الشعور الذي يلازم كل صغير وكبير في خربة المكحل جنوب غرب جنين، أنهم يواجهون وحيدين كل محاولات الاحتلال الهادفة إلى اقتلاعهم من أرض آبائهم وأجدادهم، بعد أن أقامت مستوطنة “حرميش” بجوارها حيث يحرص الاحتلال وكذلك المستوطنون على تحويل حياتهم إلى أشبه ما يكون بالجحيم الذي لا يطاق.
“مجرد التفكير في التوجه إلى المكحل ضرب من الجنون”.. هذه الكلمات ترددت على ألسنة كثيرين ممن زاروا هذه الخربة الواقعة على بعد ثمانية كيلومترات من بلدة يعبد، منها ثلاثة كيلومترات عبارة عن طريق وعرة كانت مغطاة بمياه الأمطار التي غمرتها خلال المنخفض الجوي الأخير، فجعلت من إمكانية الوصول إلى هذه الخربة، أمرا أشبه ما يكون بالمستحيل.
“نحن نعيش المأساة في كل يوم ولحظة”، قال ممثل الخربة، وليد المكحل، وقد اتسخت ملابسه كما هو الحال بالنسبة لأطفاله وأشقائه ممن كانوا يستخدمون وسائل بدائية في سبيل إخراج مياه الأمطار التي تدفقت إلى مساكنهم القديمة التي تمنعهم سلطات الاحتلال من تشييد أخرى جديدة بدلاً من المتهالك منها، وتسمح لهم بتأهيل القائمة والتي قال المكحل، إنها في معظمها غير قابلة للتأهيل، حيث تساقطت أجزاء من أسقف بعضها، وأصبحت تشكل خطرا جسيما على ساكنيها.
ظروف معيشية صعبة
وبحسب المكحل، فإن هذه الخربة التي تحمل اسم عائلته، تعيش ظروفا حياتية ومعيشية صعبة للغاية، وتحتاج لدعم كامل من قبل الجهات والمؤسسات كافة لدعم صمود أهلها وتمكينهم من العيش والحفاظ على أراضيهم الزراعية.
وأكد، أن هذه الخربة كانت ولا زالت محط أطماع الاحتلال الذي يتبع سياسة التهجير والتضييق على الأهالي من هدم المساكن ودهمها، عدا عن استفزازات المستوطنين، وذلك في سبيل تهجير الأهالي والاستيلاء على أراضيهم الخلابة.
وبين، أن مساحة أراضي الخربة تتجاوز 150 دونما تقع ضمن المناطق المصنفة “ج”، وتضم في واديها مغارة أثرية قديمة يبلغ عرض بابها 30 مترا، وكانت منذ فترة ليست بالطويلة تشكل مصيفا للعشرات من أهالي جنين وطولكرم، إلا أنهم حرموا من الوصول إليها بسبب مضايقات الاحتلال الذي يمنع التواجد في ذلك المكان، بذريعة الأسباب الأمنية وقربها من المستوطنة.
المستوطنة على مرمى حجر
وتابع المكحل: “إن جنود الاحتلال وكذلك مستوطنو حرميش المقيمين بالقرب منا، ولا يبعدون عنا إلا مرمى حجر، لم ولن يتركونا بحالنا، ويستمرون في مضايقتنا واستفزازنا بهدف الرحيل عن أراضي آبائنا وأجدادنا وضمها إلى المستوطنة”.
واستعرض، ممارسات قوات الاحتلال التي لا تغادر المنطقة، وتنفذ عمليات دهم وتفتيش لمساكن المواطنين بشكل شبه يومي، وتتواجد بين الأشجار بهدف ترويع الأهالي وخاصة الأطفال، وتمنعهم من الرعي في أكثر من 40 دونما من أراضي الوادي.
وقال المكحل: “لم تعد إجراءات الاحتلال وحدها تشكل تحديا أمام الأهالي ممن يئنون تحت وطأة ظروف حياتية ومعيشية صعبة للغاية تتمثل في افتقار الخربة للحد الأدنى من شروط العيش الآدمي والبنية التحتية وعدم توفر الحد الأدنى من الخدمات الأساسية ومتطلبات الحياة الضرورية.
احتياجات أساسية
وأوضح أن الخربة تفتقر إلى احتياجات أساسية، من أبرزها مد شبكة كهرباء، وتوفير مصدر للمياه، وشق وتعبيد الطرق لتوصيل الخربة بالتجمعات السكانية القريبة منها، مبينا أن الخربة تعتمد اعتمادا كليا على بلدة يعبد جنوب غرب جنين، والنزلة الشرقية قضاء طولكرم لوقوعها كمنطقة حدودية بين البلدتين.
