مع حلول الذكرى المئوية لوعد بلفور ، وفي ظل الواقع العربي والفلسطيني الصعب، يؤكد الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، نايف حواتمة، أن إرث بلفور ما زال ماثلا أمامنا في دولة الاحتلال، كما هو ماثل في الذاكرة الجمعية والتاريخ والصراع من حوله لن يتوقف ، مؤكداً أن الأولوية إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق إعلان القاهرة، وثيقة الوفاق الوطني بآلياتها العملية الخمس، واتفاق 4 أيار 2011 بالإجماع الوطني في القاهرة، وتطبيق قانون الانتخابات بالتمثيل النسبي الكامل بالإجماع الوطني في القاهرة وعمان أيار 2013 ومصادقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عليه في رام الله في ايار 2013، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير 5/3/2015 “بوقف التنسيق الأمني” مع دولة الاحتلال، ووقف الحاق وتبعية الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد اسرائيل.
وفي حديث خاص ل “لقدس”، بمناسبة الذكرى المئوية للوعد ، دعا حواتمة لإعادة بناء الوحدة الوطنية بانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة على أساس التمثيل النسبي الكامل لمؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الجامع الموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة والشتات ، مشدداً على ضرورة ديمقراطية المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات بانتخابات الشراكة الوطنية بقوانين التمثيل النسبي الكامل واطلاق الحريات العامة، في الضفة وقطاع غزة ووقف الاعتقالات و تشكيل مرجعية وطنية عليا موحدة للمفاوضات من كل القوى التي تدعو لحل سياسي شامل متوازن عملاً بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ، معبراً عن قناعته أن هذه الخطوات هي الرئيسية لتجاوز الانقسام، واستعادة الغائب الأكبر “المشروع الوطني الفلسطيني الموحد – مشروع تقرير المصير والدولة والعودة”، وقال ” بالوحدة الوطنية تحت سقف المشروع الوطني الموحد نحاصر ونحبط مشروع حكومة اليمين واليمين المتطرف الاسرائيلي برئاسة نتنياهو، بترك المفاوضات تدور في الفراغ والطريق المسدود لما هو جار على امتداد 25 عاماً من اتفاق أوسلو 1993 – 2017″.
ودعا حواتمة الحكومات العربية للتمسك بالمبادرة العربية للسلام نصاً وروحاً، بموقف عربي موحد، ومرجعية عربية والانتقال لدور فاعل لإقرار السلام المتوازن في المنطقة، السلام الجامع بين حق شعب فلسطين بتقرير المصير والدولة المستقلة على حدود 4 حزيران 1967 عاصمتها القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين، وعودة الجولان السوري للوطن الأم، ومزارع شبعا اللبنانية، بما يتطلبه من قرار دولي لإقامة مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، والرعاية الدولية للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ، مؤكداً إن الوصول إلى هذا الحل يستدعي تفكيك المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الفلسطينية، وهدم الجدار العنصري غير القانوني وفق القرارات الدولية (محكمة العدل الدولية)، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وشجب خرق حقوق الإنسان المنهجي اليومي في فلسطين، ممثلاً بالعقاب الجماعي، وحصار قطاع غزة، وإزالة حواجز تقطيع الأوصال والتفتيش، ومجازر القتل اليومية التي لا تنتهي أمام بصر العالم كله.
وحذر حواتمة العرب مما سماه ” الأوهام التي يروج لها عديد من الأنظمة العربية، في التعويل على موقف الولايات المتحدة الانفرادي، بدون ممارسة الضغوط المطلوبة على المصالح الأمريكية الاقتصادية والتجارية والسياسية على مساحة البلاد العربية، ونحو الموقف السياسي القومي المشترك وفق المصالح العربية العليا “.
وفيما يلي النص الشامل للحوار الذي أجراه مراسل “القدس”، مع نايف حواتمة:
الوعد وآثاره
س: لنتحدث عن وعد بلفور في آثاره ونتائجه على مجمل القضية الفلسطينية؟ بعد مئة عام لم تعتذر بريطانيا، ومازال الوعد ساري المفعول كيف تقرأ ذلك؟
ج : بالنسبة إلى الشق الأول من السؤال، وقضيتنا تعيش مئوية وعد بلفور المشؤوم، إرثه ماثل أمامنا في دولة الآبارتهيد العنصرية، كما هو ماثل في الذاكرة الجمعية والتاريخ والصراع من حوله لن يتوقف، مع الفارق أن الصراع اليوم، يقوم على المنطقة ومستقبلها، ممثلةً بما سمي بـ “صفقة العصر” في البدايات لبلفور، المتممة لسايكس بيكو، تمثل الصراع بين فلسطين كقضية مركزية للنظام العربي المتوجه إلى الوحدة العربية، وقعت النكبة الكبرى في أيار1948، بكامل أثقالها وحمولتها، على البلدان العربية التي تنشد الوحدة، ثم ازدادت الآمال الوحدوية مع إنطلاق ثورة يوليو 1952، الثورة الناصرية المصرية ووحدة مصر وسوريا، أيضاً إرثها وأحلامها ماثل في الذاكرة العامة، والصراع حول أفكارها لم يتوقف حتى الآن.
ثورة الجزائر 1954، ثورة 14 تموز 1958 في العراق، ثورتي شمال وجنوب اليمن، والمد القومي الكبير..
بالإدراك فإن موضوع الوحدة العربية يتحول إلى رقم صعب يستحيل إغفاله، حين تنظر الشعوب العربية إلى المستقبل، حلم بناء دولة عربية موحدة ومنيعة من صلب مشروع يوليو، انكسر أمام إحتمالات التقسيم في مشاهد النار، بالمشرق العربي، ومناطق عربية أخرى.
هنا تتكرر الأسئلة نفسها: لماذا انكسر المشروع العربي في فلسطين لصالح وعد بلفور دون ربطه بأن المنطقة كانت موزعة بين الإنتداب الإستعماري المباشر، وبين الإحتلال الكولونيالي المباشر بعد تقسيمها.
في إتفاقية سايكس – بيكو قبل مئة عام، قسمت دول واصطنعت أخرى، وكان الدعم الإمبريالي البريطاني لمشروع الجامعة العربية بذاته، داعياً للشكوك والإرتياب في أهدافها.
