سحبت السلطات الإسرائيلية المواطنة من آلاف المواطنين العرب في النقب، خلال السنوات الماضية، بادعاء تسجيل خاطئ، بحسب زعم موظفين في وزارة الداخلية. وقسم كبير من مسلوبي المواطنة كان يحمل الجنسية لعشرات السنين، وحتى أنه شارك في التصويت في الانتخابات، ولكن فجأة وجدوا أنفسهم من دون مواطنة. ويسكن هؤلاء في القرى العربية مسلوبة الاعتراف، التي تخطط إسرائيل إلى ترحيلهم عن أراضيهم والاستيلاء عليها.
وقال تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” اليوم الجمعة، بالاستناد إلى معلومات جمعتها النائب عايدة توما – سليمان، خلال الأشهر الأخيرة، إن مزاعم موظفي وزارة الداخلية لدى سلب المواطنة هي أن هذه المواطنة مُنحت بالخطأ، وذلك من دون أن يقدم موظفو الداخلية أية تبريرات أو تفاصيل.
أحد مسلوبي المواطنة هو محمود الغريبي من عشيرة العزازمة في منطقة بئر السبع، ولديه 12 ولدا من زوجتين، إحداهما تحمل الجنسية الإسرائيلية والأخرى لا تحملها لأنها من مواليد الضفة الغربية. ويحمل سبعة من أبناء الغريبي الجنسية بينما لا يحملها الآخرون. والغريبي نفسه لم يعد يحمل الجنسية، بعد سحبها منه، منذ العام 2000.
وقال الغريبي إنه توجه إلى مكتب وزارة الداخلية من أجل تجديد بطاقة هويته. وأضاف أنه “هناك، ومن دون أي إنذار، قالوا إنهم يأخذون مني المواطنة لأنه حدث خطأ. لم يشرحوا لي ما هو الخطأ وماذا يعني ذلك. ومنذئذ قدمت عشرة طلبات وفي كل مرة كنت أتلقى رفضا، وكل مرة بحجة مختلفة. ولدي أولاد فوق سن 18 عاما وهم بدون جنسية أيضا. هذا وضع لا يمكن تقبله. وأنا أسكن في هذه المنطقة منذ عشرات السنين وكذلك والدي كان هنا من قبل. وإذا حدث خطأ، صححوه”.
ويحمل ثلاثة أشقاء لأبو جرود سلامة، من قرية بير هداج، وكذلك أولاد الخمسة الجنسية لكنه هو نفسه لا يحملها بعدما سُلبت منه. وقال “نحن نعيش هنا منذ عشرات السنين. والدي ووالدتي تسجلوا في السجل السكاني في سنوات الخمسين، والآن أخذوا مني المواطنة. وحتى لو حدث خطأ في التسجيل، فإني لا أعرف لماذا يجب أن أدفع ثمن ذلك. هذه سياسة عنصرية، لا يوجد وصف آخر”.
ويقول مسلوبو المواطنة ومواطنون آخرون مطلعون على هذه الظاهرة إن موظفي وزارة الداخلية يسلبون المواطنة خلال لحظة، عندما يجلس أحد قبالتهم طالبا تجديد بطاقة الهوية أو جواز السفر أو يريد الحصول وثيقة رسمية، مثل تغيير مكان السكن. “قسم كبير من الناس، خاصة أولئك الذين يجيدون التحدث بالعبرية، لا يدركون ماذا حدث لهم. لا أحد يشرح لك شيئا، وفجأة تتغير مكانتك. تدخل مواطنا، وتخرج من دون المواطنة وتبدأ عملية مماطلة لا تنتهي”.
وقالت ياعيل أغمون، من بلدة يروحام، وترافق البدو إلى وزارة الداخلية لدى طلبهم استصدار بطاقة هوية أو جواز سفر، وكانت شاهدة على ممارسات الداخلية. “ترى بوضوح أن الموظف أو الموظفة يدخلون التفاصيل الشخصية إلى الحاسوب، وبالإمكان أن يفقد الناس مواطنتهم خلال ثانية. وبعد ذلك يواجهون عملية بيروقراطية لا نهاية لها. وأحيانا هذا يكلف عشرات آلاف الشواقل كأجرة محامي، ولا يحصلون على المواطنة دائما”.
ويوجد بين مسلوبي المواطنة عدد كبير من النساء اللواتي لا يتحدثن العبرية، لتصبح هذه ذريعة كافية من أجل رفض طلباتهن للتجنّس من جديد.
