صالح النعامي
على الرغم من أن العلاقة الحميمة التي جمعت دوما اليمين الديني في “إسرائيل” والجماعات المسيحية الإنلجيكانية في الولايات المتحدة وبقية أرجاء العالم، إلا أن هذه العلاقة شهدت مؤخرا تطورا كبيرا، تمثل في حرص هذه الجماعات على التمادي في إظهار الإسناد والدعم لغلاة اليمين الديني اليهودي المتطرف، سيما في المستوطنات اليهودية في أرجاء الضفة الغربية. وقد تمثلت مظاهر الإسناد في قدوم عدد كبير من المسيحيين الإنجليكانيين، سيما ممن ينتمون للمعسكر الأكثر تطرفا في تأييده لإسرائيل، والذين يطلقون على أنفسهم “المسيحيون الصهاينة” “لإسرائيل” للقيام بأعمال “تطوعية” داخل المستوطنات، إلى جانب مشاركتهم الفاعلة في الجهد الدعائي لليمين الديني الإسرائيلي وتفانيهم في تبرير السياسات المتطرفة التي تقدم عليها حكومة بنيامين نتنياهو. ولم يكن من سبيل المفارقة أن يختار قسم كبير من “المسيحيين الصهاينة” مستوطنة “هار برخاه”، التي تقع على قمة جبل “عيبال”، شمال نابلس، والتي خرج منها معظم عناصر جماعة “شارة ثمن” الإرهابية، المسؤولة عن شن العشرات من العمليات الإرهابية التي طالبت المواطنين الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية في الضفة الغربية وداخل فلسطين 48. وتضم “هار برخاه” أيضا مدرسة “عود يوسي فحاي” الدينية، التي انشغل حاخاماتها بـ “التأصيل الفقهي” لتبرير العمليات الإرهابية، حيث أن مدير المدرسة إسحاق غيزنبيرغ أفتى بأن إحراق عائلة دوابشة مثل “فريضة شرعية”، في حين أن مساعده الحاخام إسحاق شابيرا ألف “مصنفا فقهيا” لتبرير قتل الأطفال الرضع من الفلسطينيين. وحسب تحقيق نشرته صحيفة “هارتس” في عددها الصادر اليوم، فإن “المسيحيين الصهاينة” يفدون إلى المستوطنات اليهودية، وتحديدا إلى “هار برخا” بعائلاتهم للقيام بأعمال تطوعية داخل المستوطنة.
وأشار التحقيق بشكل خاص إلى من يقف وراء هذه الفكرة هم، جوشي وكييتلين، وهما زوجان من “المسيحيين الصهاينة”، وشيري، والدة جوشي ، الذين قدموا من مدينة “تينسي”، في الجنوب الأمريكي، عام 2004 للمستوطنة، وعملوا بعد ذلك على تنظيم رحلات للمئات من “المسيحيين الصهاينة” من جميع أرجاء العالم إلى مستوطنات الضفة الغربية. وتنقل “هارتس” عن كييتلين قولها: “عودة اليهود من الشتات مثلت معجزة، نحن نحب “إسرائيل” ونؤيد الإسرائيليين، ونقف إلى جانب الشعب اليهودي وندعم حقه في تقرير مصيره”. وتشير الصحيفة إلى أن كلا من جوشي وكييتلين يديران ويوجهان أنشطة عدد كبير من المتطوعين من “المسيحيين الصهاينة” الذين وفدوا من جميع أرجاء العالم إلى هذه المستوطنة وإلى غيرها. وحسب الصحيفة، فأن الأعمال “التطوعية” التي يقوم بها “المسيحيون الصهاينة” تشمل المساعدة في الاعتناء بكروم العنب التي زرعها المستوطنون على أرض تم اقتطاعها عنوة من القرى الفلسطينية المجاورة. ومن أجل إظهار التضامن من المستوطنين في المستوطنة، الذين ينتمون إلى التيار الديني المتشدد، فإن الرجال من “المسيحيين الصهاينة” يرتدون نفس ملابس المتدينين اليهود، باستثناء القبعة الدينية، في حين تحافظ النساء على وضع غطاء على الرأس، على الرغم من أنهن يمارس نمط حياة علماني بعد خروجهن من المستوطنة.
ويشير الباحث شكيد أورباخ، الذي أعد التحقيق، إلى أنه فوجئ ليس فقط من مستوى تشرب “المسيحيين الصهاينة” لدعاية اليمين الديني في “إسرائيل”، بل أنه يلفت الأنظار إلى أنهم طوروا رسائل دعائية خاصة بهم في محاولاتهم تبرير احتفاظ إسرائيل بالضفة الغربية. ونقل أورباخ عن أحدهم قائلا: “لو لم تكن إسرائيل تسيطر على هذه المناطق، فإن داعش كان سيصل إلى منطقة غوش دان(تضم تل أبيب وما يعرف بوسط إسرائيل)”. وينقل أورباخ عن شخص آخر من المجموعة قوله: “في حال قررت “إسرائيل” التمدد فإننا سنؤيد قرارها بدون تردد”، في حين يجزم غوشي بأن إسرائيل “ستعود في آخر الأيام لتمتد حدودها حتى العراق”.
وعلى صعيد الاستنفار لصالح خدمة الأهداف الدعائية “لإسرائيل”، فقد عمدت “السفارة المسيحية الدولية”، التي تعد أكبر تجمع لـ “المسيحيين الصهاينة”، والتي ينتمي إليها ملايين المسيحييين الإنجليكانيين في جميع أرجاء العالم، لإصدار بيان يندد بقوة بقرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والتعليم (يونسكو)، الذي رفض وجود علاقة بين اليهود والمسجد الأقصى. ونقلت صحيفة “ميكور ريشون” اليمينية الإسرائيلية عن “السفارة” قولها إن “إنكار علاقة اليهود بجبل الهيكل (الاسم الذي يطلقه اليهود على المسجد الأقصى) هو انكار للعلاقة بين المسيحيين وهذه الأرض”. وجاء في البيان الموقع من قبل يورغن بولر، مدير فرع “السفارة” في القدس المحتلة إنه تم إحاطة 130 “قنصلية” تتبع “السفارة المسيحية العالمية” في أرجاء العالم بخطورة قرار “اليونسكو” وضرورة العمل من أجل إحباطه، حيث تم التشديد على أن القرار “يعني الغاء 4000 عام من العلاقة بين اليهود و”جبل الهيكل” و2000 عام من العلاقة بين المسيحيين وهذه الأرض”.
يذكر أن تحقيقا بثته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية قبل عام ونصف كشف النقاب عن قيام المسيحيين الإنجليكانيين بتحويل عشرات الملايين من الدولارات سنويا لدعم الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية علاوة على دعم المشاريع الهادفة لتهويد القدس والحرم القدسي الشريف.