هكذا كان تجسيد صراع الأفكار والسياسات قبل ثورة يوليو، التي قدمت فكرة العروبة بزخم ومد قومي جماهيري عارم ممتد من الماء إلى الماء، عبر معانيها الحديثة، اليوم تتركز الأمنيات في الحفاظ على سايكس – بيكو، وصيانة الدول الإقليمية من التفتت والتقسيم، وبقي ثابت وحيد هو لدى النخب الواسعة، بأن الوحدة العربية هي الطريق لتحرير فلسطين، ولا يمكن أن تحصل إلا عندما يتم الربط بينها وبين الدولة المدنية الحديثة، الديمقراطية التعددية وقضية التنمية والعدل الإجتماعي.
بهذا المعنى الشمولي تصبح فلسطين قضية العرب المركزية، فكرة تبدأ وتنتهي عندها، الأمر الذي أدى إلى تفكيك القضية الفلسطينية، مرحلة بعد أخرى، نحو تفكيك إحدى أقوى الروابط العربية، وأخذ التحلل منها يضرب كل شيء، وهذا ما نشهده اليوم من صراعٍ ضارٍ.
في الإجابة على فشل مشروع ثورة يوليو، هو لأن نقطة ضعفها في ضعف نظامها السياسي الذي أخفق في الحفاظ على مشروعها، وتعرضت مصر للعدوان الثلاثي، وجاءت الضربة الحاسمة في عدوان حزيران/ يونيو 1967، وجرى تكريس الهزيمة والانكسار ككلمة أخيرة نهائية للتاريخ، رغم الدماء الثائرة الغائرة غضباً وأملاً في شرايين فكرة العروبة، إلى أن وصلنا إلى عالم عربي آخر، كأنه يكتسب شرعيته التاريخية من حجم الإذلال والمهانة التي يتعرض لها العرب، حتى أن التصفية ذاتها ستطال الجامعة العربية، عبر صفقة القرن في نهاية المطاف، على الرغم من أن ثورة يوليو لم تخترع المشروع العروبي، بقدر ما جسدته أملاً حياً على الأرض بسياسات تبنتها ومعارك وحروب خاضتها، تعبر عن القدرة على التغيير، ومنها تأميم قناة السويس، واستطاعة مصر الصمود أمام العدوان الثلاثي، الأمر الذي امتد إلى الثورة والمقاومة الفلسطينية في الوطن والشتات، إلى مستعمرات العالم الثالث رمزاً للخلاص والإنتقال إلى عهد الإستقلال والحرية، وهكذا لم تكن ثورة مصرية فحسب، بقدر ما حملت روحاً عربية وعالمية.
المطلوب فلسطينيا ً
س : ما المطلوب فلسطينياً في الذكرى المشؤومة؟
ج : وضع مؤتمر دربان- جنوب إفريقيا في عام 2001، فكرة الإعتذار عن أخطاء تاريخية في مكان متقدم من جدول أعمال العالم: بعد أن أجمعت الدول الافريقية على المطالبة من الدول الإمبريالية بالاعتذار عن الاسترقاق، ولم تنجح في الحصول على اعتذار واضح، إلا أن المطالبة تجلت بعد المؤتمر في حالة وحيدة، هي اعتذار بلجيكا عن العذابات التي سببها استعمارها لشعب الكونغو، وذلك في أيار 2002.
بعدها ظهرت فكرة امتشاق المئويات، والاهتمام بفكرة وعد بلفور، في مواجهة العنصرية الراهنة، بإعادة قراءة الماضي وربطه بالحاضر، بعد أن كشفت الأوراق التاريخية والرسالة التي وجهها هرتزل إلى سيسيل رودس الاستعماري العنصري الشهير، وفيها يصف مؤسس الصهيونية بأنها مثله الأعلى كاتباً له: “لو كان المشرق الأدنى ضمن نطاق اهتمامك، لكنت نفذت المشروع الذي أدعوك إلى تنفيذه” أي تحت جدول أعمال العنصرية، وهو الرجل الذي حملت روديسيا العنصرية إسمه، وكان يمكن لإسرائيل أن تحمل أسمه أيضاً، لكنها حملت مضمونه العنصري الاستعماري الذميم، وكذلك بلفور في تصريحه العنصري عام 1919 عن “سمو الصهيونية” وللتبرير لها بممارسة العنصرية القاتلة على الفلسطينيين.
وأود أن أنوه هنا لما استجد من أن تيريزا ماي رئيسة حكومة بريطانيا ” تحتفل” بمئوية “وعد بلفور المشؤوم” حيث تشكل اللامساواة وازدواج المعايير أحد العوامل الأساسية في إثارة العنف، والإرهاب، مما يحد من التنمية البشرية وتعطيلها، منطق الطفيليات وسرقة مقدرات الشعوب.
بينما المطلوب إذا كانت هناك ثمة حقائق جديدة، بفعل المتغيرات العالمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، المطلوب رد الإعتبار للتفكير المنطقي للتساوق مع تأثير العلوم الإنسانية، لا تكريسها، لأنها تدفع قطاعات الشباب المتعصبين عن مجتمعاتهم، بما فيها الجاليات العربية في الغرب، ليشكلوا بيئة خصبة للتعصب والتطرف، والعنف والإرهاب، تماماً كما البيئة في سمتها العامة العربية، حيث تخلوا المناهج من مبادئ التسامح، وتمتد جذور “الإفكار الداعشية، في مناهج التعليم والكتب المدرسية العربية والفلسطينية، حين تتسع دائرة الإقصاء والتكفير والتهميش والإلغاء، في ظل انعدام المساواة واتساع إطارات تجفيف الحريات، وضعف الشعور بالمواطنة والإنتماء، واستمرار تهميش المثقفين، والمرأة وعموم الفئات الإجتماعية الضعيفة.
إذن أفكار تيريزا ماي الكولونيالية على منهج بلفور بتقسيم واقتسام العالم، في الوقت الذي تخلص به العالم من سيسيل رودس العنصري الشهير، مؤسس روديسيا في الجنوب الإفريقي، نحن نقدم النصيحة للنظام العربي الرسمي، وهذا يشمل بريطانيا تيريزا ماي، ففي الوقت الذي قررت به جامعة إكسفورد الخلاص من تماثيل رودوس التي أزيلت من رحابها، وأخرجت كتبه من مكتباتها، يجري إعادة الإحتفال بالمنهج الكولونيالي العنصري ممثلاً ببلفور ووعده في فلسطين، ونحن على يقين بأنه ستزال هذه الآثار الذميمة، من فلسطين التاريخية آجلاً أم عاجلاً..
