برهوم جرايسي
**قوانين سلب
الائتلاف الحاكم أظهر تماسكا جوهريا، حول السياسات اليمينية المتطرفة وقسم عريض من المعارضة متوافق مع ذات السياسة *لأول مرة يدخل ما يسمى بـ “قانونية القومية” إلى مسار التشريع *ووضع مشروع قانون لمنع أي انسحاب من القدس على مسار تشريع سريع ويمهد لما هو أخطر ضد القدس المحتلة *ويضاف إلى هذا دخول مشروع قانون سلب الأموال الفلسطينية إلى مسار التشريع
كان العنوان الأبرز للدورة الصيفية للكنيست الإسرائيلي، التي اختتمت في نهايات تموز، الماضي، أنها دورة “باردة” من حيث وتيرة العمل البرلماني فيها، بعد عامين برلمانيين ساخنين، وأن الحكومة لم تبادر للكثير من القوانين. إلا أنه في نظرة أخرى، رأينا الكنيست يدخل مرحلة جديدة في القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، إذ بدأ يتوغل في القوانين التي كان يصعب عليه الدخول اليها من قبل.
ولكن الأمر الأبرز في هذه الدورة، هو استمرار تماسك الائتلاف الحاكم، الذي يرتكز على 66 نائبا من أصل 120 نائبا، ولم تنشأ أية حالة، واجه فيها الائتلاف أي حرج في تمرير أي من القوانين والقرارات، على كافة الصعد، بينما التماسك كان أقوى وأشد حول السياسات اليمينية المتطرفة، في حين أن المعارضة متفرقة بين ثلاث اتجاهات وأحيانا أربعة بعدد كتلها البرلمانية.
والتماسك الأكبر نجده في كتله الليكود، وهو تماسك الضعفاء، نحو النجم الأوحد في الحزب بنيامين نتنياهو، الذي نجح على مر السنين، في القضاء على مراكز قوة ضده، وأبعد شخصيات كان من الممكن أن تنافسه، أو أن تشكل نقطة جذب لمعارضيه في داخل “الليكود”. ورأينا أن الهزة التي ظهرت حينما أبعد نتنياهو موشيه يعلون عن وزارة الأمن، لم تدم طويلا، إذ لم يجد يعلون من يسانده في الحزب، وحتى هو، الذي منحته استطلاعات الرأي قبل عام عدة مقاعد في حال خاض الانتخابات البرلمانية، غاب كليا عن استطلاعات الأشهر الأخيرة.
وجميع كتل الائتلاف الأخرى، باستثناء تحالف أحزاب المستوطنين، ليست معنية بانتخابات مبكرة، إذ أنها ترى النتائج غير المريحة لها في استطلاعات الرأي، بين الثبوت في المكان، أو خسارة بعض المقاعد. بينما تحالف أحزاب المستوطنين “البيت اليهودي”، تعده استطلاعات الرأي بزيادة 50% في عدد مقاعده، من 8 اليوم إلى 12 مقعدا، وهي القوة التي حصل عليها في العام 2013، وكما يبدو فإن مصدره اعادة القوة هو المستوطنات، أكثر من أي مكان آخر. إلا أن “البيت اليهودي”، الذي يحرص من حين إلى آخر، على افتعال أزمة في الائتلاف، من باب “نحن هنا”، لا يبدو أنه تغريه استطلاعات الرأي للركض وراء انتخابات مبكرة. إذ أن اليمين الاستيطاني راض كليا عن الحكومة الحالية، باعتبارها الأفضل من بين جميع الحكومات السابقة، لذا لا يرى ما يبرر حل الائتلاف وفق الظروف الحالية.
وهذا التماسك برز في رد فعل كتل الائتلاف على التحقيقات بشبهات الفساد المتورط بها نتنياهو، إذ حظي نتنياهو بدعم شركائه في الحكومة، وأولهم كتلة تحالف أحزاب المستوطنين، وهذا ما عبر عنه زعيم التحالف، وزير التعليم نفتالي بينيت، من دعم لنتنياهو في التحقيقات الجارية. كذلك زميلته وزيرة القضاء أييليت شكيد، التي سارعت للتصريح في مقابلات صحفية، قائلة إن القانون لا يلزم نتنياهو بالاستقالة من منصبه كرئيس للحكومة، في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده.
