ليس بخافٍ على أحد إصرار الصهاينة على سرقة كامل الأرض، فهي محاولات سبقت نكبة عام 48، كان أشهرها قبيل نهاية القرن الـ19 (وهي حادثة تجادل المؤرخون حول نجاحها أو فشلها)، ودون الغوص في الماضي كثيرا وتسليط الضوء كيف ان عائلة عربية واحدة فقط سربت 3% من ارض فلسطين، فإن ارقام الحاضر ومعطياته مرعبة تجاه مصير ما تبقى من ارض في الضفة الغربية المحتلة.
فبالنظر الى عام 2017 (الاعلى وتيرة في التوسع الاستيطاني منذ 17 عاما بحسب افيغدور ليبرمان، والعام الذي صودق خلاله ايضا على وحدات استيطانية اكثر مما صودق عليه في السنوات الـ10 الاخيرة بحسب ما يسمي بـنائب وزير “الامن الاسرائيلي” ايلي دهان)، ارقام تعكس نوايا مستقبلية جهر بها وزير جيش الاحتلال السابق موشيه يعلون قبل ايام بتأكيده على “ضرورة استعمار مليون او حتى مليوني مستوطن جديد اراضي الضفة”، فما هو الاساس الذي سرقت عليه الارض وتفشت خلاله الوحدات الاستيطانية كالسرطان.
“جريمة منظمة” وحرب تهويد تستهدف الارض اسلحتها: مئات القوانين والاف الاوامر العسكرية، والمال “الوفير” صاحب الاثر في النفوس الضعيفة، واكثر من 500 شركة “اسرائيلية” بأسماء عربية واجنبية وعبرية، وشركات غربية واخرى “شقيقة”، وسفارات الاحتلال حيث لاجئون ونازحون شردتهم النكبة والنكسة، وعمليات خطف لأصحاب الاراضي في الوطن وفي الخارج، وعمليات ابتزاز في الارزاق والابدان، وعقول تستخدم احدث اشكال التكنولوجيا في عمليات التزوير.
دخلنا احد مكاتب مكافحة تسريب الاراضي، مسؤول امني لم تتسع رفوف مكتبه ومكاتب مساعديه لملفات محاولات التزوير وتسريب الاراضي للاحتلال، فقد بلغت حجم القضايا في هذا الشأن 1000 قضية اشتباه بمحاولة التسريب سنويا، (هذا رقم لا يشمل سوى جهاز امني واحد، دون الملفات عند باقي الاجهزة الامنية، وعدا ما لم يكشف بعد او ابدا).
“هجمة مسعورة وتسارع رهيب لسرقة الارض بشكل محموم، وامور قد تخرج عن السيطرة بين الساعة والاخرى، وانا هنا اعني حرفيا ما اقوله بين الساعة والاخرى، فحجم ما نفشله من قضايا تزوير وتسريب الاراضي غير طبيعي، وكل ذلك تعزز عقب توجه القيادة الى الامم المتحدة عام 2011 وتحقيق انجازات في المحافل”، يصف المصدر الامني حجم الهجمة الاستيطانية التي تتصدى لها المؤسسات الوطنية (الامنية والمدنية).
إفشال تسريب عشرات آلاف الدونمات حتى بعد قضية عقربا
وكما ان قطرة سم واحدة كفيلة بإفساد كمية كبيرة من انقى الماء واشده صفاءً، فإن وريثا واحدا يكفي لان يكون سببا في تسريب آلاف الدونمات عن طريق التزوير، ولفهم هذه الحيثية اكثر نستشهد بما قالته “فليئا البيك” التي كانت تشغل منصب رئيس القسم المدني في النيابة العامة للاحتلال: “من بين كل 100 صفقة بيع اراض من عرب بالضفة الغربية الى يهود اسرائيليين، فإن 99 منها قائم على التزوير، ورغم ذلك فإن 9 من اصل 10 صفقات كان يتم المصادقة عليها من الجهات الرسمية الاسرائيلية”.
ويشير المصدر الامني الى انهم افشلوا تسريب 35 ألف دونم في منطقة بادية القدس كانت ستسرب للإسرائيليين عن طريق التزوير، وان سلطات الاحتلال اعلنت تلك المنطقة منطقة “عسكرية” عقب كشف التزوير وافشال التسريب، مؤكدا ان القضية لا تزال قيد المتابعة والملاحقة.