ومن الذاكرة الجمعية العالمية، سوى بضعة أسطر للتاريخ، كما جرى مع رودوس. هذه رسالتي على الملأ، لأن نكبة فلسطين وما لحقها من تداعيات ومآسٍ مازالت مستمرة وماثلة للعيان، كما هي مستمرة في تعطيل التنمية العربية والديمقراطية، الحريات والعدالة الاجتماعية، بدلاً من التوجه إلى دور العقل النقدي، بل إلى تعطيله، نحو التوجه للتبشير التقليدي المتخلف، بينما إنتاج المعرفة ببعدها الإنساني هو من خلال التواصل مع العالم، بمكيال واحد بالمنجز الكوني الحضاري، وحده الذي ينتج قيم الإنسانيات والمساواة.
لقد استطاعت الدول الافريقية في 26/10/1966 أن تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراراً يكرس يوم مذبحة شاربفيل يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري، وما يزال العالم منذئذ، يحتفل بذلك اليوم، الذي يعتبر اقراره معلماً من معالم إنهاء نظام الآبارتهيد، ومعه كافة اشكال التمييز العنصري، فلماذا لا يكون يوم (2/11) من كل عام يوماً لمناهضة الاستيطان على أراضي الغير، بما يعني نوعاً من التنفيذ المعنوي للقرارين (465) في 1/3/1980 و(2334) في 23/12/2016، وصولاً إلى إستعادة القرار رقم (3379) الذي وسم الصهيونية بالعنصرية، فضلاً عن قرارات كثيرة تمنع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة في عام 1967، يعود حق السيادة عليها لدولة فلسطين، ما يشجع على ذلك أيضاً تقدم الجهود المبذولة من حركة B.D.S المدعومة من حركات التحرر الوطني للشعوب وحكومات في العالم.
الوعد والاخطاء والمقاومة
س: كيف ترى تأثير وعد بلفور على نضال مقاومة الشعب الفلسطيني في تلك المحطة.. وحتى اليوم؟ أين الأخطاء في التعامل مع وعد بلفور؟
ج : سبق وأن اخضعنا وعد بلفور المشؤوم لتحليل تاريخي للصراع على المنطقة العربية ومستقبلها، في عمق الصراع على الاستقلال الناجز، بلا تبعية لمرحلة ما بعد الاستعمار القديم (بلفور وشركائه) والجديد (تيريزا ماي وشركائها)، هنا يمكن النظر لثورة الجزائر ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي، ودعمها بالسلاح والمال والاعلام، وفي قلب الصراع على الاستقلال الناجز، قدمت ثورة يوليو المصرية، سياسة عربية واضحة في أهدافها، وكانت المعاني أكبر من الرجل الذي حمل أفكارها، كما حملته الجموع الحاشدة في دمشق في هتافات الملايين، وحملت سيارته كمن يحمل احلامه، لذلك بقي ماثلاً في ذاكرة التاريخ، فلكل حلم استحقاقاته، ولكل أمل معاركه، يتبدى بها كأنه أملٌ جديد. وإن انكسر الحلم بالانفصال الرجعي السوري والعربي، ولكن الوحدة الجديدة على أسس جديدة سبق وأن قدمنا محدداتها.ولذلك نعود إلى الأخطاء في التعامل مع “وعد بلفور”، لأن الإمبريالية البريطانية كانت قد أخذت بيد الصهيونية لإلغاء فلسطين تماماً، عبر ثنائية الاقتلاع والتبديد والإلحاق.
وعد بلفور على الصعيد الفلسطيني
يقول حواتمة : إن تأثير وعد بلفور المشؤوم يتجلى في مئوية وعد بلفور على الصعيد الفلسطيني، مع التذكير بأن مجلس حقوق الانسان في جنيف سبق له أن حدد، “بأن الدين لا يعبر عن جنسية وقومية، والذي يعبر عنها هو الجنسية” كذلك خطأ رفض القرار 181 بالتقسيم، لأن الرفض ساهم بالإلحاق، ومسح الهوية الفلسطينية عن خارطة فلسطين، ولذلك قدمنا لإستخلاصات المئوية إن تأثير وعد بلفور ومئويته: مشهودة على امتداد قرن، تداعيات على ضفتيّ الصراع الفلسطيني والعربي – الاسرائيلي، نحو خارطة طريق للبرنامج الوطني الفلسطيني الموحَّد والموحِّد.
سبعون عاماً على النكبة الوطنية القومية الكبرى، نكبة شتات وإلحاق، نكبة ومقاومة، نكبة وحق العودة. المأساة اغتصاب الأرض، الاحتلال، استعمار الاستيطان خلقت قضية اللاجئين؛ فلسطينيو الشتات والمخيمات، وبعد أن أمضت الضفة الفلسطينية عشرين عاماً في الإطار القانوني للدولة الأردنية، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وضعف هذه السنوات تحت الاحتلال الصهيوني. خمسون عاماً تحت الأسر ونهب وسرقة الأرض، وعمليات التهويد النشطة المنهجية الدؤوبة، والتي ابتدأت مع اليوم الأول للاحتلال لما تبقى من جغرافيا فلسطين، الواقع المرير ذاته مع قطاع غزة، بؤرة الاكتظاظ والكثافة السكانية لمليونيّ فلسطيني، في بقعة سكانية عن لسان ضيق 365 كم2 من أرض فلسطين التاريخية.
وفي الخارطة الواقعية الراهنة للتشظي الفلسطيني، تبرز الآن قضية القدس وفلسطينيو القدس، الذين يعيشون في القدس الشرقية تحت الاحتلال منذ خمسين عاماً، حيث يجري تمييزهم ببطاقات زرقاء تميزهم عن الضفة واحتلال عام 1967، فضلاً عن عرب 1948 الذين يتشبثون بأرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، وبهويتهم الوطنية، وبحكم النكبة “جنسية اسرائيلية”.
خمسون عاماً في الثورة والانتفاضة، في التطور والنضج المتفاوت بين التيارات الفلسطينية تحت سقف البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد، البرنامج الوطني المرحلي على طريق تقرير المصير والدولة والعودة.
