محمد بلاص:
خرجت والدة الرضيع علان ربيع دراغمة، عن طورها وكاد يجن جنونها، عندما شاهدت طفلها الذي لا يتجاوز من العمر شهرا واحدا، يرتجف كالطير المذبوح على وقع دوي الانفجارات الشديدة الناجمة عن المناورات العسكرية التي يجريها جيش الاحتلال في منطقة احمير بالفارسية في الأغوار الشمالية.
ووضعت قوات الاحتلال، الآليات الثقيلة بما فيها الدبابات وناقلات الجند المجنزرة على بعد أمتار قليلة من خيام عائلة دراغمة.
وقالت الأم: “إن قوات الاحتلال بدأت بإطلاق القذائف المدفعية، وعندما دخلت على علان أثناء إطلاق القذائف، وجدته يرتجف ويهتز كالطير المذبوح”.
ولم تحتمل الأم هذا المشهد الرهيب، فلم يكن منها إلا وحملته وهي تركض إلى خارج خيمتها، ووجدت أمامها أحد ضباط جيش الاحتلال، وعندها أخذت تصرخ بأعلى صوتها: “منشان الله ارحمونا بيكفي”.
إلا أن الإجابة التي تلقتها من الضابط الإسرائيلي كانت غير متوقعة للأم التي كانت تبكي بحرقة، حيث رد عليها الضابط قائلا: “ضعي أصابعك في أذني ابنك أثناء إطلاق القذائف”.
ونقلت عائلة دراغمة، طفلها الرضيع إلى عيادة صحة عين البيضاء، ونقل بعدها إلى مستشفى طوباس الحكومي التركي، حيث مكث يومين.
وبحسب خبير الانتهاكات الإسرائيلية والاستيطان في الأغوار الشمالية، عارف دراغمة، فإن قوات الاحتلال بدأت قبل أيام بإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق بالذخيرة الحية في أنحاء متفرقة من الأغوار، وتتركز في منطقة احمير بالفارسية، حيث يتم إطلاق القذائف بالقرب من خيام السكان، لتدب الرعب في قلوبهم وتقض مضاجعهم.
وأكد دراغمة، أن مساحات واسعة من أراضي المزارعين في تلك المنطقة، تعرضت للتدمير تحت جنازير الدبابات والآليات المجنزرة، ما ألحق خسائر فادحة بالمزارعين ممن يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي في مصدر عيشهم، عدا الخطر الكبير الذي تشكله التدريبات على حياة المواطنين.
وأضاف: “في ظل المناورات العسكرية أصبح لا يوجد فرق يذكر بين الليل والنهار بالنسبة للقاطنين في مناطق واسعة من الأغوار الشمالية، حيث تقض تلك المناورات مضاجع العائلات البدوية التي تعيش هناك في ظل ظروف قاسية”.
وأشار، إلى أن قوات الاحتلال تتعمد تخريب أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الزراعية في السهول هناك، حيث تقوم الآليات الثقيلة من دبابات وناقلات جند مدرعة، بحركات دائرية تهدف إلى وأد المحاصيل الزراعية وهي في مراحل نموها الأولى.
ولفت دراغمة، إلى أن جيش الاحتلال يجري تدريبات بالذخيرة الحية بين مساكن المواطنين معظمها في مناطق الفارسية ومكحول وحمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، والعقبة شرق طوباس، وخربة الطويل جنوب نابلس، بعد إعلان تلك المناطق أنها مناطق عسكرية مغلقة.
ونوه، إلى أن جيش الاحتلال يبدأ تدريباته العسكرية في أيلول من كل عام، حيث يحول مساكن المواطنين ساحة حرب ومناطق للرماية وإطلاق النار على مدار الساعة، في وقت تواجه فيه عشرات العائلات خطر التشريد والترحيل لأيام عدة إلى حين انتهاء هذه التدريبات.
وأكد، زيادة وتيرة التدريبات العسكرية خلال العام المنقضي بشكل ملحوظ، وكانت هذه التدريبات أكثر خطورة مما سبق، وتمثلت بإخلاء السكان من منازلهم قصرا لإجراء التدريبات العسكرية التي يتم خلالها إبعاد السكان مسافة تتراوح بين خمسة ولغاية ستة كيلومترات عن مساكنهم، وحين عودة السكان لمنازلهم لا يجدون سوى مخلفات الاحتلال من قنابل وألغام، قد تودي بحياتهم، أو تصيبهم بعجز يرافقهم طيلة الحياة.
وقال: “لم نترك مؤسسة سواء عالمية أو محلية إلا وناشدناها، ولكن أغلب هذه المؤسسات لا تحرك ساكنا ولم تفعل شيئا لمساعدتنا، وقمنا بتزويد هذه المؤسسات بالحقائق والتقارير الموثقة التي أعددناها عن الانتهاكات الإسرائيلية ضد سكان المنطقة”.
وبحسب مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، معتز بشارات، فإن نحو عشرين فلسطينيا أصيبوا جراء انفجار مخلفات جيش الاحتلال خلال التدريبات التي أجراها العام الجاري، وقبل نحو عامين استشهد ثلاثة خلال شهرين فقط.
وقال بشارات، إن كل تلك الممارسات تهدف إلى تهجير السكان وتقويض وجودهم واجتثاث الوجود الفلسطيني في الأغوار، واستبدالهم بالمستوطنين.
وأضاف: “يدلل على ذلك حجم التدمير الكبير للأراضي عبر حفر جنود الاحتلال للخنادق خلال التدريب وملاحقة المواشي ومصادرتها والمعدات وفرض غرامات مالية كبيرة على أصحابها استرجاعها ما يضطرهم للتخلي عنها”.
أما القائم بأعمال محافظ طوباس والأغوار الشمالية، أحمد الأسعد، فقال، إن تدمير الحقول والمزارع والمنشآت، وإغلاق مساحات واسعة من أراضي الأغوار لغايات التدريب العسكري، ومصادرة مساحات كبيرة لصالح المستوطنات، يندرج في إطار سياسة التهجير التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في منطقة الأغوار، والهادفة إلى اجتثاث الوجود الفلسطيني من تلك المنطقة المترامية الأطراف.
وقال الأسعد، إن الحكومات الإسرائيلية، ومنذ البدايات الأولى للاحتلال في حزيران 1967، تحاول إطباق السيطرة بشكل كامل على أراضي الأغوار، من خلال الانتهاكات اليومية التي تمارسها بحق المواطنين الذين يقطنون في تجمعات الأغوار وقراها، والتي يعود تاريخها إلى مئات بل آلاف السنين.
ولفت، إلى تعمد الاحتلال تقطيع أوصال التجمعات السكانية في الأغوار، من خلال المستوطنات والمناطق العسكرية المغلقة والمحميات الطبيعية، وزراعة الألغام التي أدت إلى استشهاد وإصابة العشرات معظمهم من رعاة المواشي والفتية، إضافة إلى نفوق أعداد كبيرة من المواشي.
الايام