وهذا الحال يسري على باقي الشركاء، الذين منهم من هو متورط في قضايا فساد، مثل وزير الداخلية آرييه درعي، الجاري ضده تحقيقات في قضايا فساد جديدة، بعد أن أمضى في السجن فترة ليست قليلة بعد ادانته بقضايا فساد سابقة. وفي خلفية هذا الدعم حسابات حزبية لكتل الائتلاف، ولكن أيضا حسابات سياسية، لخدمة اليمين الاستيطاني.
ونشير هنا، إلى أنه في أوج النشر عن شبهات الفساد ضد نتنياهو، قالت أنباء، إن حزب “الليكود” وحزب “كولانو” بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، وهو الحزب الثاني في الائتلاف، قد اتفقا على عدم الخوض في مشاريع قوانين خلافية في الدورة الشتوية المقبلة، تفاديا لأزمات تؤدي الى حل الحكومة.
أما المعارضة، فهي متشرذمة أكثر من ذي قبل، خاصة بعد أن بات حزب “يوجد مستقبل”، بزعامة يائير لبيد، يعرض توجهات يمينية، في كثير من الأحيان تنافس اليمين المتطرف، وهذا ينعكس في انخراطه أكثر في مشاريع القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان. فعلى سبيل المثال، كان هذا الحزب هو المبادر لقانون سلب أموال الضرائب الفلسطينية، الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية في الدورة الصيفية، بموافقة الحكومة عليه.
وهو القانون الذي يقضي بأن تخصم الحكومة الإسرائيلية أموالا من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها عند المعابر الدورية، بنفس حجم المخصصات التي تدفعها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى.
في حين أن كتلة “المعسكر الصهيوني”، وفي صلبها حزب “العمل”، هي أيضا لا تعرض بديلا سياسيا واضحا لحكومة اليمين الاستيطاني. ولكن حزب “العمل” أحدث مفاجأة في شهر تموز/ يوليو الماضي، بانتخاب رئيس جديد له، وهو آفي غباي، الذي حقق انتصارا على قيادة الحزب التي تحالفات ضده في الجولة الثانية، وهو الذي لم يمر أكثر من ثمانية أشهر على انتسابه للحزب، حتى انتخابه.
وكان غباي قد أعلن أنه سيعمل على عرض حزب العمل كالحزب البديل للحكم، وهذا تصريح لم يظهر منه شيئا، بعد مرور 40 يوما على انتخابه، إلا أن الفترة القريبة ستوضح أكثر ما إذا هذا الحزب سيغير اتجاهاته، التي انحرفت باتجاه اليمين المتشدد بعد الانتخابات البرلمانية في العام 2015. خاصة وأنه حزب ما زال ضعيفا في استطلاعات الرأي، وآخر توقع خسارة كتلة “المعسكر الصهيوني”، التي تضم حزب “العمل” ثمانية مقاعد، من 24 مقعدا اليوم، إلى 16 مقعدا بحسب استطلاع نشرته صحيفة معاريف، وسيحل ثالثا بعد الليكود، وحزب “يوجد مستقبل”، الذي حسب ذات الاستطلاع سيرفع عدد مقاعده من 11 مقعدا اليوم، إلى 21 مقعدا.
والاتجاه الثالث في المعارضة، يضم كتلة “القائمة المشتركة”، التي تضم الأحزاب الناشطة بين فلسطينيي الداخل، وكتلة “ميرتس” اليسارية الصهيونية، فكلتا الكتلتين، تتصرفان كمعارضة كلية للحكومة الحالية، مع بعض الاستثناءات الهامشية لكتلة “ميرتس”.