أمام مرارة هذه الحقائق في لوحتها الواقعية للتشظي الفلسطيني في مشهده المختزل، يدور الزمن دورته والصراع الفئوي السياسي والطبقي على السلطة بين فتح وحماس فريقيّ الإنقسام بحثاً عن اتفاقات المحاصصة الاحتكارية الأحادية والثنائية، بدورات اقتتال أمني، سياسي، إعلامي ثنائي لم يتوقف منذ حزيران 2006، إلى أن تم “تتويجه” باتفاق المحاصصة الثنائي 8 شباط 2007، والذي أنتج جحيم الحرب الأهلية، وحروب الانقلابات العسكرية التي غادرتها الدول العربية منذ ستين عاماً، وعندنا ما زالت تداعياتها تتوالى فصولاً دامية، لتتدحرج كرتها الانقلابية إلى فصل قطاع غزة عن الضفة باحداث 14 تموز 2007، والآن عشر سنوات عجاف انقسام مدمّر، بما يحمل من تداعيات، ويشي بتسهيل تنفيذ مخططات صهيونية مرسومة منذ احتلال عام 1967، للتخلص من “كابوس” القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية بخريطتها السالفة والمعاشة، بدءاً من منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية، والتي غاب عنها الائتلاف الحقيقي منذ اتفاقات أوسلو الجزئية والمجزوءة حتى يومنا هذا، ومع ذلك ما زالت م. ت. ف. الكيان الفلسطيني السياسي والقانوني الممثل الشرعي والوحيد للشعب، في تجمعاته المختلفة. بيد أن هذه الحقائق الواقعية ليست قدراً، رغم طغيان حالة التراجعات عربياً عن “برنامج تصفية آثار عدوان 67″، وانجازات حرب أكتوبر 73، وتفكك وانهيار التضامن العربي وقرارات القمم العربية، وحروب الخليج العربي الثلاث، وتداعيات اتفاق أوسلو ومفاوضات ربع قرن في نفق مسدود من فشل إلى فشل على الجانب الفلسطيني، والحروب الداخلية الأهلية الطائفية والمذهبية في محيط الشرق العربي… إن كل هذه الكوارث استثمرها الاحتلال التوسعي.
الخروج من عنق الزجاجة
يقول حواتمة : المطلوب فلسطينياً وقف متوالية الأزمات الداخلية على طرفيّ الصراع وطريقها المدمر والمسدود، في معادلة قوامها “المنتصر خاسر”، لأن القضية ذاتها ستكون خاسرة. فمتوالية الأزمات تبتلع الآن ما تبقى من إنجازات الشعب الوطنية، بتدمير الذات، والمطلوب الخروج من عنق الزجاجة، ومواجهة المعادلة الصهيونية نحو اسرائيل الكبرى (الاحتلال، استعمار التوسع الاستيطاني، تهويد القدس، العنصرية)، بالمشروع الوطني الموحِّد والموحَّد (تقرير المصير، الدولة، العودة).
دون أن نكتشف جديدا في هذا الاستخلاص، فمنذ قرابة قرن من الزمن تقول المعادلة الصهيونية إن جوهر الصراع هو الأرض. يقابله فلسطينياً راهناً بؤس الصراع بين فتح وحماس صراع “السلطة والمال والنفوذ” بديلاً عن الوحدة الوطنية وفق إعلان القاهرة، وثيقة الوفاق الوطني، قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير 5 آذار 2015، قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني 10-11 يناير 2017 في بيروت بالإجماع، قرارات انتصار انتفاضة القدس 21 تموز 2017، قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير 12 آب 2017 وبيان التنفيذية بالإجماع، بما يملي من استحقاقات تضع القضية برمتها في خطر حقيقي أمام إستراتيجية الإدارة الأمريكية، وبرنامج التوسع الاستعماري الاسرائيلي، باستغلال التناحرات والتناقضات.
الاستخلاص الوطني
س : في ظل هذه القراءات والتحليل ما هو الاستخلاص الوطني المنشود في الذكرى المئوية ؟
ج :الاستخلاص الوطني المنشود؛ فضلاً عن استخلاص القراءة الموضوعية لحقائق القضية الفلسطينية ومسيرتها التاريخية، هو في توظيف قدرات شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده في عملية إدارة الصراع، ووقف التنازلات والتمسك العنيد بالبرنامج الوطني الموحد، أول مصادر القوة الفلسطينية، في مواجهة الخلل في ميزان القوى، والثاني يتطلب العودة سريعاً إلى الديمقراطية الفلسطينية وقوانين التمثيل النسبي الكامل، فهي العامل الجوهري والرئيسي في صيانة القضية الفلسطينية، بل إنها ذاتها أساس البناء للهوية الوطنية الفعّالة، التي تقوم على “التعدد والاختلاف، الوحدة والائتلاف، تحت راية برنامج القواسم المشتركة”، الدرس البليغ لنضالات الشعوب ضد الاستعمار الكولونيالي والآبارتيد العنصري، فهي الإرادة الفعّالة في التاريخ الإنساني.
الآن؛ التساؤلات الكبرى تفرض نفسها فلسطينياً، فهي تفاجئ بتسويقات إسرائيل حول “الدولة اليهودية” و “تبادل الأراضي” و “مشاريع الإلغاء” و “التوطين للاجئين” وعموم الأعمدة الصهيونية لدفن مشروع حق تقرير المصير والدولة المستقلة والعودة، لكن القراءة الوحدوية الائتلافية المهتمة بالصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي التي تقرأ ما بين السطور، سبق وأن كان عليها أن تطلق مبادرات مبكرة لا مكان فيها للمفاجأة، وخلق الوقائع على الأرض وفي الميدان الفلسطيني والمحيط العربي والدولي، في جهود تحشيدها للقوى الوطنية، القومية والدولية الإنسانية.