وفي محافظة نابلس افشل الجهاز ايضا، تسريب ما يقارب الـ17 ألف دونم بعد اعتقال مجموعة سماسرة عملوا بالتزوير على تسريب هذه الاراضي، حيث تورطت شركات “اقليمية” بملايين الدولارات في هذه القضية التي لا تزال متابعة ايضا.
كما افشل الجهاز تسريب ألفي دونم اخريات في منطقة الاغوار، وهي ايضا قضية ما زالت متابعة، ما يعكس جهدا عاليا للجهاز في حماية الارض، التي وصفها المصدر الامني بأنها “قضيتنا الاهم، اذ لا كيان للدولة من دون الارض التي ضحى من اجلها الملايين بالدم والاعتقال…”.
سبق كل ذلك تورط شركة “اميركية” في محاولة تسريب ما يقارب الـ5 آلاف دونم من اراضي محافظة نابلس (وهي مساحة تعادل مساحة مدينة قلقيلية -المنطقة التي يسمح الاحتلال بالبناء والتوسع فيها-) عبر عملية تزوير شملت ايضا في ما زور، تزوير كتاب كان يفترض انه صادر عن الجهاز الامني ذاته، وهي عملية تزوير قادها سمسار يحمل الجنسية الاسرائيلية (ع.خ)، مقابل مبلغ طائل بعشرات الملايين من الدولارات، مخطط عطله الجهاز الامني بالتعاون مع نقابة المحامين الفلسطينيين.
الاحتلال عرض مليون شيقل مقابل الدونم الواحد في أراض تعنيه بشدة
وضمن سعيه لخلق واقع على الارض بما يخدم مشاريعه الاستعمارية عبر تقطيع اوصال الضفة وتقسيمها (كما اوردنا في تقرير سابق)، فإن الاحتلال معني بالسيطرة على اراض بحد ذاتها، خاصة في القدس والخليل وسلفيت وبيت لحم، وهي محافظات “تشهد استهدافا غير مسبوق” بحسب المصدر الامني، الذي اكد لنا ان الجهاز يحتجز معتقلين اثنين من محافظة سلفيت كانا سيبيعان 51 دونما بـ51 مليون شيقل، لولا تدخل الجهاز وافشال التسريب في اخر لحظة.
سفارات الاحتلال تحولت أوكارًا لتسريب الاراضي
وتشير تقديرات امنيين ومختصين في الشأن الاستيطاني، الى ان الخطورة المستقبلية في موضوع سرقة الاراضي، هو ما يجري من عمليات تسريب اراض في الخارج (لأراض هنا بالضفة) حيث يتواجد اللاجئون والنازحون، اذ تحولت السفارات “الاسرائيلية” الى ما يشبه دائرة لتسجيل الاراضي.
كتبة عدل “اسرائيليون” بعدتهم وعديدهم انتقلوا الى سفارات الاحتلال لإتمام صفقات تسريب اراض بالضفة هنا لمالكيها المقيمين في الخارج، ومن هناك يتمم محامون اسرائيليون بدرجة كاتب عدل “نيتريون” معاملات البيع والشراء، وتحول الاموال الى حسابات بنكية في الخارج.
والكارثة انه في هذه الحالة فإن اي تصديق من قبل كاتب “عدل الاحتلال” على المعاملات يصبح بموجب “القانون الاسرائيلي” ساريا ويفرض علينا فرضا بموجب قوة الاحتلال، حيث يتم تسجيل عقد البيع ويتم اعطاء وكالة دورية غير قابلة للعزل ويوقعها هذا المحامي.
خطف مواطن (فلسطيني) من الأردن الى مصر لإجباره على بيع أرضه قرب مستوطنة “بيت إيل”
الثالث من شهر حزيران من العام 2016 مشهد يعكس تأصل الجريمة المنظمة في فكر وعمل كيان الاحتلال، مواطن فلسطيني يقطن في العاصمة الاردنية عمان، وهو بالأصل من بلدة دورا القرع شمالي مدينة رام الله، يستدرج الى مدينة العقبة الاردنية، ليخطف من هناك ويقاد عنوة عبر البحر الى مدينة الفيوم المصرية، وليقاسي على مدى ثلاثة ايام ابشع انواع المعاملة، ليحاولوا اجباره على توقيع معاملة التنازل عن ارضه التي اقيمت عليها وحدات استيطانية حكمت محكمة الاحتلال بهدمها، لأنها اقيمت بشكل غير “قانوني” في مستوطنة “بيت ايل” القائمة على اراض محتلة.
