محمد بلاص*******
حولت جرافات الاحتلال، امس، خربة كرزلية إلى الغرب من الجفتلك في الأغوار الوسطى، إلى أثر من بعد عين، بعد أن مسحت من على وجه الأرض ما تبقى من منشآت بدائية الصنع وخيام، في هجوم يعتبر العاشر من نوعه سبقته عملية هدم بالجوار.
وكانت عيون أفراد من تبقى من عائلات بدوية، ترقب حركة جرافات الاحتلال الضخمة وقد أصبحت على مشارف مساكنهم في مهمة محددة، وهي مسح ما تبقى من مساكنهم المسقوفة من الصفيح وخيامهم وحظائر مواشيهم، لتحيل كل شيء في هذه الخربة المنكوبة إلى أكوام من الركام، لتقذف بالعائلات البدوية كما قطعان المواشي إلى العراء تفترش الأرض وتلتحف السماء.
وقال خبير شؤون الانتهاكات الإسرائيلية والاستيطان في الأغوار، عارف دراغمة، إن قوات الاحتلال لم تبق شيئا من مساكن المواطنين وخيامهم في خربة كرزلية التي شكلت بمثابة هدف دائم لعمليات هدم متواصلة خلال الأعوام القليلة الفائتة، حيث هدمت الخربة أكثر من عشر مرات.
“اليوم دمر الاحتلال كل منشآت الخربة”.. قال دراغمة لـ”الأيام”، وأغلق الطريق الوحيدة المؤدية إليها بالسواتر الترابية والخنادق، في محاولة منه لمنع وصول أي مساعدات إنسانية للعائلات المنكوبة.
وبحسب دراغمة، لعشرات المرات، وجد أهالي هذه الخربة أنفسهم دون مأوى بعد أن تقوم جرافات الاحتلال بهدم الخيام والمساكن البدائية التي يقيمون فيها، في مشهد يتكرر في هذه المنطقة التي تفتقر للحد الأدنى من شروط الحياة الآدمية، وتقيم فيها عدة عائلات بدوية تعتمد في مصدر رزقها على تربية المواشي والزراعة.
وتدعي سلطات الاحتلال، أن هذه الخربة تقع وسط منطقة إطلاق نار يستخدمها جيشها في تدريباته العسكرية، وهي واحدة من عدة مناطق محظورة على الفلسطينيين في الأغوار الوسطى والشمالية.
وأكد، أن الاحتلال يطارد تلك العائلات في الجبال ويهدم مساكنها، ويجري مناوراته العسكرية صيفا وشتاء على مشارفها مستخدما الدبابات وناقلات الجند المدرعة التي تفتك حتى بالمزروعات في تلك الخربة.
وأضاف، إن العائلات البدوية هناك أمضت أياما طويلة في العراء بعد هدم مساكنها، وهو أمر تعتقد تلك العائلات أنه طبيعي بالنسبة لها، بالرغم من قسوته، ولكن الاحتلال يصر على طردها من أرضها.
وادعت سلطات الاحتلال، أن جميع المنشآت المقامة في خربة كرزلية “غير قانونية”، وشيدها أصحابها في منطقة تدريب على إطلاق النار بدون ترخيص، وتمت إزالتها لعدة مرات، ولكن العائلات البدوية تعيد بنائها من جديد.
وبحسب دراغمة، فإن نسبة تزيد على 90% من منطقة الأغوار مصنفة على أنها مناطق “ج” تخضع بشكل كامل لسيطرة جيش الاحتلال، ولا تمنح فيها تراخيص بناء إلا نادرا، ما يضطر أصحابها الشرعيين إلى البناء بدون ترخيص.
وقال، إن خربة كرزلية المحاصرة، تعرضت لعمليات هدم واسعة خلال السنوات الأخيرة أدت إلى تشريد وتهجير جزء من عائلاتها، ويعاني القاطنون فيها من انعدام مقومات الحياة والبقاء، في ظل وجود خطر حقيقي من إمكانية تفريغها من جميع سكانها.
وأشار، إلى أن جزءا من العائلات التي كانت تعيش في هذه الخربة اضطرت إلى الرحيل عنها والسكن بالقرب من مدخلها بسبب مضايقات الاحتلال والظروف الصعبة للسكان.
وبين دراغمة، أن أهالي تلك الخربة يعملون على تربية المواشي، ويسكنون هناك بسبب وجود نبع مياه، وخلال السنوات الأخيرة تعرضت لعمليات هدم كثيرة من جيش الاحتلال، في وقت تعيش فيه العائلات البدوية واقعا مريرا ويتفنن الاحتلال بطرق التضييق عليها لدفع أهلها على الهجرة عنها.
وتكاد خربة عين كرزلية لا تعرف رغم أن عمرها يزيد على 40 عاما، ويصعب التواصل مع أهلها ممن يعيشون مرارة الإهمال وغياب أبسط مقومات الحياة، لكن الاحتلال بمطامعه التي لا تنتهي، يعرفها جيدا فيلاحقها بإخطارات الهدم.
ويجمع أهالي هذه الخربة، على أن الاحتلال يسعى جاهدا إلى وضع يده على أراضيها لوقوعها في منطقة تناسب تدريباته العسكرية ولملاصقتها إحدى معسكرات جيشه، وقربها من مستوطنة “مسواة”، واعتبار الاحتلال هذه الخربة منطقة محمية طبيعية.
وهدمت قوات الاحتلال، قبل انتقالها إلى خربة كرزلية، منزلا في منطقة الجفتلك، وفق ما أكده مسؤول ملف هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في عقربا، يوسف ديرية.
وقال ديرية، إن عددا من الآليات العسكرية وصلت إلى المنطقة برفقة جرافة عسكرية، وشرعت بعمليات الهدم للمرة الخامسة على التوالي منذ عام 2008، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تهدم المنزل ومن ثم يعاود زهير فهمي بناءه من جديد، مؤكدا أن عمليات الهدم تمت تحت حجة البناء في مناطق مصنفة “ج”.