محمد بلاص:
كان وقع أصوات الانفجارات والإطلاق الكثيف للنيران في سهول خربة إبزيق، شرق طوباس في منطقة الأغوار، أمس، يقض مضاجع العائلات البدوية التي اضطرت إلى الرحيل عن مساكنها البدائية هرباً من المناورات العسكرية التي يجريها جيش الاحتلال في المكان.
وما إن انتصف ليل الأربعاء الماضي، حتى حزمت تلك العائلات أمتعتها وخرجت إلى العراء، تاركة خلفها مساكنها لتستبيحها قوات الاحتلال التي أجبرت عدداً من تلك العائلات على مغادرة مساكنها والبقاء في العراء لفترات متفاوتة، بذريعة إجراء المناورات العسكرية.
وحلّ فجر الأربعاء الماضي، على المواطن أبو إياد نغنغية (55 عاماً)، وهو في العراء برفقة عائلته المكونة من زوجته وأبنائه وأحفاده، شأنه في ذلك شأن نحو 16 عائلة بدوية أجبرتها قوات الاحتلال على إخلاء مساكنها، بحجة التدريبات العسكرية.
وتعيش في خربة “إبزيق”، نحو 38 عائلة أكثر من نصفها من البدو الرحل الباحثين عن المراعي والماء، والنصف الآخر عائلات تقيم في المنطقة بشكل دائم.
وكان الهمّ الأكبر بالنسبة لتلك العائلات، أن تجد مكاناً آمناً تلوذ إليه بعيداً عن الأماكن التي خصصها جيش الاحتلال لإجراء التدريبات العسكرية لقواته، بعد أن أخطرها بضرورة إخلاء مساكنها.
ووفق نغنغية: “لا يوجد خيار آخر أمامنا سوى أن ننقل ما يمكن نقله من فراش وأغطية، وما تيسر من الطعام والماء، والبحث عن منطقة آمنة نسبياً، حتى نحمي أطفالنا ونساءنا”.
وما يزيد من حالة إرباك العائلات البدوية، جهلها بالفترة الزمنية التي قد تستغرقها التدريبات العسكرية التي تشارك فيها قوات من الجيش الأميركي، وفقاً لما أكده قاطنون في مناطق متفرقة من الأغوار التي تشمل تلك التدريبات مساحات واسعة منها.
ورغم الخطر الناجم عن تلك التدريبات وما يتخللها من إخلاء للعائلات البدوية، فإن تلك العائلات تشعر بأن هناك ثمة خطر شديد يحدق بها، حيث يهدد الاحتلال بمسحها من على وجه الأرض، ضمن مخططاته الرامية إلى تفريغ منطقة الأغوار من أصحابها الشرعيين، بما يمكّن من إطباق السيطرة عليها وتهويدها وجعلها خالصة للمستوطنين.
ولدى المواطن محمد خضرية، وهو من خربة “إبزيق”، مخاوف كبيرة تتجاوز خوفه على حياته، حيث أصبح كل همّه أن يعثر على مكان آمن لرعي قطيع أغنامه التي يزيد عددها على مائة رأس، وتشكل مصدر الرزق الوحيد لعائلته.
ولا يتردد خضرية في التضحية بنفسه مقابل ضمان سلامة أغنامه التي من دونها “سنموت”، كمال قال خضرية الذي يمضي معظم وقته في رعي قطيعه والبحث عن مراعٍ خضراء.
وحسب مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس والأغوار، معتز بشارات، فإن خربة “إبزيق” كغيرها من التجمعات البدوية في مناطق الأغوار، تعيش فيها العائلات البدوية حياة بسيطة للغاية، ويشكل الخيش والصفيح مصدرين أساسين لبناء مساكنها، وتعتبر تربية المواشي والزراعة مصدراً لغذائها ودخلها.
وأكد بشارات أن القاطنين في هذه الخربة، يعيشون في ظل ظروف تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية، حيث لا توجد خدمات كهرباء ومياه، فيضطرون إلى نقل المياه بالصهاريج عبر جرارات زراعية من مدينة طوباس التي تبعد عنها قرابة ثمانية كيلومترات من الجهة الشمالية الشرقية.
ونوه إلى أن سياسة الاحتلال بإخلاء المناطق بذريعة إجراء التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية، بدأت قبل نحو عشر سنوات، وسط وجود تخوفات من استمرار هذه السياسة الهادفة إلى اجتثاث الوجود الفلسطيني في منطقة الأغوار.
وأضاف بشارات: “لم يكن هناك من خيار آخر أمام تلك العائلات، إلا الاستجابة وهي مضطرة لأوامر جيش الاحتلال العسكرية، فأخذت تجهز أطفالها وتجمع ما تمتلك من مواشٍ وما توفر من طعام وماء، يكفيها للوقت الذي ستقضيه في العراء بعيداً عن مناطق التدريبات العسكرية”.
وتضمنت الإخطارات العسكرية الإسرائيلية للعائلات البدوية بإخلاء مساكنها، تهديدات بالترحيل الإجباري، وهدم مساكنها ومنشآتها ومصادرة كافة المواشي التي بحوزتها، في حال
رفضها تنفيذ عملية الإخلاء.
وتبلغ مساحة خربة “إبزيق”، حسب معطيات مجلس مشاريع التجمع، 8000 دونم، منها 5000 دونم تم تصنيفها على أنها أراضي خزينة المملكة الأردنية الهاشمية، ولا يسمح للسكان البدو باستغلالها بسبب اعتداءات جيش الاحتلال المتكررة عليهم في حال تواجدهم في تلك المنطقة، وتصنف تلك الأراضي بأنها أراضٍ مغلقة لأسباب عسكرية ومناطق تدريب لجيش الاحتلال، فيما عزل جدار الفصل العنصري ما يقارب من 1000 دونم من أراضي الخربة بالكامل، وتتعرض لإجراءات توسعة جديدة من قبل مستوطنة “جلبوع”.