وكما هو الحال في افلام “المافيا” تماما، وعند اليوم الرابع من تاريخ خطف الرجل، تقف سيارة قرب السفارة الاردنية في مصر، ويلقى به مقطع الثياب وفي وضع صحي صعب، حيث اكد الرجل لاحقا بعد اخذ افاداته ان الهدف من وراء خطفه هو اجباره على التوقيع على معاملة بيع وتنازل عن ارضه التي اقيمت عليها الوحدات الاستيطانية.
قصة الخطف ليست الوحيدة فهناك العديد منها، سنتطرق الى البعض منها لاحقا في تحقيقنا خلال ذكر اساليب التزوير وسرقة الاراضي من قبل الاحتلال وعملائه.
أكثر من 500 شركة استعمارية لسرقة الأرض
وطن، عواد ت. داوود للمشاريع الاقتصادية المساهمة الخصوصية المحدودة، شركة الارض الطيبة م.ض، شركة زيت زيتون….اسماء عربية لشركات اسرائيلية استعمارية الهدف منها الخداع والتضليل، وايهام الفلسطينيين بأنها شركات غير اسرائيلية بحسب ما اكده رئيس مجلس المستوطنات بالضفة الغربية بنحاس فارشلتاين بتصريحات إعلامية.
عدا ان الشركات الاستعمارية واسماءها لا تقف عند الشركات “المستعربة” فهناك ما تحمل اسماء عبرية وانجليزية، قد يكون دور البعض منها اتمام صفقة تزوير وسرقة قذرة ثم تختفي عن الوجود، ومعظمها شركات تسجل في خارج حدود فلسطين المحتلة، وتنشط هنا في الضفة، والهدف هو التملص من أي عواقب قانونية لعملها الاجرامي، وهذه الشركات اصحابها بمعظمهم مقربون من اصحاب القرار في كيان الاحتلال.
وتعتمد هذه الشركات في عملها على جواسيس وسماسرة يسهلون نقل ملكية الأرض في قيود التسجيل استنادا إلى وثائق مزورة تم إعدادها بواسطة شبكة التزوير التي تديرها، والتي تضم عددا من كتاب العدل والعملاء من الجنسين، وتشمل هذه الوثائق المزورة بطاقات هوية وملاحق بأسماء اصحاب الأراضي، وجوازات سفر عربية وأجنبية، وشهادات وفاة، وحجج حصر إرث، وعقود بيع، ووكالات عامة، ووكالات دورية، ووكالات موقعة من خارج الوطن.
فمثلا وفي عام 2015 ألقت الأجهزة الأمنية القبض على احد المتعاونين مع شركة “الصندوق التابع للمدرسة الدينية ارض اسرائيل م.خ.م” لصاحبها شموئيل عناب (الذي اشتهر بعلاقته مع فليئا البيك سابقة الذكر) وهو من احدى قرى غرب مدينة رام الله، قبض عليه وهو يحاول تزييف ختم رئيس مجلس قروي، ليسجل اعترافا بأنه سبق وقام بتزوير ختم المجلس المحلي السابق، وختم مختار القرية ما قبل المجلس وكل ذلك بتوجيه من الشركة، لنقل ملكية أراض من تلك القرية للشركة التي سبق ثبوت تزويرها لملكية اراض في قرية عين يبرود والنبي صمويل، والامثلة على تزوير هذه الشركات اكثر مما تتسع له صفحات هذا التحقيق فالملفات والإثباتات بالآلاف.
