نمر ريحاني
*من بابه إلى محرابه.. من باب المندب حتى ايلات والحرب على اليمن*
إن لكل حدث يحصل في حياتنا لا بد وان يكون له هدف معين أو غاية يراد الوصول إليها ونتيجة مرجوة من وراء ذلك، كما انه ستكون له اعراض واشارات تسبقه تنبئ وتهيئ لوقوعه. وليست نية إسرائيل أو تفكيرها بالاستيلاء على البحر الأحمر أيضا إلا حدثا أو مشروعا كغيره له هدفه ودلالاته التي تأتي تحضيرا لذاك الهدف أو المشروع وتكون إحدى لبناته، وفي كثير من الأحيان ما يكون موعد ظهور هذه اللبنات متقدما وقد يسبقه بكثير من الوقت ويبدو بعيدا عن موعد ظهور الحدث وهذا عادة ما يكون في الحالات التي تقصد فيها التورية والإخفاء للذي سيأتي. وأحيانا تمر مدة ما بين المكون والمشروع بحيث يصبح إدراك العلاقة بينهما، وهو أن تلك اللبنة إنما كانت لهذا المشروع، صعبا وغامضا أو قل متعذرا على غالبية الناس، وكيف لهم أن يدركوا بان ما يحدث أو يحضر اليوم هو لبنة في مشروع قادم سيرى النور ربما بعد سنين. إن هذا هو واقع المشروع الإسرائيلي الذي نحن بصدد الحديث عنه، وبادئ ذي بدء نتحدث عن مخططات إسرائيل المستقبلية.
جميعنا يعلم بان مشروعها الأزلي الواحد والوحيد هو إقامة دولة إسرائيل الكبرى على كامل الأرض التي يزعمون بأنها ارض الميعاد وان كل خطوة تخطوها إسرائيل إنما تكون خطوة في طريق إقامة ذلك المشروع. ومن بين ما تفكر إسرائيل بعمله وتحضره حسب رؤيتي مشاريع أخرى من شانها ان تكون لبنات مؤسسة في هذا المشروع الأكبر والتي من بينها فكرتان أخريان تراودانها. أما الأولى فهي حفر قناة ملاحية توازي قناة السويس المصرية تكون ما بين ايلات على البحر الأحمر وميناء اشدود على البحر الأبيض المتوسط يسوقونها للعالم على أنها أكثر أمنا وسلامة من قناة السويس. وأما الفكرة الثانية فهي مشروع تطمع به وتحضر له أيضا ألا وهو جلب مياه من النيل ومن سد النهضة بالذات إلى إسرائيل وإلا فما هو شانها وما هو سر اهتمامها وتحمسها البارز لإقامة هذا السد؟ وهنا يجب أن لا يغرب عن بالنا بأنه يدخل هنا ضمن هذا التحمس أيضا رغبة أخرى لإسرائيل في ان تضرب عصفورين بحجر واحد وتحقيق هدف آخر بعيد المدى من جراء إقامة هذا السد. فبالاضافة إلى انه سيمكنها جلب مياه من النيل إلى إسرائيل – مشروع كانت إسرائيل تريد القيام به وعارضته مصر – فإقامة هذا السد كما تراه سيكون بمثابة ورقة بيد إسرائيل للضغط على جمهورية مصر. إن إسرائيل تعمل من منظور على ان تكون هي الدولة لأقوى في المنطقة بلا منازع. ومما لا شك فيه فإنها لا تريد لمصر أن تكون دولة قوية تنازعها لذا فهي لا تألو جهدا في خلق المشاكل والعقبات تضعها في طريق الدولة المصرية لتعيقها من التقدم وتتلهى بمشاكلها الداخلية، فلا تعود قادرة لأن تلتفت إلى غيرها. وإن كانت مشاكل جماعات أنصار بيت المقدس لا تكفي فتضاف إليها ضائقة أخرى هي مشكلة مياه النيل.
