محمد بلاص:
“خطر!! منطقة ملغومة!! ممنوع السير في الطرق الترابية!!”..هذه العبارة كتبت باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والعبرية على لوحة معدنية صفراء وضعت على سياج يحيط بأكثر ستة آلاف متر مربع من أراضي منطقة “بئر المي” القريبة من بلدة عرابة جنوب جنين، وهي منطقة مزروعة بحقل ألغام منذ العام 1965، وتشكل مصدر رعب دائم بالنسبة لأهالي البلدة التي استشهد وأصيب عدد من أبنائها جراء انفجار ألغام بهم هناك.
وكان حقل ألغام عرابة، كما يعرفه كثيرون، واحداً من سبعة حقول سلمت الاردن خرائطها، من أصل 16 حقلا، دون أن تحدد الخريطة طبيعة الألغام الموجودة فيه وعددها.
وبحسب الأهالي، عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إزالة الألغام من حقل عرابة وغيره من حقول الألغام في الضفة الغربية لأكثر من مرة، بانتهاج آلية عمل غير مهنية، واقتصار تنظيف الحقل على إزالة الألغام الظاهرة فوق الأرض دون باطنها الذي يحتوي على ألغام ضد الأفراد وأخرى ضد الدبابات، بحسب معلومات المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام التابع لوزارة الداخلية.
أول الضحايا
ويعتبر المواطن نبيل طالب (أبو ميزر) أول ضحايا حقل الألغام هذا، حيث أفقده لغم مضاد للأفراد في ربيع عام 1979، بصره ويده اليمنى، عندما انفجر به أثناء بحثه عن الزعتر برفقة صديقه ماهر نمر دقة، ولم يكن يتجاوز من العمر 15 عاماً، حيث وجدا قطعة حديدية لم يكونا يعرفان أنها لغم، وسرعان ما رفعاها عن الأرض فانفجرت بهما، ففقد أبو ميزر بصره وبُترت يده اليمنى، فيما أصيب صديقه ماهر بشلل بيده.
وقال مواطنون من البلدة، إن سلطات الاحتلال وضعت سياجاً حول حقل الألغام وإشارات تحذيرية على لوحة معدنية صفراء كتبت عليها عبارة “خطر!! منطقة ملغومة!! ممنوع السير في الطرق الترابية!!”، وهي لوحة أكل الدهر عليها وشرب.
وكشف رئيس المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام التابع لوزارة الداخلية، العميد جمعة موسى، النقاب عن وجود نحو مليون ونصف المليون لغم في حقول الألغام الموزعة على 16 حقلا في المناطق الحدودية من جنين إلى الخليل.
وقال موسى: “استطعنا إزالة 900 لغم في حقول الألغام منها مضاد للأفراد والدروع، وهناك في فلسطين جرحى ألغام تجاوز عددهم 1000 جريح من بينهم 115 جريحاً في محافظة جنين، و300 شهيد في الأراضي الفلسطينية، و26 ألف معاق لدى الشعب الفلسطيني هم بحاجة إلى ميزانية ضخمة لمساعدتهم.
وتابع: “استطعنا بعد إنشاء المركز إزالة خمسة حقول ألغام في النبي إلياس بقلقيلية، وحوسان ببيت لحم، وأم الدرج وصوريف بالخليل، ودير أبو ضعيف وعرابة ويعبد وقباطية بمحافظة جنين، وحصلنا على موافقة دولية بتنظيف وإزالة حقل ألغام في موقع المغطس في محافظة أريحا”.
فلسطين خالية من الألغام
وأكد ممثل خدمات الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، ساشا لوجي، التزام المنظمة تجاه السلطة الوطنية لإزالة الألغام وصولا إلى فلسطين خالية منها.
ونوه إلى أن المنظمة عملت مع الشركاء على تنظيف مناطق كثيرة في العالم من الألغام لتوفير بيئة آمنة للسكان في أراضيهم، وعملت في قطاع غزة على إزالة الألغام ومتفجرات الحروب التي مرت بها غزة خاصة في الحربين الأخيرتين، حيث تمت إزالة 149 قنبلة جوية وأخرى يبلغ وزنها طناً، وإتلاف 29 طناً من المخلفات الحربية.
وبحسب المتحدث باسم الشرطة، المقدم لؤي ارزيقات، فإن الأجسام المشبوهة والمخلفات الحربية المنفجرة وغير المنفجرة تنتشر في فلسطين بشكل كبير، وتشكل خطرا حقيقيا على حياة المواطنين فيها، وخاصة إذا ما إذا اقترب منها الأطفال والذين لا يعبؤون بها ويستخدمونها ويعبثون بها على اعتبار أنها ألعاب بالإمكان اللهو بها ولا يدركون بأنها ستنهي حياتهم في أية لحظة.
وأرجع ارزيقات أسباب انتشار هذه الأجسام في فلسطين، إلى تعرضها لاحتلالات متعاقبة وخضوعها للحكم العثماني والانتداب البريطاني والحكم الأردني والاحتلال الإسرائيلي، ووقوع الحروب العسكرية فيها، والتي تركت مخلفات عسكرية منفجرة وغير منفجرة وخطيرة، وبسبب العوامل الطبيعية طمست في الأرض ويتم اكتشافها خلال الحفريات والعمل في الأراضي الزراعية وغيرها.
مكافحة الأجسام المشبوهة
وقال: “تعمل الشرطة على مكافحة الأجسام المشبوهة من خلال وحدة هندسة المتفجرات وهي إحدى الوحدات المهمة والمتخصصة في التعامل مع المتفجرات والأجسام المشبوهة بطرق علمية حديثة، وتلقى ضباطها دورات متخصصة في العديد من الدول، وأصبح خبراء المتفجرات فيها محترفين في التعامل مع هذه الأجسام ومكافحتها”.
وأوضح أن مكافحة هذه الأجسام تتم من خلال ضبطها والتعامل معها بطريقة آمنة وإتلافها بعيدا عن المواطنين والاستجابة السريعة لبلاغات المواطنين وإجراء المسح الهندسي منذ لحظة وصول البلاغات للشرطة، إلى جانب الإرشاد والتوعية من خلال المحاضرات واللقاءات ونشرات التوعية والتي تحوي تعليمات وصور وإرشادات.
أنواع وأشكال
وأشار إلى أنواع هذه الأجسام المنتشرة في فلسطين، والتي أكد أنها كثيرة وتشمل قذائف مدفعية غير منفجرة وقذائف هاون وقنابل يدوية وصواريخ وقنابل ملقاة من الطائرات، وغالبا يتم العثور عليها وهي غير منفجرة من قبل المواطنين في أراض زراعية أو أثناء الحفريات من أجل البناء، وفي أحيان كثيرة تكون قد دفنت في باطن الأرض نتيجة للعوامل الطبيعية، وهي مصنوعة من المعدن وبعضها من البلاستيك، وإذا وجدت في مناطق مفتوحة تتعرض للصدأ أو تغير لونها أو الدفن تحت التراب، ما يصعب التعرف عليها، وعلى الرغم من أنها لا تبدو للشخص غير خطيرة، إلا أنها خطيرة جدا ولا يمكن إزالتها إلا بواسطة خبراء المتفجرات، موضحا أن من الأنواع الموجودة أيضا القنابل اليدوية وقذائف الآر بي جي والعيارات النارية وقذائف المدفعية والدبابات وقذائف الهاون.
وذكر أن إدارة هندسة المتفجرات في الشرطة تعاملت خلال العام الماضي مع 1026 جسما مشبوها تنوعت بين قذائف وقنابل يدوية وقنابل غاز وقنابل إنارة وألغام وذخائر عسكرية وغيرها، وجميعها كانت تشكل خطرا على حياة المواطنين وخاصة الأطفال.
وتابع: قدمت إدارة هندسة المتفجرات 77 محاضرة في العام 2016 استفاد منها 6300 مواطن من مختلف الفئات والأعمار و90 محاضرة في هذا العام استفاد منها ما يزيد على 7500 مواطن، فيما تعاملت مع 881 جسما من ذات الأجسام منذ بداية هذا العام.