تقاسم وظيفي بين مختلف مؤسسات الاحتلال لسرقة الأرض
وفي كيان الاحتلال الكل مجيش (أفراد، ومؤسسات) في سبيل افراغ الارض من اصحابها والسيطرة عليها بكافة الطرق، فإذا ما اخذنا القدس المحتلة مثالا، تجد ان كل ما هو اسرائيلي يجتهد لتهويد المدينة، فمثلا المؤسسات التي تعنى بالآثار وبالتعاون مع الشركات الاستيطانية استهدفت الارض تحفرها ليلا ونهارا اسفل منازل المقدسيين، حتى اذا ما تصدعت اساسات وجدران منزل فإن بلدية الاحتلال تأتي لتكمل الدور بإعلانها ان المنزل غير آهل للسكن وان على اصحابه اخلاءه فورا، ليمسي المنزل وقد خلا من مالكيه فريسة للمستوطنين وشركاتهم.
ولا يقف الامر عند هذا الحد اذ تعمد مصلحة الضرائب “الاسرائيلية” الى اغراق المقدسيين بالضرائب، وحتى المؤسسات التي تقدم الخدمات العامة تراكمت عليها ديون ومبالغ طائلة، حتى اذا غرق المقدسي بالديون وضاقت به السبل، جاءه العرض “بع ارضك وعقارك وكن من اصحاب الملايين”، اما في باقي محافظات الضفة فإن الوضع ليس بأفضل حالا، اذ سجلت الاجهزة الامنية حالات تسريب وتزوير لمواطنين تعرضوا لابتزاز مقابل تصاريح عمل او حتى تصاريح علاج في داخل الكيان.
ونستدل من تورط المقدم “يائير بلومنطال” والعامل في “الادارة المدنية” للاحتلال”، بعد ان زود شركة “عواد.ت.داوود” الاستعمارية بكل ما يلزم من خرائط ووثائق ومعلومات عن سجلات الاراضي واصحابها، بل وشملت ايضا المراسلات الداخلية للإدارة المدنية، ليعطي الشركة امكانية تزوير ملكية قطع اراض خاصة في بيت أمر، والجيب، واريحا، وطوباس، وهي قصة تكشف فيها لاحقا عن تورط اعلى المستويات في كيان الاحتلال بسرقة 1600 دونم بالتزوير، منهم وزير “الأمن” الأسبق شاؤول موفاز ومستشار وزير “الأمن” موشيه يعلون، وهي حكاية ما كانت لتخرج الى العلن لولا ان مالكي الشركة اخفوا عن مصلحة الضرائب دخلهم الذي قدر بملايين الشواقل.
الدمج بين مئات القوانين وآلاف الاوامر العسكرية بهدف السرقة
يكفي ان نشير الى الدراسة التي سربتها حركة “السلام الآن” بعد ان اوقفت محاكم الاحتلال جلسة استماع حول التماسهم بسرقة الاراضي الخاصة من الفلسطينيين بالضفة، حيث اوضحت الدراسة ان 1.26% فقط من الاراضي التي تقوم عليها المستوطنات هي اراض “يهودية” (وهي بالمناسبة اراض بمعظمها خضعت لعمليات تزوير ملكية)، فيما بلغت الاراضي المصادرة بالاحكام العسكرية والتي يسميها الاحتلال اراضي “دولة” 54.31%، اما الاراضي التي هي ملكيات خاصة للفلسطينيين فبلغت 38.76%، اما الاراضي التي لم تنته فيها عمليات التسوية (الطابو) فبلغت 5.76% من حجم الاراضي المحتلة التي تقوم عليها المستوطنات بالضفة.
ويشير المستشار في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الباحث محمد نزال والذي اجرى دراسة هامة جدا حول تسريب الاراضي والعقارات في الضفة، الى ان حوالي 90% من الاراضي المصنفة “ج” في الضفة الغربية المحتلة، هي مستحوذ عليها بفعل مئات القوانين المتعلقة بالأرض والاف الاوامر العسكرية.
فمثلا وفي عام 1984 قرر كيان الاحتلال لَيَّ عنق القانون العثماني الصادر عام 1858 وتطويعه لخدمة واحدة من اكبر سرقات العصر، ليصادر معه ما يقرب من المليون دونم بحجة انها اراض مشاع (ميري) او متروكة، واشارت دراسة صادرة عن مؤسسة “بيتسيلم الحقوقية الاسرائيلية” بعنوان “تحت غطاء الشرعية الإعلان عن أراضي دولة في الضفة الغربية”، ان كل ما تم الاستيلاء عليه من اراض انذاك، يتناقض مع قوانين الأراضي المحلية التي استندت اليها عملية الاستيلاء او السرقة.
