( إذا كان نتنياهو يبحث لنفسه عن جذور تاريخية فإن عليه أن يبحث عنها في مكان آخر وليس في هذه البلاد )
تحت رعاية المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان وبمشاركة بلدية سلفيت عقد اليوم في المركز الجماهيري للبلدية المؤتمر الوطني لمناهضة الاستيطان . وتحدث في افتتاح المؤتمر كل من محافظ سلفيت ورئيس البدية ، كما قدمت أوراق عمل في المؤتمر شارك في تقديمها ممثلون عن المكتب الوطني وعن معهد البحوث التطبيقية (أريج ) ومؤسسة الحق . وألقى تيسير خالد ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، رئيس المكتب الوطني للدفاع عن الأرض كلمة في افتتاح المؤتمر قال فيها :
قد يسأل بعض الحضور ، لماذا اختار المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان مدينة سلفيت بالذات مكانا لعق هذا المؤتمر . وجوابي على ذلك بسيط ، فلمحافظة سلفيت مكانتها في اعتبارات السياسة الاستيطانية لحكومة اسرائيل ، فضلا عن أن نتنياهو بدأ في مستوطنة ” بركان ” على اراضي المحافظة احتفالاته في الثامن والعشرين من آب الماضي بمرور 50 عاما على ” الاستيطان في الضفة الغربية ” تحت عنوان ” أضواء اليوبيل “، حيث قال رئيس الحكومة ، بنيامين نتنياهو في تلك الاحتفالات ، بأنه لن يكون هناك أي إخلاء للمستوطنين بعد اليوم. وتابع في الاحتفال الذي نظم في المنطقة الصناعية “بركان”، وحضره آلاف المستوطنين وعدد من السياسيين ” نحن هنا لكي نبقى للأبد . لن يكون هناك أي اقتلاع لمستوطنات في أرض إسرائيل ” .
ولم ينس نتنياهو الحديث عن ميراث آبائه وأجداده فقال في ذلك الاحتفال “هذا ميراث آبائنا ، وهذه أرضنا .عدنا إلى هنا كي نبقى للأبد . لن يكون هناك أي اقتلاع لمستوطنات في أرض إسرائيل. وقد ثبت أن ذلك لا يساعد في تحقيق السلام . اقتلعنا مستوطنات ، وتلقينا صواريخ. لن يتكرر ذلك. وهناك سبب ثان لكي نحافظ على هذا المكان . السامرة (الضفة الغربية) هي ذخر إستراتيجي لدولة إسرائيل . وهي مفتاح مستقبلها ، لأنه من هذه المرتفعات العالية ، والمرتفعات العالية في جبل حتصور ، نشاهد البلاد من الطرف إلى الطرف”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يجد ضالته في العثور على أي شيء يعتقد أنه شواهد تاريخية وأثرية تؤكد عمق جذوره التاريخية في هذه البلاد ، فقد عرض مؤخرا بطريقة تثير السخرية عبر صفحته على فيسبوك قطعة نقدية تم اكتشافها من قبل فتاة إسرائيلية في مستوطنة حلميش قرب رام الله ، وزعم أنها تاريخية من فترة الهيكل الثاني أي قبل أكثر من 2000 عام ، ليتبين أن العملة النقدية صنعت كتذكار للأطفال قبل نحو 15 عاما بمبادرة من “متحف إسرائيل ” . هذه واحدة من ألاعيب نتنياهو ، التي يحاول من خلالها إثبات عمق ارتباط المستعمرين الصهاينة ببلاد كنعان ، التي اعطت البشرية مفتاح تدوين وكتابة حضاراتها على مر العصور .
هنا وفي هذه المناسبة ومن مدينة سلفيت نقول لنتنياهو : إذا كان حقا يبحث لنفسه عن جذور تاريخية فعليه أن يبحث عنها في مكان آخر وليس في هذه البلاد ، فليس له هنا جذور وعندما يدور الحديث عن الجذور فإن عليه أن يخرج من الجليل فليس له جذور في الجليل باعتراف دافيد بن غوريون الذي وبخ قادة الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية بسبب اعتراضهم على خطة التقسيم عام 1937 قائلا : كيف تعترضون على ذلك وقد أعطتنا خطة التقسيم مناطق في الجليل لم يكن لنا فيها يوما تراث أو حضور على مر التاريخ .