وبالعودة إلى التاريخ الصهيوني القريب، فإن خطط وأفكار “الفصل الأحادي” و”الجدار العنصري” و”تبادل المناطق”، هي من إنتاج حزب العمل وتفاهماته مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة “الديمقراطية والجمهورية”. أما هذه المشاريع، فمرجعيتها مشروع إيغال آلون نائب رئيس وزراء حكومة الماباي (العمل راهناً) عام 1967، وعلى هذا المشروع بنى اسحق رابين رئيس وزراء حزب العمل “اتفاق أوسلو1” والرسائل المتبادلة مع الراحل أبو عمار ياسر عرفات (13/9/1993)، واتفاق أوسلو، بتقسيم الضفة الفلسطينية إلى مربعات (أ، ب، ج) والاحتفاظ بـ 60% في المربع (ج) (احتلال كامل)، وبالذات هذه هي المساحة التي حددها مشروع ايغال آلون للضم “لحدود إسرائيل الجديدة” بقوة الأمر الواقع الاحتلالي، مباشرةً إثر هزيمة حزيران 1967، وبذات السياق؛ برزت خطط وأفكار حزب العمل في مفاوضات كامب ديفيد 2 (تموز 2000)، وطابا (كانون الثانير 2001) بـ: “الانسحاب من كل قطاع غزة وتفكيك المستوطنات في القطاع (21 مستوطنة)، والانسحاب من 88.5% من أراضي الضفة، بدون القدس الكبرى (120 كم2 من أرض الضفة)، بعد أن كانت مساحتها 6 كم2 فقط تحت الإدارة الأردنية، وتقسيم القدس القديمة “محاضر كامب ديفيد 2 وطابا، تقرير السيناتور الأمريكي ميتشيل (21 أيار 2001)، وتبادل المناطق بضم الكتل الاستيطانية الكبرى لدولة إسرائيل مقابل منطقة رمال حالوتسا في جنوب شرق النقب، بنسبة 8% من أرض الضفة، و1% من رمال حالوتسا”. كذلك برنامج عميرام متسناع الانتخابي في آذار 2003، وقد كان زعيماً لحزب العمل وأعلن بوضوح انه في حال فوز حزبه بالانتخابات “ستنسحب حكومته من كل قطاع غزة (قوات ومستوطنين)، الفصل الأحادي الجانب في الضفة، بانسحاب واسع إلى خطوط تحتفظ بها الحكومة للمفاوضات النهائية، واستكمال بناء الجدار (العنصري) الفاصل الذي بدأت حكومة الليكود (السابقة والحالية) العمل به، تقسيم القدس (الأحياء العربية للعرب، الأحياء اليهودية لليهود) .
غياب المشروع الوطني
وسط ذلك ، تأتي حقيقة غياب المشروع الوطني الفلسطيني الموحد أمام مطر المشاريع الإسرائيلية ،ففي 14 نيسان/ 2004، عرض رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها شارون الخطة بأكملها أمام الرئيس الأمريكي بوش الابن في القمة بينهما في واشنطن، استوحى شارون خطته من برنامج متسناع تحت عنوان “الانسحاب الكامل والأحادي الجانب من قطاع غزة + خطة الانطواء والتجميع في الضفة، والتي طرحها أولمرت في برنامجه الانتخابي بعد دخول شارون في الغيبوبة، وحُظيت خطة شارون بدعم بوش الابن الكامل، لكنها جوبهت بمعارضة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالأمم المتحدة ترى فيها “إشارات خطرة على تجاوز قرارات الشرعية الدولية (مجلس الأمن، الجمعية العامة)، ومنها ما هو خاص بقرار الأمم المتحدة 194، وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، فقد نصت رسالة بوش الابن على ما يتناقض مع القرار 194، وحرفياً تقرر الرسالة “إن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً قوياً بأمن إسرائيل، وبما يحقق مصالح “الدولة اليهودية”، وكما يبدو جلياً فإن إطار “العمل الواقعي والمتفق عليه والعادل والنزيه” بحسب رسالة بوش؛ لإيجاد حل لموضوع اللاجئين الفلسطينيين، كجزء من اتفاق المرحلة النهائية، سيحتاج إلى إرسائه من خلال إقامة دولة فلسطينية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها بدلاً من توطينهم في إسرائيل [وكتاب حواتمة .. المصدر السابق]. أما الاتحاد الأوروبي فكان له ذات قراءة الأمم المتحدة لـ “خطة فك الارتباط ورسائل الضمانات”، معلناً أنه “لن يعترف بأية حدود خارج حدود 4 حزيران 1967 عملاً بالقرارات الدولية، ولن يعترف بأية حلول لقضية اللاجئين خارجة عن القرارات الدولية الخاصة باللاجئين”.
مئوية وعد بلفور وقضية اللاجئين
س : بعد مئة عام كيف تقرأ نتائج وتداعيات الوعد المشؤوم؟ وكيف تقيم الدور والأداء الفلسطيني في مقاومة وعد بلفور، وكل المؤامرات التي استهدفت القضية الفلسطينية؟
ج : تمثل قضية اللاجئين الفلسطينيين، جوهر وأس الأسس في القضية الفلسطينية، فلا للتوطين والتهجير مدوية، بل العودة وفق القرار الأممي 194، وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية بحدود 4 حزيران 1967 في هذه المرحلة، وإصرار عرب الداخل على انتمائهم القومي وكامل حقوقهم كمواطنين فوق أرض آبائهم وأجدادهم، فهم “القنبلة الديمغرافية” في مواجهة “يهودية الدولة” التي تطمس حقوقهم الوطنية، وتصادر حقوق المساواة في المواطنة بسياسة عنصرية، التي ستذهب مثل باقي الدول الثيوقراطية، ومثلما ذهبت مقولة “شعب الله المختار”، فهي دولة عنصرية، مثلما نظام الآبارتيد السابق في جنوب افريقيا، فضلاً عن الحقيقة وهي أنه لا توجد جماعة يهودية واحدة بل متنوعة تنتمي إلى أكثر من مائة أثنية في أقطار العالم. ولذات الأسباب والاتجاه “القنبلة الديمغرافية”، جاءت خطط “تبادل المناطق وسلخ كتل سكانية عربية كبيرة مع الأرض التي تقف وتعيش عليها داخل “الخط الأخضر”، مقابل ضم المستوطنات (الاستعمارية) الكبرى في الضفة وفي القدس وغلاف القدس الشرقية (العربية) لدولة إسرائيل”.
هكذا بنى شارون ومعسكر اليمين – خططه ومشاريعه (الليكود، كاديما…) بـ “تبادل المناطق”، فهي قد بدأت بالمساومات التي جرت على طاولة مفاوضات كامب ديفيد 2 (باراك، حزب العمل).
الآن؛ لقد حمل الانفجار الشعبي في قطاع غزة ضد الحصار وحالة النقمة والغلاء ونفاد التموين، الإشارة الصارخة، نحو تحول تصعيدي في مسيرة الكفاح الشعبي، وأن هناك أغلبية صامتة، قد كسرت حاجز الخوف على ما وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية، والمركز القيادي الموحد والائتلافي الفلسطيني معطل ومنقسم لا يسيطر على السياسة أو الحدود والموارد، وأكدت الحاجة إلى قدرات مركز فلسطيني وطني موحد وبراغماتي، وقد بات بالإمكان توفيره ديمقراطياً، ممثلاً بـ “إعلان القاهرة” آذار 2005، و”وثيقة الوفاق الوطني” التوحيدية، والمبادرات التي قدمتها الجبهة الديمقراطية 4/7/2007، الديمقراطية والشعبية 26/10/2007، التعاون الثلاثي (ديمقراطية، شعبية، جهاد إسلامي) 6/12/2007، والخروج من الحالية الخطرة والشاذة على قضيتنا، بفصل الضفة عن القطاع، والقطاع عن العالم، محاولة تطويع القطاع الصامد تحت عناوين إسرائيلية تعيد عقارب الزمن إلى ما قبل حزيران 1967، وتجميع مشاريع حكومة أولمرت – باراك واليمين المتطرف برئاسة نتنياهو في يومنا 2017 نحو “اسرائيل الكبرى” بتهويد وأسرلة القدس وضم والحاق الضفة الفلسطينية بدولة اسرائيل، إلى ما قبل البرنامج الوطني المرحلي الموحَّد لائتلاف م.ت.ف عام 1974.
25 عاماً منذ اتفاقات أوسلو 1993، ربع قرن من فشل إلى فشل على الجانب الفلسطيني وما تمخض عنه، استعمار توسعي اسرائيلي تضاعف ثماني مرات منذ أوسلو 1993 حتى الآن.
شكل التحرك المطلوب
س : ماهو المطلوب فلسطينياً في الذكرى المشؤومة؟ ما هو شكل التحرك المطلوب للضغط على بريطانيا للاعتذار؟
ج : إن هذا كله يستدعي سياسة فلسطينية جديدة موحّدة في المقدمة منها: أولاً: وقف المفاوضات حتى يتوقف الاستيطان بالكامل، وتشكيل مرجعية وطنية عليا للإشراف على كل العمليات السياسية والتفاوضية، بديلاً عن احتكار فريق أوسلو للقرار السياسي والمفاوضات العبثية المدمرة، لأن إسرائيل ترفض الدخول في برنامج واضح محدد المرجعيات والصفات للحل النهائي، والالتزام بسقف زمني للوصول إلى تسوية شاملة، والأولوية إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق إعلان القاهرة، وثيقة الوفاق الوطني بآلياتها العملية الخمسة، واتفاق 4 أيار 2011 بالإجماع الوطني في القاهرة، وتطبيق قانون الانتخابات بالتمثيل النسبي الكامل بالإجماع الوطني في القاهرة وعمان أيار2013 ومصادقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عليه في رام الله في ايار 2013، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير 5/3/2015 “بوقف التنسيق الأمني” مع دولة الاحتلال، ووقف الحاق وتبعية الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد اسرائيل.
إن استئناف المفاوضات بعد مؤتمر أنابوليس، مفاوضات كامب ديفيد تموز 2000 وطابا 2001، والمفاوضات 9 اشهر مع حكومة نتنياهو بإدارة جون كيري وزير خارجية أوباما تموز 2013 – نيسان 2014 ادت إلى الفشل، والآن في زمن ترامب أكثر من 21 جولة بين الإدارة الأمريكية والسلطة الفلسطينية تدور في الفراغ، بينما اسرائيل تواصل في يوميا مشروعها التوسعي الإستعماري الاستيطاني. 25 عاماً مفاوضات بلا مرجعية ملزمة تستند إلى الشرعية الدولية، وبلا ضمانات دولية وآلية ملزمة، وبلا جداول زمنية محددة وملزمة، وحصرها في مفاوضات ثنائية بعيداً عن أي تدخل دولي باستثناء واشنطن المنحازة لإسرائيل، وفي ظل الانقسام الفلسطيني المدمر، واستمرار حروب العدوان الصهيوني الدموي (حرب “السور الواقي” على الضفة 2002، الحروب الثلاث على غزة 2008، 2012، 2014)، والتوسع الاستعماري الاستيطاني، واستكمال بناء الجدار العنصري والحصار، تدخل السلطة الفلسطينية والمتصارعين على النفوذ واتفاقات المحاصصة الثنائية السلطوية الاحتكارية البائسة، في مأزق ومتاهة جديدين. مترافقاً بهزال وتفكك النظام السلطوي العربي وصراع محاوره وحروبه الاهلية والداخلية.
ثانياً: ندعو الأنظمة العربية للتمسك بالمبادرة العربية للسلام نصاً وروحاً، بموقف عربي موحد، ومرجعية عربية والانتقال لدور فاعل لإقرار السلام المتوازن في المنطقة، السلام الجامع بين حق شعب فلسطين بتقرير المصير والدولة المستقلة على حدود 4 حزيران 1967 عاصمتها القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين، وعودة الجولان السوري للوطن الأم، ومزارع شبعا اللبنانية، بما يتطلبه من قرار دولي لإقامة مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، والرعاية الدولية للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
ثالثاً: إن الوصول إلى هذا الحل يستدعي تفكيك المستوطنات الاستعمارية الاسرائيلية في الضفة الفلسطينية، وهدم الجدار العنصري غير القانوني وفق القرارات الدولية (محكمة العدل الدولية)، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وشجب خرق حقوق الإنسان المنهجي اليومي في فلسطين، ممثلاً بالعقاب الجماعي، وحصار قطاع غزة، وإزالة حواجز تقطيع الأوصال والتفتيش، ومجازر القتل اليومية التي لا تنتهي أمام بصر العالم كله.
رابعاً: على ذات السياق نحذّر عربياً من الأوهام التي يروج لها عديد من الأنظمة العربية، في التعويل على موقف الولايات المتحدة الانفرادي، بدون ممارسة الضغوط المطلوبة على المصالح الأمريكية الاقتصادية والتجارية والسياسية على مساحة البلاد العربية، ونحو الموقف السياسي القومي المشترك وفق المصالح العربية العليا.
