قدم أكثر من 100 مقدسي من سكان حي بطن الهوا في بلدة سلوان في القدس المحتلة التماسا ضد مكتب “حارس الأملاك العام” في القدس وجمعية “عطيريت كوهانيم” الاستيطانية، أكدوا فيه على عدم قانونية “شهادة ملكية” أصدرها مكتب “حارس الأملاك العام” سنة 2015 وأعطيت لصالح جمعية “عطيريت كوهانيم” اليمينية الاستيطانية.
وتقع هذه الأراضي في وسط بلدة سلوان، وتصل مساحتها إلى خمسة دونمات تقريبا، بنيت عليها، منذ عام 1967 وقبل ذلك، عشرات البيوت الفلسطينية، التي تأوي حاليا أكثر من 700 مقدسي يواجهون خطر التهجيرالحقيقي، بفعل عشرات دعاوى الإخلاء التي رفعتها “عطيريت كوهانيم” ضدهم أمام المحاكم الإسرائيلية. وادعت الجمعية الاستيطانية ملكيتها للأرض، معتمدة على هذه “شهادة ملكية” المذكورة أعلاه. وقدم الالتماس مكتب المحامين زياد ويزيد قعوار وعلاء محاجنة ومحمد دحلة في القدس.
لمحة تاريخية
تعود حيثيات هذه القضية إلى العام 2001، عندما توجهت “عطيريت كوهانيم” إلى المحكمة المركزية في القدس بطلب تعيينها متولي لوقف قديم، “وقف بنبنستي”، وهو وفق مستندات الوقفية المزعومة متعلق بعقار مكون من 72 غرفة في مدينة القدس. ووفق الادعاء فقد تم تأسيس الوقفية في المحكمة الشرعية في القدس في
الفترة العثمانية وتحديدا عام 1896، وقد حددت شهادة تأسيس الوقف أن يكون استعماله لصالح الفقراء من اليهود أو الفقراء بشكل عام في القدس.
ووفق ما جاء في مستندات الوقفية، فقد جرى تعيين “الحاخام الشرقي” و”الحاخام الأشكنازي” لمدينة القدس لإشغال منصب المتولين على الوقف، وهما وفق القانون المسؤولان عن إدارة كل الشؤون المتعلقة بالوقف. وقد جاء في طلب التعيين هذا، أمام المحكمة المركزية، أنه ونظرا لانشغال الحاخامان في شؤون عديدة، فإنه لا وقت وتفرغ لديهما لإدارة هذا الوقف وعليه وجب تعيين الجمعية لتكون متولي للوقف مكانهما استنادا لتصاريح خطية موقعة من قبل الحاخامين المذكورين، يوافقان من خلاله على التنحي عن إدارة الوقف وتعيين الجمعية مكانهما.
يجدر التنويه هنا إلى أنه في حينه جاء في طلب التعيين المقدم للمحكمة أنه بمرور السنين أصبح الوقف مهملا، الأمر الذي أدى إلى انتقاله إلى أيدي “غرباء” (المقصود فلسطينيين)، الذين قاموا بالاستيلاء عليه وتخريبه،
بادعاء أن المتولين مشغولون عن إدارة شؤونه والحفاظ عليه. وجرت الإشارة بشكل صريح في الطلب المقدم أمام المحكمة إلى أن الوقف يتعلق بأراضي حي بطن الهوا في سلوان.
وفي قرار تقني مقتضب، جاء دون مناقشة الطلب بشكل جوهري بناء على موافقة الأطراف المعنية عليه، وبينها حاخاما مدينة القدس ومكتب “مسجل الوقفيات العام”، صادقت المحكمة على الطلب وتحولت الجمعية الاستيطانية بفعل القرار لمتولي الوقف.
وأصدرت المحكمة قرارها بتعيين الجمعية الاستيطانية لتكون متولي لإدارة الوقف دون أن يتم إشعار سكان الحي بالطلب ودون الاستماع لموقفهم، وهو أمر جوهري من الناحية القانونية نظرا لإمكانية تضررهم من جراء هذا القرار. وقد كشف أمر القرار عند تقديم دعاوى الإخلاء فقط. ويعتبر هذا القرار اللبنة الأساسية التي مكنت لاحقا الجمعية الاستيطانية من تقديم دعاوى الإخلاء ضد سكان الحي الفلسطينيين.
شهادة التحرير- التملك
بعد ذلك، في عام 2015، ونتيجة جهد متواصل قامت به الجمعية طوال 14 عاما تقريبا أمام مكتب “حارس الأملاك العام” ، حصلت الجمعية الاستيطانية على “شهادة تحرير” أراضي حي بطن الهوا، وهي بمثابة اعتراف
ملكية بأن أراضي الحي مرتبطة بالعقار الذي جاء ذكره في الوقف المذكور، والذي أصبحت الجمعية الاستيطانية مسؤولة عن إدارة شؤونه. وفتحت “شهادة التحرير” هذه الطريق أمام “عطيريت كوهانيم” لتقديم عشرات دعاوى الإخلاء أمام محكمة الصلح في القدس ضد جميع سكان الحي بزعم أنهم “غزاة” في الأرض ولا يملكون حقا بها وأن وجودهم عليها غير قانوني، وهو ادعاء مناف لتعاليم الوقف، وعليه طالبوا المحكمة بإصدار أوامر إخلاء ضد السكان وتهجيرهم من الحي.
تنظر محكمة الصلح في القدس حاليا في العديد من القضايا المقدمة ضد سكان الحي لإخلائهم. وقد وصلت هذه القضايا إلى مراحل مختلفة بناء على تاريخ تقديمها. وتبرز لوائح الدعاوى المقدمة ضد سكان الحي تضمنها أيديولوجية يمينية استيطانية للجهة التي تقف وراء الدعاوى. إذ تدعي “عطيريت كوهانيم” أن بلدة سلوان، “كفار هشيلواح” وفق الاصطلاح التوراتي، هي بلدة يهودية بالأصل ويعود تاريخها إلى فترة الملك داوود والملك سليمان وشكلت جزء من المملكة العبرية الثانية، وفقا للأسطورة التوراتية.
وتزعم الجمعية الاستيطانية أيضا، أن ملكية أراضي حي بطن الهوا تعود لليهود، وأنه استوطنها اليهود حتى عام 1946 في ما كان يعرف سابقا بحي اليمن. وبناء على ذلك، وفق الادعاء، وجب إخلاء من “استولى” على هذه
الأرض “بدون وجه حق” وإعادتها لملكية الوقف تحت إدارة الجمعية لتوطين اليهود عليها. وهنا يجدر التنويه أن الجمعية بدأت بإعداد وتقديم مخططات لإقامة المستوطنات على أنقاض الحي بعد إخلائه بهدف معلن وواضح وهو تهويد بلدة سلوان، وهو أمر تسعى إليه الجمعيات اليمينية الاستيطانية الفاعلة بكل قوة.
حيثيات الالتماس
بالتوازي مع الدفاع عن أهالي الحي ضد عشرات قضايا الإخلاء، تم تقديم التماس مبدئي ضد القيم العام لعدم قانونية شهادة التحرير التي أصدرها، والتي اعتمدت الجمعية عليها في تقديم دعاوى الإخلاء. وتم تقديم الالتماس عن طريق مكتب المحامين قعوار ومحاجنة ودحلة في القدس أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، مطالبين بإبطال “شهادة التحرير” هذه بسبب تعارضها مع القانون الإسرائيلي ذاته، وأيضا بسبب تعارضها مع القانون الشرعي والذي تأسس الوقف بفعله.
وعلى مستوى القانون الإسرائيلي، أثار الالتماس عدة طعون، منها الإخلال بسلامة الإجراءات الإدارية، لا سيما حق المواطنين في الاستماع والطعن قبل اتخاذ قرار يحمل إمكانية إلحاق الضرر بهم. هذا بالإضافة لاعتماد اعتبارات غير قانونية وحتى مميزة وعنصرية في صلب القرار، وهو أمر محظور وفق القانون الإداري الذي يحكم عمل “حارس الأملاك العام”، بفعل كونه سلطة إدارية خاضعة لتعاليم ومعايير القانون الإداري، الذي يلزم باتخاذ قرارات بناء على معايير موضوعية ومهنية فقط. كما أثار الالتماس ادعاء خرق الصلاحية على اعتبار أن الشهادة المعطاة قامت بتحديد موقع العقار المذكور في الوقف داخل حي بطن الهوا وهو أمر ليس ضمن صلاحية “حارس الأملاك العام” إنما ضمن صلاحية “دائرة خرائط إسرائيل، والتي ذكرت سابقا، من خلال ردها على رسائل محامي الحي، أنه لا يمكن تحديد موقع العقار المذكور بالوقف.