وحين تنعدم الحيلة لدى سلطات الاحتلال لسرقة المزيد من سرقة الاراضي، فيكفي ان تشرع قانونا لمرة واحدة في “الكنيست” ليشرعن ويسوي اوضاع 50 بؤرة استيطانية، ويسرق عشرات آلاف الدونمات، بهذه البساطة، كما حدث مطلع شهر شباط من العام الجاري.
وتتمحور آليات الاستحواذ الاسرائيلي على الاراضي في الضفة ضمن آليتين وهما: الرسمية (وهذه الالية لا تغير الملكية حتى وان طالت لآلاف السنين الا في استثناء واحد): اعلان الاراضي املاك دولة، استملاكها، اراض عسكرية، اغلاق مناطق، اعلان نتائج الخط الاخضر، منطقة نفوذ مستوطنات، وهي منطقة امنية خاصة بمجال حيوي يشكل 60% من مساحة الضفة، مناطق خضراء، مناطق اثرية، الاستثناء السابق ذكره يتمثل في ان الاحتلال عاد من جديد الى البناء الاستيطاني في المناطق المعلن عن السيطرة عليها بأوامر عسكرية (كحال بناء 31 وحدة استيطانية في البلدة القديمة بالخليل مؤخرا).
اما الآلية الثانية فهي غير الرسمية وهي من قسمين: “التسريب” وهي بمعظمها مخفية وهي بشقين اولاهما: ان يتم البيع من مالك الارض مباشرة لجهات اسرائيلية وهي الاقل (عبر مستندات الطابو التي يمتلكها الاحتلال وهي قليلة)، والشق الثاني ان يتم البيع “بريئا” بمعنى ان يبيع مالك الارض قطعته الى سمسار اراض (وهم عملاء للاحتلال يجهل البائع حقيقة خيانتهم)، حيث يشتري الارض بطريقة نظامية قانونية من مالكها ثم يبيعها الى الاسرائيلي، وهنا تكمن الخطورة في ظل حمى بيع الاراضي والاتجار بها (المقصود بحمى بيع الاراضي من مواطن لآخر بهدف التجارة وليس البيع للإسرائيلي).
اما القسم الثاني من الالية غير الرسمية وهي “التزوير” وفي حالات كثيرة ترتبط بالتسريب، وهو ما سيوضح اكثر لاحقا عند التطرق لأساليب التزوير.
وفي المقابل فإن تصنيف أراضي الضفة المحتلة إلى مناطق (أ.ب.ج)، وما تضمنه من إبقاء حوالي 65% من مساحة الضفة الغربية تحت السيطرة المطلقة لقوة الاحتلال، وتخويل محاكمها صلاحية البت في قضايا النزاع المتعلقة بالأموال غير المنقولة فيها إذا كان أحد أطراف القضية يحمل جنسية دولة الاحتلال، شكل إلى جانب كونه انتهاكا لقواعد القانون الدولي والإنساني وقواعد القانون الدولي الخاص ثغرة سمحت للمستعمرين وشركاتهم بسرقة الاراضي الفلسطينية الخاصة بكل وسائل التزوير والاحتيال في ظل القانون.
فأنواع الارض في فلسطين 5 انواع: ميري، وملك، ووقف، وموات، ومتروك، اما تصنيفاتها فهي قسمان: الطابو (الاراضي التي تمت عليها اعمال التسوية، والتصنيف الثاني اراضي المالية (الاراضي التي لم تتم عليها اعمال التسوية) وفي العادة المساحة على ارض الواقع اكبر مما هي الاوراق وهذا ما شكل مشكلة اكبر وثغرة للتزوير والسرقة، خاصة مع بقاء جزء لا بأس به من اوراق ومستندات الاراضي بالضفة مع الادارة المدنية التابعة للاحتلال.
ومع انها الاكبر حجما ولان معظمها اراض مالية، ولان معظم اوراقها ومستنداتها تمتلكها الادارة المدنية للاحتلال، فإن المناطق المصنفة “ج” هي الضحية الاكثر عرضة للنهب والسرقة، والسبب الاهم وراء ذلك هي انها تستطيع عمل معاملات بيع جديد لديها، خاصة ان الصفقات تأخذ رقما لا اسماء، حتى لا تعرف الاسماء ان كان هناك بيع حقا او انها عمليات تزوير.
الا ان هذا لا يعني ان لا تسريب في المناطق المصنفة “ب”، فمؤخرا وخلال مشروع تسوية الاراضي الذي يفترض ان يشمل كافة اراضي الضفة الغربية، تقدمت شركات استعمارية بطلب تسوية اراض تدعي ملكيتها في مناطق مصنفة “ب” بمحافظة سلفيت.
ولا يتوقف الاحتيال عند هذا الحد، والتفافا على موجبات القانون المحلي- المعدل بالأمر العسكري رقم 1621- من حيث البدء بإجراءات تسجيل قطعة ارض آلت لشركة استعمارية عن طريق “الشراء” وبعد اخذ الموافقات المطلوبة على عقد صفقة الاعلان عن ذلك باللغة العربية في صحيفتين تصدران “في المنطقة”.
فعادة ما تنشر الشركات الاستعمارية في صحف يومية او اسبوعية تصدر بالأراضي المحتلة عام 48، والتي لا توزع في العادة في الضفة الغربية وبعد الاعتراض على صحة النشر بات لزاما نشر الاعلان في صحيفة محلية واحدة، وهو ما يتعمد نشره لمرة واحدة في مربع صغير في ذيل احدى الصفحات الداخلية للصحيفة وبشكل لا يكاد يستوقف احدا، وبإشكاليات لا حد لها، فقلة هم من يعرفون ارقام القطع وارقام الاحواض التي يملكون حصصا فيها، وباستثناء الصفقات المزورة التي نظمها المستعمرون كإجراء معطل بعد اصدار قرارات قضائية بوجوب اخلاء الاراضي التي استولوا عليها واقاموا عليها ابنية مؤقته، فإن غالبية وثائق الصفقات المزورة يتم تنظيمها في وقت بعيد نسبيا عن موعد الاعلان عنها، وغالبا بعد موت صاحب الارض.
اساليب التزوير
اساليب التزوير في تسريب الاراضي كثيرة ولا يمكن حصرها، وهي اشبه بحرب تتجدد اسلحتها وتتطور بشكل سريع مع التقدم التكنولوجي الذي يخدم عمليات التزوير، كالتزوير على اوراق قديمة وبحبر خاص…الخ، وسنحاول ان نعرض في هذا التحقيق بعضا من اشهر اساليب التزوير:
1. تزوير الوثائق الرسمية ووثائق نقل الملكية: ان تنفيذ أي صفقة عقارية بين البائع والشركة او احد السماسرة يتطلب تزويد البائع بعدد من الوثائق (هوية المالك، وسند التسجيل او اخراج القيد، وحصر ارث في حالة كون البائع وريثا)، وبناء عليه ينظم عقد مذيلا بتوقيع البائع وشهود، او بتوقيع كاتب العدل كبديل عن الشهود، وتنظم وكالة دورية غير قابلة للعزل، فمثلا وفي حالة احد السماسرة العملاء (ا.ع) باع ارضا للشركة الاستعمارية وقبض جزءا من الثمن، منتظرا اعمال الجرف حتى جاء اصحاب الارض بأوراقهم ومستنداتهم الى جانب توقيعات على وكالات محامين للتوجه الى المحكمة لإثبات الاعتداء، ليتسلم بعدها عن طريق محامي شركة الاستيطان ملف الشكوى المقدم للمحكمة، وليزور بمساعدة كاتب عدل الاحتلال كل الوثائق المطلوبة لإتمام صفقة البيع المزورة.
2. تزوير البصمات: في احدى الحالات في محافظة قلقيلية ذيل اعوان الاحتلال بيع 4 قطع اراض ببصمات مزورة في ثمانينيات القرن الماضي، وفي عام 2010 ادعت شركة “بدل هولدينغز” ملكية القطع لترفع بعد ذلك قضية امام محاكم الاحتلال استمرت 3 اعوام اعيدت بعدها الارض الى اصحابها الحقيقين، بعد تعرض المحامي للتهديد واطلاق النار على مكتبه واحراق سيارته.