هذا هو ما يدور في مصر بينما إسرائيل دائبة تحضر وأول ما تفكر به هو أن تكون منطقة البحر الأحمر آمنة وتحت سيطرتها. وها هي ترتب الأمور لذلك بحيث يصبح كل ما سيدور في منطقة البحر الأحمر وكل ما يحصل مراقبا وتحت إشرافها بموافقتها، وهنا فانا لا أرى في قصة الجزيرتين صنافير وتيران إلا عملية لنزع ملكية مصر عنهما وتمليكها لإسرائيل. ونحن الذين ننظر من بعيد من أين لنا أن ندري فالعلم المرفوع فوق ذاك المعسكر الذي نراه في الجزيرتين هو علم سعودي لكننا لا نعرف وما أدرانا من هم أولئك الذين بداخله ومن يكونون؟! وجميعنا يعرف مدى أهمية هذه الجزر لإسرائيل وتحول منطقة المضايق هذه من منطقة تخافها وتخشى إغلاقها إلى منطقة تحت قبضتها تعني الشيء الكثير لإسرائيل فهي تعطيها الأمن الكبير. ولقد رأينا كيف أدت محاولة إغلاقها من قبل مصر سنة 1967 الى نشوب حرب بين الدولتين وتجيء المطالبة بها مع الأيام ومصر تختنق وفي ذروة العوز. إني لعلى قناعة تامة بان كل ما تملكه السعودية هو ملك لإسرائيل وليس عندي أدنى شك في ذلك وها هي السعودية تؤمن لها أو قل تملكها موقعا مهما للهيمنة على ذاك البحر.
لو ألقينا نظرة فاحصة على منطقة البحر الأحمر ولنبدأ بالشاطئ الشرقي منه إضافة إلى الجزيرتين، لرأينا أنه مكون من شاطئ الأردن الحالي مع إسرائيل إذا فهو آمن وتحت السيطرة. ثم يأتي ساحل السعودية وهو في رأيي ملك لإسرائيل. وللسيطرة على ممر باب المندب الذي هو النقطة الأهم في منطقة البحر الأحمر والذي يعد بمثابة البوابة لتلك المنطقة يبقى الساحل اليمني وخليج عدن وحيث أن اليمن هي ليست الأردن ولا ألسعودية. يعني أنها ليست تحت السيطرة والنفوذ التام للسعودية وبمعنى آخر جانبها غير مؤتمن لذا يجب عمل أي شيء للاستيلاء عليه، وحسب ظني فان هذه الغاية هي أهم الغايات المرجوة من وراء الحرب الدائرة الآن على اليمن لاحتلاله وإخضاعه ليكون تحت السيطرة الكاملة. عندها فقط يكون الساحل الشرقي كله بالكامل وكذلك باب المندب في متناول اليد وتحت السيطرة الإسرائيلية. وإلا فما هو الجرم الذي ارتكبه اليمن وأطفاله بحق السعودية أو غيرها حتى يتعرض لما يتعرض له الآن؟! والمتعهد بالتنفيذ موجود هي السعودية و بدون اجر وفوق ذلك فانه يدفع التكاليف أيضا كما يقولون في أمثالنا الشعبية “وأكرى الخان من جيبها”. وبهذا يكون الساحل الشرقي للبحر الأحمر وبعد القضاء على اليمن حسب رأيهم آمن وتحت إشراف إسرائيل.
ونأتي إلى الشاطئ الغربي ونرى ماذا هي فاعلة هناك أيضا لضمان الأمن والسيطرة عليه. ونبدأ من الشمال تكون سواحل مصرية، سيناء وامتداد الساحل المصري التي من المفروض ان لا يكون لإسرائيل عليها لا نهي ولا أمر لكن إسرائيل لا ترضى بذلك وان لا يكون لها تدخل واشراف، وفي حين لا يتسنى لها ذلك مباشرة فليكن عن طريق شخص عميل آخر توظفه هي ليقوم بالمهمة بدلها. وهنا يكفي إسرائيل وجود جماعات مأجورة ممن يسمون أنفسهم بأنصار بيت المقدس يبحثون عن بيت المقدس هم لا يعرفون أين تكون فلعلها تكون في سيناء وإلا فماذا؟! وتمر طائرة تحمل الزوار الأجانب إلى مصر فوق سيناء وتسقط بصاروخ وجميع ركابها يقتلون ويكون هذا قد تسبب بقطع رافد هو من أهم روافد الاقتصاد المصري، فبالله عليك قل لي يخدم من هذا العمل؟ إن وجود هؤلاء في سيناء من شانه أن يشغل مصر ويضعفها لتنشغل في الداخل وتنسى نفسها ولا تعود قادرة إلى الالتفات إلى ما حولها، وهذا ما يجعل الجانب الإسرائيلي يظهر للعالم بأنه أكثر أمنا من الجانب المصري وان إسرائيل هي القابضة على امن منطقة البحر الأحمر.