كما أثار الالتماس ادعاءات عديدة أخرى، مصدرها القانون الشرعي الإسلامي الخاص بالوقف، معتمدة على تقرير خبير قام بإعداده البروفسور احمد ناطور، وهو قاضي محكمة الاستئناف الشرعية سابقا. وجاء في هذا التقرير أنه حتى لو كانت أوراق الوقف صحيحة، فإن مستندات الوقف تحدثت عن حق استعمال غرف محددة ولم يتحدث عن رقبة الأرض، أي ملكيتها. وبالتالي، فإن الحديث عن وقف غير صحيح من الناحية القانونية وهو يزول مع زوال الغرف في حال تدميرها أو خرابها، وهو أمر أثبت أمام المحكمة من خلال صور جوية من عام 1952، التي تظهر أنه لم تكن هناك أية غرف في الموقع المستهدف، ما يعني أن الوقف المذكور انتهى من الناحية القانونية ولا يمكن اليوم المطالبة بملكية الأرض والتي هي في الأصل لم تكن جزءا من الوقف المزعوم.
وأثار تقرير الخبرة الذي تم تقديمه مع الالتماس عدة طعون أخرى، وهي متعلقة أيضا بصلاحية تعيين المتولين للوقف الذي تم تأسيسه أمام المحكمة الشرعية، الأمر الذي يثير أيضا تساؤلات حول صلاحية قرار المحكمة المركزية، من العام 2001، والذي قام بتعيين الجمعية الاستيطانية متولية على الوقف.
ووفق القرار الصادر عن المحكمة العليا، فإنه من المفروض أن تقوم النيابة بالرد على ادعاءات الملتمسين حتى يوم غد، الأربعاء.
وقال المحامي يزيد قعوار، وهو ممثل سكان حي بطن الهوا، إن “قضية أراضي حي بطن الهوى تكشف النقاب عن ازدواجية المعايير القانونية في مؤسسات الأراضي الإسرائيلية بكل ما يتعلق بأراضي القدس. فمن خلال مراجعة السوابق القانونية في محكمة العليا – أعلى هيئة قضائية في إسرائيل- يمكن ملاحظة الادعاءات القانونية التي يستند إليها سكان حي بطن الهوى في الالتماس، أنه تم ادعاؤها من قبل سلطه الأراضي الإسرائيلية على مدار سنوات في قضايا مصادرة أراض وعقارات وقبولها في المحاكم. ولكن في قضية بطن الهوى نرى أن المؤسسات ذاتها تدعي عكس ما سبق وادعته تماما، ضاربةٌ عرض الحائط بقرارات المحكمة العليا وحقوق المواطنين الدستورية”.
واضاف المحامي علاء محاجنة، وهو أيضا ممثل سكان الحي، أنه “تتعرض القدس عموما وبلدة سلوان على وجه الخصوص لمحاولات تهويد شرسة تقودها الجمعيات اليمينية الاستيطانية. وهي تتلقى الدعم غير المحدود من الوزارات الإسرائيلية المختلفة وبلدية القدس في مساعيها لإخلاء البلدة من سكانها الأصلانيين تمهيدا لتوطين يهود مكانهم”.
ولفت محاجنة إلى أن “ما يحرك هذه الجمعيات هو أيديولوجية فاشية معلنة مغلفة بادعاءات دينية توراتية متخيلة”، مشيرا إلى أن “حيثيات قضية بطن الهوا تبرز التخطيط المحكم بعيد المدى الذي تعمل بموجبه هذه الجمعيات بغية تحقيق أهدافها الاستيطانية. وتقديم الالتماس جاء من منطلق ضرورة طرق جميع الأبواب في سبيل عرقلة وإعاقة المخططات الاستيطانية في محاولة تثبيت صمود أهل الحي في بيوتهم وبلدتهم”.