3. اخذ التواقيع والبصمات بالقوة: في العام 2007 وبمحافظة قلقيلية تعرض مواطن (87 عاما) آنذاك لمحاولة اختطاف فاشلة، من امام بيته حيث اجبر صراخه خاطفيه على الهرب، ليفلحوا بعد شهرين باختطافه والاعتداء عليه، حيث قدم بلاغا عند شرطة الاحتلال بأخذ بصماته عنوة، وفي عام 2013 فوجئ الورثة بتقديم شركة ميلتون انترتريد” طلبا لتسجيل ارض اباهم المتوفى، بدعوى شرائها في ذات اليوم الذي اختطف فيه 21.6.2007.
4. اخذ التواقيع والبصمات بالغش والاحتيال: استغل احد العملاء امية بعض الكبار في السن بمحافظة رام الله، وقام بتبصيمهم على اوراق ادعى انها اوراق للمساعدات من جمعيات خيرية، وان المطلوب هو مجرد تقديم طلب للمساعدة والبصم عليه.
5. انتحال شخصية صاحب الارض: وهو اسلوب يتطلب تزوير بطاقة هوية تحمل ذات البيانات الموجودة في هوية صاحب الارض، واستبدال الصورة في الهوية بصورة المزور مع مراعاة وجود تقارب بين تاريخ الولادة وعمر المنتحل، وهو ما حدث مع المواطن (م.ع.ج) من محافظة رام الله الذي نقلت فيه ملكية ارضه خلال وجوده في اميركا، ليتبين ان شركة “وطن الاستعمارية زورت كل ذلك مع سماسرتها، وهو ما اثبت في محكمة الاحتلال المركزية بالقدس المحتلة، بعد كشف التزوير في الخط والبصمات.
6. ادعاء الشراء من اشخاص ميتين: عمدت الشركات الاستعمارية الى محاولات تسجيل اراض تسجيلا مجددا من اصحابها قبل موتهم، سواء بشكل مباشر او عبر وسيط (سمسار)، والمراهنة هنا تعتمد على خشية الورثة من ان يكون البيع صحيحا، وهو ما يدفعهم للتكتم خشية “الفضيحة”، او عدم القدرة على اثبات العكس، فمثلا الاراضي المقام عليها مصنع “كيشوري” بطولكرم تبين بعد رفع دعوى قضائية ان البيع المزعوم (وهو تزوير من قبل الشركة الاستعمارية) ابرم او وقع من قبل المالك بعد وفاته بسنوات.
7. شراء قطعة ارض وتسجيل القطع التي حولها: ويتركز هذا التزوير على الأراضي “المالية”، اذ ان المساحة على الواقع اكبر من المسجلة في الاوراق، فيكفي ان ينجح احد العملاء السماسرة بشراء قطعة ارض مساحتها الحقيقية مثلا بـ5 دونمات، ومسجلة 3، ليمسح بعدها 100 دونم من الاراضي المجاورة، تماما كما فعل السمسار (ص.ب) في احدى قرى محافظة قلقيلية.
8. الايعاز بإعلان قطعة ارض كأراضي دولة وتسريبها للشركات الاستعمارية: وهذا اسلوب ابتدعته “فليئا البيك”، وبموجب هذا الاجراء فإن وجود عقبات قانونية (عن طريق التزوير) تمنع تسجيل أي قطعة ارض، تدخل هنا سلطات الاحتلال لإعلان هذه الارض اراضي دولة على ان يعاد تخصيصها لاحقا الى الشركة المزورة، وهو اجراء استخدم في بلعين برام الله، وصوفين بقلقيلية.
9. استغلال طريقة التسجيل البريطانية والعثمانية: وهي طريقة استخدمت في مناطق معينة تعتمد على تسجيل مجمل اراضي البلدة بأسماء العائلات.
10. ادعاء الشراء من المالك المقيم في الخارج: كون الكثير من مالكي الاراضي مقيمين في خارج الوطن كنازحين ومبعدين او حتى مغتربين، ولا يوجد لهم اقرباء درجة اولى، لتلجأ الشركات الاستعمارية الى تزوير وثائقهم الثبوتية وسرقة اراضيهم، كما حدث تماما في نهاية 2014 مع عدد من المواطنين من شمال مدينة رام الله بعد تزوير جوازات سفر اردنية بأسمائهم.