وتوجهت المحامية سوسن زهر، من مركز عدالة، إلى وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه دريع، والمستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، وطالبت بإلغاء هذه السياسة ضد عرب النقب. ووفقا لتوجه زهر فإن هذه السياسة تمارس منذ العام 2010 على الأقل. كذلك يتبين من توجه عدالة أن قسما من البدو كانوا يحملون المواطنة لعشرين وثلاثين وأربعين عاما، وصوتوا في الانتخابات وسددوا الضرائب، وبعضهم خدم في الجيش الإسرائيلي، وفجأة سُلبت المواطنة منهم ولم يعودوا يحملون الجنسية.
يشار إلى أنه بعد سحب المواطنة يتحول الشخص إلى “مقيم دائم”، أي أن مكانتهم تصبح شبيهة بمكانة الفلسطينيين في القدس المحتلة. بإمكانهم التصويت في الانتخابات المحلية، لكن لا يمكنهم ترشيح أنفسهم. ولا يمكنهم ترشيح أنفسهم أو التصويت في انتخابات الكنيست. يحصلون على حقوق اجتماعية، مثل العلاج في صندوق المرضى والحصول على مخصصات من التأمين الوطني، لكنهم لا يحصلون على جواز سفر، وإذا لم يتواجدوا في البلاد لفترة طويلة، فإنه قد تُسحب منهم مكانتهم كمقيمين دائمين أيضا. كذلك فإن انتقال مكانتهم إلى أولادهم لا يتم بصورة أوتوماتيكية كما هو حال المواطنين.
وقالت المحامية زهر إن الكثير من طلبات الحصول على المواطنة، أو الجنسية، تُرفض بسبب نقص في الوثائق، ماض جنائي علما أنه ليس ذريعة لرفض منح المواطنة، ومعرفة اللغة العبرية. ويوجد بين مسلوبي المواطنة أشخاص ولدوا في إسرائيل لوالدين يحملان المواطنة وأصبحوا الآن مقيمين دائمين، بينما بقي والديهم يحملون المواطنة. وهناك من حضر إلى مكتب وزارة الداخلية من أجل تجديد سريان جواز سفره الإسرائيلي من أجل تأدية مناسك الحج، وعندها يتم سحب المواطنة منه.
من جهة أخرى، قسم من بدو النقب لم يحصلوا على المواطنة أبدا، مثل سليم الدنتيري من بير هداج والبالغ من العمر خمسين عاما. وخدم والده في الجيش الإسرائيلي، لكنه لا يعرف لماذا لا يتم منحه المواطنة.
وأكد مندوبو وزارة الداخلية خلال جلسة للجنة الداخلية في الكنيست، العام الماضي، على وجود سياسة كهذه. وكلفت اللجنة مندوبي وزارة الداخلية بفحص حجم هذه الظاهرة وما إذا كانت قانونية. وبعثت وزارة الداخلية رسالة إلى رئيس لجنة الداخلية بالكنيست، في نهاية العام الماضي، قالت فيها إن عدد مسلوبي المواطنة يصل إلى 2600، وأنه لم يتم إجراء فحص تفصيلي ولذلك فإن العدد قد يكون أكبر.
وبحسب وزارة الداخلية، فإنه لدى حضور المواطنين البدو إلى مكتب الداخلية، يتم فحص سجل والديهم وجديهم في السجل السكاني في الفترة ما بين 1948 – 1952. واختيار هذه السنوات ليس من قبيل الصدفة. إذا أن الكثيرين من العرب لم يتمكنوا من تسجيل أنفسهم في السجل السكاني في الفترة ما بين قيام إسرائيل وسن قانون المواطنة عام 1952، خاصة وأن القرى والمدن العربية كانت تحت الحكم العسكري.
وقال وزير الداخلية الإسرائيلي الأسبق، ايلي يشاي، إنه لا يعلم بوجود سياسة كهذه ضد المواطنين البدو، بينما قال وزير الداخلية الحالي أرييه درعي، إنه لا توجد ظاهرة سلب مواطنة وإنما هذه عملية تنظيم وترتيب لما هو مسجل في السجل السكاني.
وطالب النائب طلب أبو عرار في رسالة بعثها إلى درعي، في أعقاب الكشف عن القضية اليوم، “بإعادة حالة (مكانة) كل مواطن ممن قام موظفو الداخلية في مكتب بئر السبع، بسحب جنسيتهم”، مضيفا أن “سحب الجنسية وتغيير حالة المواطنين العرب عن طريق موظفي مكتب الداخلية مرفوض ومخالف للقانون، والأمر مستهجن”.
وطالب “بالكشف عن حجم سحب الجنسية وتغيير الحالات للمواطنين العرب في النقب بشكل مستعجل. كما أطالب بمنح الجنسية للعديد من السكان العرب الذين حرموا منها، وإعطاء بطاقات هوية لمن لم يحصلوا عليها، رغم أنهم من مواليد البلاد، وكبار العمر، علما أن هذه القضية طرحت مع وزراء الداخلية السابقين”.
عن (عرب 48)