خامساً: نتوجه إلى حملة القيم الإنسانية والرأي العام الدولي لممارسة الضغوط على إسرائيل وفضح إجراءاتها العنصرية، وإلى الاتحاد الأوروبي للقيام بدور مستقل وفعال في حل الصراع في الشرق الأوسط، يبدأ بتحرير سياسته في هذه المنطقة من هيمنة الولايات المتحدة، والخروج من نقده المحدود للأوضاع القائمة إلى النقد العلني العملي، في صياغته للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونضاله العادل، والانتقال لدور فاعل لإقرار السلام المتوازن في المنطقة، نحو المؤتمر الدولي الذي سبق لروسيا والصين وفرنسا أن طالبت به، فالأولوية هي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضحية السيطرة الكولونيالية الإسرائيلية واستعمار الإستيطان والاحتلال العسكري، بالتعبئة المؤسساتية للرأي العام الدولي، والخروج من ازدواجية المعايير الأمريكية والكيل بمكيالين.
دعوات وتحذير
الآن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيسها رئيس السلطة الوطنية محمود عباس مدعوون
لإعادة بناء الوحدة الوطنية بانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة على أساس التمثيل النسبي الكامل لمؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الجامع الموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة والشتات ودمقرطة المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات بانتخابات الشراكة الوطنية بقوانين التمثيل النسبي الكامل (جامعات، نقابات، اتحادات مرأة وطلاب وشباب جماهيرية، انتخابات محلية وأهلية في الوطن والشتات..الخ)، اطلاق الحريات العامة، في الضفة وقطاع غزة وقف الاعتقالات.
ثانياً: تشكيل مرجعية وطنية عليا موحدة للمفاوضات من كل القوى التي تدعو لحل سياسي شامل متوازن عملاً بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. هذه الخطوات الرئيسية لتجاوز الانقسام، واستعادة الغائب الأكبر “المشروع الوطني الفلسطيني الموحد – مشروع تقرير المصير والدولة والعودة”، وبالوحدة الوطنية تحت سقف المشروع الوطني الموحد نحاصر ونحبط مشروع حكومة اليمين واليمين المتطرف الاسرائيلي برئاسة نتنياهو، بترك المفاوضات تدور في الفراغ والطريق المسدود لما هو جار على امتداد 25 عاماً من اتفاق أوسلو 1993 – 2017…
ثالثاً: نحذر من الاندفاع نحو المؤتمر الإقليمي الذي تروج له ادارة ترامب وحكومة نتنياهو – ليبرمان “الحلول الإسرائيلية – الإقليمية العربية – غزة على أكتاف مصر، وما يتبقى من الضفة على أكتاف الأردن”، والقفز عن حقوق شعبنا بالدولة والعودة وتقرير المصير، والارتداد إلى ما قبل قمة الجزائر العربية 1973، والرباط العربية عام 1974، والاعترافات الدولية الشاملة بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية وعضوية دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة 2012، وقرار مجلس الأمن الدولي “الرقم 2334 ديسمبر 2016 بالوقف الكامل للاستيطان”، وحق الشعب الفلسطيني في الوجود المستقل على أرض فلسطين المحتلة.
على منظمة التحرير الفلسطينية – الإئتلافية تقديم مشاريع القرارات الجديدة للأمم المتحدة “الإعتراف بدولة فلسطين عضواً عاملاً كامل العضوية عملاً بقانون الأمم المتحدة “متحدون من أجل السلام “، وقرار جديد “بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام بمرجعية قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن” والقرار الجديد الثالث “دعوة الأمم المتحدة لحماية ارض وشعب فلسطين بقوات دولية”.
رابعاً: نحذر من “مطر المشاريع الإسرائيلية الأسود” بفصل غزة بالكامل عن الضفة، مشاريع اليمين واليمين المتطرف برئاسة نتنياهو، مشروع الحل الإقليمي مع أقطار عدد من الدول العربية “لتطبيع العلاقات مع دولة اسرائيل” قبل حل قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق مرجعية قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
خامساً: الآن الآن وليس غداً إعادة بناء الوحدة الوطنية على قاعدة القواسم المشتركة التي أنجزناها معاً بحوار وبرامج عشر سنوات كاملة من عمر الانتفاضة والمقاومة (إعلان القاهرة، وثيقة الوفاق الوطني … وآخراً لا أخيراً قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني برئاسة رئيس المجلس بالحوار الوطني الشامل، 10-11 يناير 2017 في بيروت وبالتوازي تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة (13 فصيلا وشخصيات مستقلة) لإنهاء وتفكيك هيكليات وأذرع الانقسام، لمواصلة اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني أعمالها لتجهيز آليات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (المجلس الوطني، لجان المجلس، انتخاب لجنة مستقلة لإدارة الصندوق القومي الفلسطيني) وفق قانون التمثيل النسبي الكامل أيار 2013 بالإجماع الوطني، وقرارات 21 تموز 2017 بانتصار انتفاضة القدس.
فهذا طريق الخلاص، طريق وحدة الشعب والتصعيد الكفاحي لجماهير الوطن والشتات، ومسؤوليتنا تحويلها إلى تحول نوعي على الأرض ودولياً، معزز كفاحياً وإخراجه من العفوي إلى المنظم، وتحويله إلى مد كفاحي لا إلى حدث عابر.
ندعو لتطبيق وتنفيذ إتفاق 12 تشرين اول 2017 وبالرعاية المصرية في القاهرة بين فريقي الانقسام المدمّر (فتح وحماس) عشر سنوات عجاف وصراع سلطوي انقسامي على النفوذ والحكم تحت سقف اتفاق أوسلو، والعودة إلى الكل الفلسطيني الذي انجز اتفاق 4 أيار 2011 بالحوار الشامل في القاهرة (13 فصيلا وشخصيات مستقلة) للاشراف على تطبيق الاتفاق ووضع الآليات العملية الملموسة لتنفيذ الاتفاق، ونحذر من محاولات عناصر في داخل فريقي الانقسام تعمل على تعطيله.
