ملاك، إلى أنها تنتظر يوم الأربعاء القادم، لتلقي حكم نهائي بحقها، وتقول بقلبٍ مفطور: “نتمنى أن تقضي ملاك العيد معنا، لقد أخبرنا المحامي بأنه سيبذل جهده ليتحقق هذا الأمر، فعندها ربما تكف أمي عن شم رائحة ملابسها كل يوم، والنوم في سريرها”.
ملاك طفلةٌ وادعة، تحب القراءة، أرهقت مكتبة المدرسة؛ لكثرة ما قرأت من قصص، ملاك تضيع حين تحمل روايةً جديدة، تسافر داخل الكتب، طفلةٌ بعمر الرابعة عشرة، لم تر من العالم شيئاً بعد.
المهندس شادي
شادي أنور فراح (13 عاماً) من القدس، يعتبر أصغر طفلٍ يتواجد داخل سجون الاحتلال، يعتقله الاحتلال بعيداً عن فرسه الأصيل التي اعتاد أن يعتلي ظهرها ويسافر مع الريح، يُحتجز أيضاً بعيداً عن حبه لرياضة السباحة، بعيداً عن حبه للرسم، وخارج نطاق فرقة الدبكة الشعبية” فرقة سفراء فلسطين للفنون الشعبية” التي يشتاق لها كما تشتاق له.
صباحاً أيضاً، رفقة شقيقة الأسير مصعب دوابشة (25 عاماً) من نابلس، قالت بأنها لم تتعب من حر البلاد بعد، أهالي الأسرى يفكرون بطريقة أخرى، فقد باتت حرية شقيقها قاب قوسين أو أدنى، فنهاية هذا العام سيتحرر، عقب أربع سنوات من الأسر، منذ اعتقاله عام 2014.
شقيقة الأسير دوابشة، قالت بأنه يجب أن يشهد فصل الصيف خارج الأسر، يود لو يزور منطقة “باب الشعب”، في قريته دوما، ليلتقط له صورةً رفقة أصدقائه قبل حلول الشتاء، يحدق في شجرةٍ زرعها رفقة والدته، يغرق في الذهول، كيف نمت كل هذا القدر؟!، بل متى نمت كل هذا القدر؟!.
في مصعب، تتكرر قصة شادي، طفلٌ كبر قبل أوانه، ربما لا تقارن بذات التفاصيل، لكن الحقوق المتواضعة ذاتها، الأحلام البسيطة في العودة للأرض والالتحام بميدان الفروسية والتربيت على ظهر الخيل الذي انتظر طويلاً.
شادي طفلٌ يحلم بأن يكبر ليصبح مهندساً، لكن الاحتلال حرمه حق مغادرة الصف الثامن الأساسي، بشكلٍ طبيعي، وأصدر بحقه حكماً يقضي بالسجن مدة عامين اعتباراً من تاريخ 28/11/2016، فلم تقبل المحكمة احتساب العام السابق للحكم والذي أمضاه الأسير الطفل موقوفاً، خلافاً للبند (3) من المادة (40) لاتفاقية حقوق الطفل، فلم تلتزم هيئة قضائية عادلة مختصة بالوقوف دون تأخير محاكمته.
الناشطة إنعام ابو قنيص من غزة، والناشطة نورهان فراح من القدس، لم يصبهما اليأس بعد، ناشطتان في الحملة الوطنية التي تطالب بالإفراج عن الأطفال الأسرى، كلٌ في مكانها.
فراح وأبو قنيص أصبح جل همهما في الآونة الأخيرة، التذكير بما يقارب 400 طفل لا زالوا داخل الأسر، أطفالٌ بحاجة إلى أن يعودوا للالتحاق بمقاعدهم الدراسية، في الوقت الذي تتغاضى عيون كثيرة عن ما يحدث بحق الطفولة الفلسطينية.
القدس دوت كوم