بعد الساحل المصري إلى الجنوب تأتي دولة السودان. هنا كانت بعض العلاقات بين البشير وإسرائيل ولكن وكأنها ما كانت لترقى إلى ما تطمح إليه إسرائيل غير أنها وعلى ما يبدو قد تحسنت بعد مشاركة البشير في حملة عليهم على اليمن وها هو يشارك في جيش التحالف على اليمن ولذا صدرت له شهادة حسن سلوك من أمريكا وإسرائيل ولم يعد ملاحقا دوليا. أما إسرائيل فلم تنتظر إلى هذا اليوم بل استبقته كانت قد أسست وعملت على تقسيم السودان إلى دولتين وأقامت دولة جنوب السودان “المسيحية”. وبذا تكون قد كونت لنفسها نقطة أمنية أخرى على الساحل الغربي للبحر الأحمر نقدر أن نقول بأنها قاعدة أمنية لإسرائيل أيضا.
إلى الجنوب منها تكون اريتريا وفيها وعلى ذمة تقرير للمخابرات الأمريكية (وشهد شاهد من أهله) يوجد مركز للوحدات الخاصة والمخابرات الإسرائيلية يراقب التحركات الإيرانية في المنطقة. ثم إلى الجنوب منها تأتي دولة أثيوبيا التي فيها بادرت إلى إقامة السد العملاق لمياه النيل والذي إقامته خولتها لأن تصبح صاحبة حل وربط وكأنها من أصحاب البيت وبحسب الأساطير فإنهم بالفعل من أصحاب البيت. فيحكى بان الملك سليمان كان له ابن من سبأ واسمه منليك هو جد الأحباش مؤسس الإمبراطورية. هذا السد يتسع لمليارات من الأكواب من مياه النيل تمنعها أو قل توعز إلى منعها عن مصر متى تشاء.. هي صاحبة قرار من وراء الستارة بشأنها إن هذه الأكواب ومما لا شك فيه بان مصر بحاجة إليها ولذا فإننا نرى ما نراه من المحادثات الدائرة قي هذه الأيام في القاهرة ومع دول حوض النيل والتي لا تنقطع حول هذا الموضوع: مياه النيل والمحاصصة بين دول حوضه. وليس ببعيد أن يكون لإسرائيل نصيب منها تحقق مشروعها وهو جلب مياه من النيل إلى إسرائيل وها هي إسرائيل تترك المنطقة مشتعلة تحترق بنيران هي أشعلتها لأشغال الناس ببعضهم البعض بينما هي رأسها سالمة تدبر وتخطط كل شيء وكأنها لا تدري بشيء وكأنها ليست هنا وتنتهز مثل هذه الفرص. وفي ذروة الأحداث وبينما العالم لاه غافل وتمد يدها لتسرق لها استيطانا جديدا مثلا.. وهذا دأبها وتبقى ماضية في مشروعها لبسط نفوذها وهيمنتها على منطقة البحر الأحمر، تحاول جاهدة لإيجاد مراكز نفوذ لها في كل دولة من تلك الدول وكأن سعيها غالبا ما يكون ناجحا.. وهي لم تكتف بالدول التي ذكرنا وحسب بل تعداه إلى دول أخرى. وباختصار شديد فهي دائبة تعمل في كل دولة من دول حوض البحر الأحمر ودول حوض النيل مثل الصومال وكينيا وأوغندا وغيرها وحتى في كافة الدول في افريقيا فهي تؤسس لها علاقات فيها بالسر وبالعلانية لا يهم. فخذ الصومال مثلا ويقال بان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود اجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وفي تل ابيب، لذا فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدعو إلى عقد مؤتمر لهذه الدول يكون في دولة توغو في أفريقيا جميعها بما فيها دول عربية تزعم بان ليس لها علاقات معلنة لكن من تحت الطاولة مع إسرائيل لتشارك.. انه لا يمانع المهم لف الأمور وخلط السماوات بالعموات كعادته والقصد من وراء ذلك علاوة على مشروعه الهيمنة على المنطقة، يكون أيضا الظهور أمام العالم بصورة أن جميع هذه الدول هي متحالفة متحابة راضية عن إسرائيل “ويا دار ما دخلك شر”.. وبذا يسدل ستارة أخرى على قضية اسمها القضية الفلسطينية ويتسلم دفة القيادة ويكون زمام الأمور في كافة تلك الدول وكل منطقة البحر الأحمر بين يديه وتحت إشرافه وليحقق أي مشروع يشاء!
(كفر كنا)