الرئاسة: محكمة الجنايات الكبرى ستتولى امر “المسربين” مع وجود ثغرات في المادة 114
رغم التشدد في العقوبة التي نصت عليها المادة (114) من قانون العقوبات، والتي قد تصل الى الأشغال الشاقة المؤبدة في حال تسريب اراض، الا ان ابرز الثغرات فيه هي عدم اسرائيل كعدو، وهي ثغرة ينفذ منها “المسربون”، ورغم اننا في حالة من الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي الا ان الوضع القانوني لا يعتبر كذلك نظرا للاتفاقيات الموقعة مع الاسرائيليين، اضافة الى بطء اجراءات التقاضي وفق قانون الاجراءات الجزائية الموجودة، والى جانب عدد القضاة وعوامل اخرى.
توجهنا بهذا التساؤل والملاحظة الى المستشار القانوني للسيد الرئيس حسن العوري، والى وزير العدل علي ابو دياك فكان التأكيد منهما: ان موضوع تسريب الاراضي هو من اختصاص محكمة الجنايات الكبرى، وقانون محكمة الجنايات الكبرى هو الان في اللمسات الاخيرة وسيصدر قريبا بعد قرابة الشهر، لأن قانون العقوبات الحالي غير رادع فعلا، وهو صدر في زمن تختلف ظروفه عن الظروف الان فهو لم يعد صالحا لهذا الزمان، وجعل هذه الموضوع الخطير والهام جدا من اختصاص هذه المحكمة هو بهدف الاسراع في البت فيه.
الوقت كالسيف
محاذير عدة فرضت نفسها خلال العمل (امنية، وسياسية تتعلق بالشؤون الخارجية، واجتماعية، واخرى قانونية في ملف يحمل في طياته الاف الاوامر العسكرية من الاحتلال، ومئات القوانين عثمانية، وبريطانية، واردنية، واسرائيلية، وفلسطينية).. ومع هذه المحاذير وفي هكذا حال ليس كل ما يكشف يكتب، الا ان ما يجب ان يقال هو ما اجمع عليه كل من شملتهم المقابلات.
اولا ان الكل الوطني وفي مقدمتهم الاحزاب مطالب بسرعة عقد انتخابات للمجلس التشريعي، حتى يتسنى للمجلس الجديد سن قوانين وتشريعات اكثر ردعا وتضمن عدم وقوع مثل هذه الخيانة العظمى هو من اختصاص المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي نأمل ان يعود للعمل بعد المصالحة الان، والكلام هنا عائد للمستشار القانوني للسيد الرئيس حسن العوري.
ومع الوضع القانوني للأراضي فإن الاسراع بإجراء دراسة تفصيلية للأراضي، خاصة للأراضي داخل جدار الضم والتوسع العنصري والمحاذية له، والمناطق المحاذية للمستوطنات، والمحاذية للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، او اية مناطق اخرى ذات خصوصية معينة، وتجميع البيانات حولها، لدى دائرة الاراضي، وادخال تعليمات تسهم في تضييق المنافذ لعمليات التسريب، بما يضمن الا يتم اتمام اجراء التسجيل الا بعملية الكشف والتحري بالتعاون مع كافة الجهات المعنية، اضافة الى فحص دوري يتمثل بإخراج القيد للأراضي بشكل دوري تماما كالوقاية من الامراض للجسد، حرصا على عدم تسريبها او تزوير وثائقها والكلام هنا لقانونيين مختصين.
التعاون بين المواطن والاجهزة الامنية، وهو من انجع اساليب الوقاية من التسريب والتزوير، فعند اقل شبهة يجب ابلاغ الاجهزة الامنية، والكلام هنا لمختصين امنيين، مدللين على ذلك بكشف محاولة تسريب اراض من مجرد بلاغ بُنِيَ على شبهة كان مصدرها تردد سيارة تحمل لوحة ترخيص “اسرائيلية” الى اراض معروضة للبيع، وهو ما حال دون تسريب عشرات الدونمات، وهو ما يتطلب ايضا تعاون المجالس القروية والبلديات، والمحامين ايضا في التبليغ عن أي صفقة بيع مشبوهة.