*** نقول هذا بمناسبة مرور 50 عاما على احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية واحتلال قطاع غزة ، ولكن ماذا يمكن أن نقول وقد ودعنا قبل أيام الذكرى 24 للتوقيع على اتفاقية اوسلو الاولى – اتفاقية غزة / اريحا أولا في حديقة البيت الابيض في واشنطن ، أين كنا في حينه وأين أصبحنا اليوم في ظل سلسلة الاتفاقيات ، التي تم التوقيع عليها بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وبعد جولات وجولات من المفاوضات على امتداد السنين مع الجانب الاسرائيلي
في المراجعة الاولية والسريعة نقول ما يلي :
** كنا في حينه في مواجهة 110 آلاف مستوطن يعيشون في مستوطنات تحاصرها المدن والبدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية من كل مكان وأصبحنا اليوم نعيش في معازل يحاصرها 700 ألف مستوطن يعيشون في 158 مستوطنة وفي نحو 220 – 250 بؤرة استيطانية تتحول مع الوقت الى ملاذات آمنه لمنظمات الارهاب اليهودي ، بدءا بشبيبة التلال مرورا بمنظمات دفع الثمن وانتهاء بما يسمى تنظيم تمرد الارهابي ، الذي يتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية القريبة ملاذات آمنة بحماية قوات الاحتلال .
** كان رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه اسحق رابين يتحدث عن مستوطنات سياسية قابلة للتفكيك ومستوطنات أمنية قابلة للتفاوض حول مستقبل بقائها او رحيلها وجمعها في المستوطنات القريبة من الخط الأخضر ، وأصبحنا اليوم في زمن نتنياهو نسمع لغة أخرى عن أرض الاباء والأجداد وعن استيطان غير خاضع للتفاوض وغير خاضع للرحيل ، عن استيطان يتمدد ويتوسع ويحاصر الفلسطينيين في معازل
** كنا في حينه نتحدث عن حكم عسكري وأوامر عسكرية وأصبحنا اليوم نتحدث ليس فقط عن حكم عسكري بل وعن إدارة مدنية تفوق صلاحياتها صلاحية السلطة الوطنية الفلسطينية وتشكل مرجعية لها في سجل السكان وسجل الاراضي وغير ذلك من شؤون تنظيم حياة الفلسطينيين تحت الفلسطينيين تحت الاحتلال وعن نظامين إداريين وقضائيين ومدنيين على نفس البقعة الجغرافية وبما يعكس بوضوح كامل نظام الفصل العنصري ، الذي يتحكم بجميع مناحي الحياة وآفاق مستقبلها في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة ، نظام فصل عنصري له تجلياته الواضحة في مجالات البناء والإسكان والحركة على الطرق واستخدامات وحقوق المياه وله تجلياته على مستوى القضاء حيث يتعايش بتناقض على هذه الارض نظام قضائي مدني للمستوطنين ونظام قضائي عسكري للمواطنين الفلسطينيين .
** ما المخرج من هذا المأزق الذي أدخلتنا فيه الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال . هل المخرج في استمرار المراهنة على تسوية سياسية من خلال المفاوضات ترعاها الولايات المتحدة الاميركية ، أم أن المخرج في مكان آخر ومسار مختلف عن المسار ، الذي واصلنا حتى الآن التمسك به .
علينا أن نقرر موقفنا ونحسم أمرنا أولا من الرعاية الأميركية للمفاوضات وما يسمى عملية السلام . يجب ألا نختلف على أن الرعاية الاميركية الحصرية لعملية السلام تلك دمرت جميع فرص التقدم نحو التسوية السياسية للصراع ، ويجب ألا نختلف أن اسرائيل استخدما تلك الرعاية الاميركية واستخدمت المفاوضات غطاء لسياستها العدوانية الاستيطانية التوسعية ، ويجب ألا نختلف كذلك على أن الادارات الاميركية السابقة اعتمدت سياسة إضاعة وتقطيع الوقت في علاقتها مع ملف التسوية السياسية ، وجميعنا يذكر تسريبات ويكيليكس وحديث وزيرة الخارجية الاميركية السابقة بأن عملية سياسية وهمية مع الفلسطينيين أفضل من حالة الفراغ ، ولا حاجة لنا للتذكير في المستقبل بالتسريبات التي تداولتها الأوساط السياسية مؤخرا حول التسجيلات الصوتية للسيد جاريد كوشنير مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤول ملف تسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي في الجلسة المغلقة مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري ، والتي أكد فيها أنه لا يرى أملا يلوح في الافق لتسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي .
فلدى الادارة الاميركية الجديدة رؤية واضحة لتسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي تقوم على مقاربة سياسية جديدة وضع إطارها العام اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بالتشارك مع حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو وجرى تفصيلها بسلسلة من التوصيات قدمها الثنائي دينيس روس ودافيد ماكوفسكي ، وتقوم على التركيز على تسوية اقليمية يجري على أساسها تطبيع العلاقات بين الدول العربية ، وفي الحد الأدنى بعض الدول العربية السنية وإسرائيل وفي سياقها يجري توسيع صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية في بعض المناطق المصنفة ( ب ) و ( ج ) وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين وتحسين مستوى معيشة المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال . وتستثني هذه المقاربة السياسية الجديدة من البحث في هذه المرحلة في الحد الأدنى ما يسمى بحل الدولتين باعتباره خيارا اثبت عدم جدواه في جميع الجهود السياسية التي بذلتها الادارات الاميركية السابقة لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وهو ما يفسر بوضوح إحجام الادارة الاميركية الجديدة عن تبني فكرة حل الدولتين وإحجامها في الوقت نفسه عن ممارسة الضغط على حكومة اسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية ووقف اجراءاتها أحادية الجانب في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة
إذن من الخطأ الفادح استمرار الرهان على دور تقوم به الادارة الاميركية خاصة في ضوء تدخل هذه الادارة بشؤون المصالحة الفلسطينية . فقد سمعنا قبل أيام أن الإدارة الاميركية رفعت الفيتو عن المصالحة الوطنية . كثيرون صدقوا هذا الكلام ، بمن فيهم الأخ موسى أبو مرزوق ليتبين أنه بمجرد وصول موكب الدكتور رامي الحمد الله قطاع غزة ، حتى خرج علينا مسؤول في البيت الأبيض يؤكد ان واشنطن لا ترى فرصة للتوصل الى اتفاق للتسوية بدون موافقة حماس على شروط اللجنة الرباعية الثلاثة وهي الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات والتعهدات السابقة للسلطة ونبذ العنف والإرهاب ، وان حماس لن تكون جزءا من حكومة السلطة ما لم تعترف بإسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه على المسؤول في البيت الأبيض هو : كم هو عدد الأحزاب الصهيونية المشاركة في الحكومة الاسرائيلية ، والتي ترفض مجرد الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية .
في عهد هذه الادارة الأكثر صهيونية بين جميع الادارات الاميركية السابقة تضاعف الاستيطان في النصف الاول من هذا العام ثلاثة أضعاف ما كان عليه على امتداد العام الماضي . هذه الادارة لا تكتفي بعدم الإفصاح عن موقفها الحقيقي مما يسمى حل الدولتين ولا تكتفي بموقفها المستهجن من الاستيطان ، بل هي تقود حربا ضد حركة المقاطعة وتجرم كل مشاركة شعبية أو شبه رسمية بنشاط مقاطعة حتى منتجات المستوطنات . بل إن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي ذهبت أبعد من ذلك فقد هددت بوقف تمويل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في حال نشر المجلس “القائمة السوداء ” للشركات العالمية التي تعمل في المستوطنات في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، في الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان.
هذا الموقف ، الذي عبرت عنه سفيرة الولايات لمتحدة الاميركية في الأمم المتحدة موقف غير أخلاقي يشجع حكومة اسرائيل على مواصلة نشاطاتها الاستيطانية ويشجع المستوطنين على مواصلة اعتداءاتهم على أراضي المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية ويوفر لهم ليس فقط الحماية بل والدعم الذي يحتاجون للسطو على ألأراضي والممتلكات الفلسطينية واستغلالها ونهب ثرواتها على حساب تدهور مستوى معيشة المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال ، كما هو الحال بالنسبة للمستوطنات القائمة في مناطق الأغوار الفلسطينية وغيرها من المناطق المستهدفة بالاستيطان والتهويد في الضفة الغربية .
أخيرا فإن اسرائيل استخدمت الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما فيها اتفاق باريس الاقتصادي ، كوسيلة من وسائل التخلص من أعباء الاحتلال ، ونجحت في ذلك بحيث تحول الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 الى ارخص احتلال عرفه التاريخ الكولونيالي على الاطلاق ، كما تعاملت مع هذه الاتفاقيات وما انبثق عنها من سلطة فلسطينية باعتبارها أداة لتكريس وتعميق الاحتلال والتوسع في الاستيطان وتحويل السلطة الفلسطينية الى وكيل ثانوي لمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية ومنع تحولها الى محطة انتقالية نحو الاستقلال وبناء دولة فلسطينية مستقلة .
وفي ضوء هذا كله ندعو الى وقف الرهان على تسوية سياسية برعاية الادارة الاميركية والمبادرة الى تطبيق قرارات المجلس المركزي الفلسطيني وإعادة بناء العلاقة مع اسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري مع ما يصاحب ذلك من خطوات فك ارتباط مع سلطات الاحتلال والتحضير لعصيان وطني في مواجهة دولة اسرائيل لدفع المجتمع الدولي الى التدخل والبحث في تسوية سياسية هدفها وضع حد للاحتلال وتمكين دولة فلسطين من ممارسة سيادتها على جميع اراضيها المحتلة منذ حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية وضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى أراضيهم وبيوتهم التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة وفقا للقرارات الاممية ذات الصلة بما فيها القرار 194 .
سلفيت : 4/10/2017