**قوانين دعم الاحتلال
في اطار القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، وجدنا تصعيدا في نوعية هذه القوانين، إذ باتت تتوغل في قوانين كان يُعتقد أنه من الصعب دخولها إلى مسار التشريع، نظرا للخلافات الداخلية في الائتلاف. ففي الايام الأولى للدورة الصيفية، في 11 ايار/ مايو 2017، أقرت الهيئة العامة للكنيست، بغالبية الاصوات، بالقراءة التمهيدية، مشروع قانون ما يسمى “الدولة القومية”، بالنص الذي طرحه عضو الكنيست عن حزب “الليكود” آفي ديختر”، من حزب الليكود، وكانت مصادقة الحكومة على القانون وطرحه للتصويت، أمرا مفاجئا، نظرا لحجم الخلافات الداخلية بين الأحزاب والتيارات المشاركة في الائتلاف الحكومي، وبشكل خاص بين كتلتي المتدينين المتزمتين “الحريديم”، كتلة “شاس” لليهود الشرقيين، وكتلة “يهدوت هتوراة” لليهود الغربيين الأشكناز، والأخيرة هي الأكثر تشددا، نظرا لكون القانون ينص على تعريفات تتناقض مع معتقداتهم الدينية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تم اقرار القانون بالقراءة التمهيدية، وأعلنت الحكومة في الكنيست في جلسة التصويت، أنها ستطرح بعد 60 يوما نص مشروع قانون من طرفها، تعمل على صياغته لجنة وزارية خاصة. إلا أن الايام الستين مرّت، ولم يتم طرح مشروع كهذا. كذلك، قرر حزب الليكود في النصف الأول من شهر تموز/ يوليو، تمرير مشروع قانون القومية بالقراءة الأولى، في الاسبوع الأخير من الدورة الصيفية. إلا أن المستشار القضائي للكنيست، اصدر موقفا قضائيا، يقول إنه من غير الممكن وضع مثل هذا القانون على مسار تشريع سريع، لكونه قانونا جوهريا، وسينعكس على سلسلة قوانين قائمة.
ولكن نتنياهو آبى إلا وأن يعرض صورة أخرى، في محاولة للتقليل من شأن الخلافات حول هذا القانون، وبادر في الاسبوع الأخير للدورة الصيفية، إلى عقد جلسة واسعة للجنة الخاصة التي ستعد القانون لمراحل التشريع اللاحقة. ثم أعلن أنه سيطلب من اللجنة أن تواصل عملها خلال العطلة إلى حين بدء الدور الشتوية في منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل.
كذلك أقر الكنيست في مسار تشريع سريع بالقراءة الأولى مشروع قانون يطلب أغلبية عددية، من 80 نائبا، لأي تغيير في القانون الاساس، المسمى “القدس عاصمة إسرائيل”. وقد أقر القانون بالقراءة التمهيدية، وبعد أقل من اسبوع تم عرض القانون للتصويت عليه بالقراءة الأولى، بعد اجراء تعديلات عليه، وفي جوهرها ما يسمح لاحقا بفصل ضواحي فلسطينية ضخمة عن المدينة، دون أن يشكل هذا القانون عائقا.
وفي هذا القانون أيضا، أعلن نتنياهو من خلال أحد الوزراء، في اليوم الأخير للدورة الصيفية، أنه أعطى الضوء الأخضر لأحد نواب الليكود، لدفع بمشروع قانون، لتغيير مناطق النفوذ للقدس المحتلة، بحيث سيتم ضم مستوطنات ضخمة من الجهات الثلاث، شمال وشرق وجنوب، مقابل فصل ضواحي فلسطينية ضخمة عن المدينة.
كذلك أقرت الهيئة العامة للكنيست، في منتصف الدورة الصيفية، مشروع قانون يقضي بخصم أموال من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل في المعابر الدولية، بذات قيمة المخصصات التي تدفعها السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى.
وقد بادر إلى هذا القانون النائب اليعيزر شطيرن، من حزب “يوجد مستقبل” المعارض، بزعامة يائير لبيد، وقد حصل على تأييد الحكومة. وحسب ما نشر في حينه، فإن هذا القانون الذي دخل في مسار التشريع، يواجه تعقيدات عديدة، من بينها الاجابة على سؤال: “كيف للحكومة الإسرائيلية، أن تعرف حجم المخصصات بالضبط، خاصة وأنه ينص أيضا على المخصصات التي تدفعها منظمة التحرير، وليس فقط السلطة الفلسطينية.
وعلى الأغلب فإن القرار في تقدم هذا القانون في المسار التشريعي سيكون مرتبطا بقرار سياسي من شخص بنيامين نتنياهو، لأن القانون يصطدم مع اتفاق باريس المالي، وسيخلق تعقيدات أمام حكومات مستقبلية، قد تكون لديها توجهات أخرى.
ما يعني أن هذه القوانين الثلاث ستكون على رأس جدول أعمال الائتلاف الحاكم في الكنيست، مع بدء الدورة الشتوية القادمة.