سادساً: استكمال عمليات تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية بالعودة إلى الأمم المتحدة في دورتها أيلول 2017 وتقديم منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مشاريع القرارات الثلاثة الجديدة وفق قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: مشروع قرار التصويت على عضوية دولة فلسطين عضواً عاملاً كامل العضوية في الأمم المتحدة، والثاني قرار جديد بعقد مؤتمر دولي للسلام بمرجعية قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي؛ والقرار الجديد الثالث دعوة الأمم المتحدة لحماية أرض وشعب دولة فلسطين للخلاص من الاحتلال واستعمار الاستيطان.
شعبنا وأرضنا في مرحلة تحرر وطني، ليس في مرحلة تقاسم “السلطة والمال والنفوذ” ، هذه خريطة الخلاص من الاحتلال واستعمار الاستيطان، تحتاج إلى كل القوى والتيارات في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية الديمقراطية بقوانين حركات التحرر الوطني وعلى قاعدة شركاء في النضال والمقاومة والسياسة والبرنامج الوطني الموحَّد. سياسة المحاصصة الثنائية انقسامات فشل وضياع، هذه الدروس الاساسية من تجارب مئوية بلفور نكبة واحتلال ومقاومة.
اتفاق المصالحة
س : كيف تقيم توقيع إتفاق المصالحة والخطوات المستمرة لإنهاء الإنقسام؟
ج : على الأرض وفي الميدان، كان المتفق عليه، في صفوف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد القوى الديمقراطية الفلسطينية وفتح وبحضور الأخ محمود عباس، أنه بمجرد أن تعلن حماس حل اللجنة الادارية الحمساوية لإدارة قطاع غزة، وتوافق على حكومة التوافق على قطاع غزة، وبعدها الذهاب إلى إنتخابات رئاسية وبرلمانية، أن ترفع العقوبات عن قطاع غزة، لكن هذا الأمر لم يتم ؛ وبالتالي في إجتماع التنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله أكدنا على ذلك، وكل القوى الديمقراطية أكدت ذلك، لكن ابو مازن أصر بأنه لن يرفع العقوبات إلا بعد أن يتأكد من استلام المعابر واستلام الأوضاع في قطاع غزة.
في إجتماع اللجنة التنفيذية، دعونا ومعنا القوى الديمقراطية والوطنية لرفع العقوبات فوراً، أفاد الأخ محمود عباس أنه لن يرفع العقوبات إلا بعد إستلام المعابر، وبعد أن يتأكد من ذلك على الأرض، نحن ننظر إلى الوحدة الوطنية، وحدة الشعب الفلسطيني كله، في عموم مناطق تواجده، وإنتفاضة القدس والأقصى عبرت بوضوح عن وحدة الشعب الفلسطيني رغم الإنقسام، ورغم الحواجز والمواقع الإحتلالية، والحالة الشعبية تجلت مع وحدة القوى الروحية ووحدة الحقوق، ووحدة الشعارات، من خلال التصدي لكل أشكال القمع، بقناعة راسخة على إمكانية دحر الإحتلال ومواجهة سلطاته وهزيمتها، بما فيها وحدة القوى الروحية المسلمة والمسيحية، أليست هذه هي مقومات الفوز بالمعركة من خلال مواجهة الإحتلال وأجهزته وقطعان مستوطنيه.
حل كل القضايا الإجتماعية، والقضايا المجتمعية ستكون موضوع بحث في 21 تشرين الثاني في اللقاء الوطني الفلسطيني الشامل، نحن حركة تحرر وطني تستدعي كل التيارات وكل الإتجاهات في صفوف شعبنا، في إن الإطار الذي إتفقنا عليه في عام 2005 في القاهرة، وأنا شخصياً كنت هناك، وإتفقنا بالإجتماع على أن تلتقي جميع الفصائل والقوى في القاهرة وفي إطار وطني موحد، يؤدي إلى حكومة وحدة وطنية شاملة، تؤدي إلى وحدة وطنية شاملة وإلى انتخابات برلمانية شاملة بالتمثيل النسبي الكامل، من أجل دمقرطة الحياة الفلسطينية، وكل قضايا المجتمع، ومنها قضايا المصالحة المجتمعية بين الجميع، و هي التي تؤدي إلى إنتخابات تمثيل نسبي كامل.
الأساس وثيقة الوفاق الوطني في 2006 التي جرى توقيعها في غزة، وحملت تواقيع ثلاثة عشر فصيلاً، ومؤسسات المجتمع المدني، وعدد وافر من الشخصيات النقابية والسياسية، تعد الإطار من أجل أن تعتمد بالانتقال من الانقسام إلى الوحدة الوطنية، وشملت تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، بعد أن تكون حكومة التوافق قد تمكنت من حل كل الإشكالات في القطاع، وأن تنتقل إلى إنتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة بموجب قانون الإنتخابات الشاملة الذي وضع بالقاهرة حكومة الوحدة الوطنية الشاملة، والذهاب للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، ستتم بعد أن ننتهي من الإنقسام بكل أشكاله، وبعد أن نتوافق على ضرورة تمكين حكومة التوافق عمن استلام كل الصلاحيات في قطاع غزة، ويتم إلغاء كل أشكال العقوبات، ويتم حل القضايا المطروحة على جدول أعمالنا في 21 تشرين ثاني.
كي نتمكن موحدين مع الشعب في خوض المعركة الأساس، بمرجعية وقيادة سياسية إئتلافية موحدة، كما توفير رؤية إقتصادية موحدة، عبر الرؤية الوطنية الشاملة، سياسية إقتصادية، تنموية، ثقافية، اجتماعية تكافلية، على قاعدة الشراكة الوطنية الجامعة، وتوفير “الأسس المادية” للصمود المجتمعي، في سياق التدويل للقضية والحقوق الفلسطينية، والذهاب لمحكمة الجنايات الدولية، ضد مصادرة وهدم المنازل التي يقابلها مشاريع الإستيطان والتهويد الإستعماري.
لم يعد ممكناً لحماس وفتح أن يستمرا بالإنقسام، كان ينبغي أن تبدأ الأمور بالقاهرة بالكل الفلسطيني، وفقاً لما إتفقنا عليه مراراً، بأربعة برامج وقرارات وحدة وطنية 2005 بالقاهرة، 2006 بغزة، 2009 بالقاهرة و2011 بالقاهرة، ثم إتفقنا على قانون انتخابات شامل بالتمثيل النسبي الكامل، بالقاهرة شباط 2013، في عمان برئاسة رئيس المجلس الوطني والفصائل الثلاثة عشر، ثم نقل إلى رام الله وحصل على إجماع.