وأكد، أن قوات الاحتلال أغلقت الطريق الرئيسة الواصلة بين الخربة والتجمعات السكانية القريبة، بحجة أنها تمتد من مدخل مستوطنة “حرميش”، ما يضطر الأهالي إلى سلك طرق وعرة جدا، وعندما يحل فصل الشتاء لا تستطيع الدواب السير عليها.
وأشار، إلى طلبة المدارس من أبناء الخربة والذين يسيرون لمسافة تزيد عن ثمانية كيلومترات على أرجلهم وعلى الدواب للالتحاق بمدرستهم في بلدة النزلة الشرقية بمحافظة طولكرم، ويواجهون في طريقهم عبر الأحراش جنود الاحتلال من المشاة المنتشرين بين الأشجار الحرجية، والذين يعترضون طريقهم ويرعبونهم، عدا عن الخنازير التي تهاجم الأطفال على الطريق، وأصابت عددا منهم.
وأكد المكحل، حاجة الخربة لعيادة طبية أو على الأقل تواجد طبيب بشكل مستمر فيها من أجل تقديم العلاجات اللازمة للأهالي.
عزلة عن العالم الخارجي
وأردف: “في إحدى المرات أصيب أحد الأهالي بمرض شديد كان مفاجئا، فقام بالاتصال بسيارة إسعاف من أجل نقله إلى المستشفى، لكن بسبب وعورة الطريق، اعتذر طاقم الإسعاف عن القدوم إلى الخربة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الأطباء، بسبب صعوبة الطريق، ما اضطر الأهالي إلى نقل على دابة حتى اجتازت الطريق الوعرة، ومن هناك تم نقله إلى مستشفى جنين الحكومي، وهو في حالة صحية صعبة.
وأوضح المكحل، أن ثلاث عائلات اضطرت فعليا إلى الهجرة وترك منازلها في الخربة، لعدم قدرتها على تحمل ضغط الاحتلال وقسوة الظروف، متسائلا: “هل ننتظر حتى تصبح الخربة أثرا بعد عين في ظل استمرار تجاهلها؟!”.
وقال: “لم أترك بابا إلا وطرقته، ولا وزارة إلا وزرتها، ولم أترك رسالة إلا وبعثتها إلى الجهات الرسمية والأهلية، من أجل دعمنا ومساعدتنا وتوفير الاحتياجات الرئيسة، وحتى ممثلي الوزارات والمؤسسات التقيت بهم خارج حدود الخربة دون زيارتها والتعرف عليها على أرض الواقع، وسمعنا منهم وعودا حتى هذه اللحظة ننتظر تنفيذها”.
وتابع: “إن أهالي الخربة أصبحوا يحلمون بزيارة مسؤول أو وزير للخربة للإطلاع على همومنا عن كثب ورؤية مشاكلنا على أرض الواقع، وعمل أي إجراء من شأنه تعزيز صمودنا في أرضنا”.
تدابير عسكرية
واستعرض، ما تسميها سلطات الاحتلال بجملة من التدابير العسكرية التي اتخذتها في سبيل إحكام قبضتها العسكرية على الخربة، ومن أبرزها وضع أبراج للمراقبة على التلة المقابلة للخربة، وكاميرات تصوير موجهة ومزروعة على الشيك الفولاذي والمشبوك بأسلاك كهربائية ممتدة كجدار عازل تحيط بمستوطنة “حرميش”.
وقال المكحل: “عندما تهطل أمطار غزيرة خلال فصل الشتاء، نصبح معزولين عن محيطنا، حيث تغرق الأمطار الطريق الرئيسة التي غالبا ما تتحول إلى أكوام من الوحل المتحرك، فيكون من الصعب عبور تلك الطريق، إلا بواسطة جرارات زراعية أو باستخدام الدواب”.
وأضاف: “عندما يدخل فصل الشتاء، نحرص على التزود بما يكفي من الطعام والماء، ونعتمد على المواشي للتزود بالحليب والأجبان، لأننا غالبا ما نكون على يقين أننا سنصبح معزولين عن العالم الخارجي لفترة قد تمتد شهر أو شهرين، في ظل صعوبة الدخول إلى الخربة أو الخروج منها”.
“الأيام- محمد بلاص”