تبدو حكومة بنيامين نتنياهو والقوى الدينية في إسرائيل مصممة على استغلال قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإصداره التعليمات ببدء إجراءات نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، في تجسيد المنطلقات الأيديولوجية لهذه الحكومة وتلك القوى.
فقد رأت الحكومة الإسرائيلية في قرار ترامب فرصة لتغيير موازين القوى الديموغرافية في القدس من خلال التمهيد لطفرة بناء ضخمة في المدينة ومحيطها. وبحسب ما كشفته صحيفة “يديعوت أحرنوت”، فإن كلاً من حكومة نتنياهو وبلدية الاحتلال في القدس قد اتفقتا بشكل مبدئي على الشروع في بناء 14 ألف وحدة سكنية في المنطقة الشرقية من المدينة المحتلة والمستوطنات التي تقع في غلافها على أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967.
وفي حال تم إنجاز هذا المخطط، فإنه كفيل بإحداث تحوّل كبير في موازين القوى الديموغرافية لمصلحة اليهود، ناهيك عن أنه سيضمن مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وضمّها لبلدية الاحتلال، مع العلم أن جلّ هذه الأراضي تابع للضفة الغربية. ونظراً لأن إسرائيل تركّز على البناء في المناطق الواقعة شمال شرق وجنوب شرق القدس، فإن المشاريع الاستيطانية الجديدة ستزيد من حدة محاصرة الحواضر الفلسطينية المهمة في محيط المدينة، ولا سيما مدن: بيت لحم، بيت ساحور، بيت جالا، من خلال ربط بلدية الاحتلال بالتجمع الاستيطاني “غوش عتصيون”، الذي يلف هذه المدن.
في الوقت ذاته، فإن قوى اليمين الديني المتطرّف استغلت قرار ترامب في محاولة فرض وقائع جديدة داخل المسجد الأقصى، وتجاوز التفاهمات التي توصّل إليها نتنياهو وملك الأردن عبد الله الثاني، بهدف تغيير المكانة السياسية والقانونية والدينية للحرم عبر تكثيف عمليات اقتحامه. ولا تخفي هذه الحركات، التي يعدّ النائب الليكودي الحاخام يهودا غليك، أبرز قادتها، بأنها ترغب في المرحلة الأولى الدفع نحو التقاسم الزماني والمكاني في الحرم بين اليهود والمسلمين، تماماً كما هو الحال في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وقد دعت حركات “الهيكل” جميع عناصرها وأتباعها للتجمع واقتحام الحرم ابتداءً من، أمس الأحد، وحتى إشعار آخر، بهدف تغيير الواقع الديني في الحرم. ومن الواضح أن هذه الحركات التي تنادي صراحة بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، تستغلّ القيود المشدّدة التي تفرضها سلطات الاحتلال على دخول الشباب الفلسطيني للحرم في تنفيذ أنشطتها في أقلّ قدر من الممانعة.
إلى جانب ذلك، فإن هناك ما يدلّ على أن حكومة نتنياهو معنية باستغلال قوة الدفع التي تركها قرار ترامب، والعمل على تغيير الواقع القانوني والسياسي في الضفة الغربية، من خلال فرض تدريجي للقانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة. فقد أعلن حزب “البيت اليهودي”، الذي يقوده وزير التعليم نفتالي بنيت، ويمثّل المستوطنين في الضفة، أمس، بأنه بصدد تقديم تشريع يسمح بفرض القانون الإسرائيلي على المؤسسات التعليمية في المستوطنات في الضفة. ونظراً لأن موازين القوى داخل البرلمان الإسرائيلي تسمح بتمرير هذا التشريع، فإنه سيفتح الطريق أمام إعلان “السيادة” الإسرائيلية على كل المستوطنات في الضفة الغربية، كما يطالب بنيت وعدد من وزراء الليكود.
في الوقت ذاته، فقد سمح قرار ترامب لعدد من قادة اليمين الإسرائيلي بالتعبير مجدداً عن مطالبتهم بطرد فلسطينيي 48. وكان من هؤلاء وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، الذي استغل مظاهر الاحتجاج التي نظمها فلسطينيو الداخل لكي يطالب المستوطنين بمقاطعتهم بوصفهم “غير مرغوب فيهم هنا”، على حد تعبيره. وأضاف ليبرمان في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس “لقد قلت هذا الكلام مراراً وتكراراً، هؤلاء الناس لا ينتمون لدولة إسرائيل ولا علاقة لهم بهذا المكان”. ومن الواضح أن ليبرمان وجد الفرصة سانحة للترويج لخطته السياسية القائمة على “التخلّص” من فلسطينيي الداخل، ولا سيما في منطقة المثلث، وضمّهم لمناطق السلطة الفلسطينية. وقد مثّلت هذه الأحداث فرصة لعدد من نخب اليمين للتعبير عن مواقفهم المتطرفة تجاه فلسطينيي الداخل. فقد كتب النائب السابق شارون غال عنهم اليوم على حسابه على “تويتر”: “يتوجب التعامل معهم مثلما نتعامل مع المخربين، فهم حقاً مخربون”.
وتكمن المفارقة أن إسرائيل التي تسعى إلى استغلال قرار ترامب على هذا النحو، لم يكن لها دور يذكر في دفع الرئيس الأميركي لاتخاذه. فقد كشف تحقيق نشره موقع “وللا” السبت، النقاب عن أن ثلاثة أشخاص لعبوا الدور البارز في إقناع ترامب بالإقدام على هذه الخطوة، وهم: نائب الرئيس مايكل بنس، والملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أدلسون، أكبر المتبرعين لحملة ترامب، والصديق المقرب من نتنياهو وداعم حملاته الانتخابية، والسفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان.