الرئيسية / ملف القدس / المنهاج الإسرائيلي كأداة لإحكام السيطرة على جهاز التعليم في القدس

المنهاج الإسرائيلي كأداة لإحكام السيطرة على جهاز التعليم في القدس

 

د. سميرة عليان:

* فرض المنهاج الإسرائيلي يعني إحكام السيطرة على جهاز التعليم في القدس

* الرقابة وفرض المناهج جزء من التوجه الكولونيالي للاحتلال الإسرائيلي

* هناك انطباع يعززه الاحتلال بأن الفلسطينيين “المواطنين” شركاء في المخطط الاسرائيلي

* إسرائيل تحاول سحب نموذج “عرب اسرائيل” على سكان القدس الشرقية


يضم في جهاز التعليم القدس الشرقية 88000 طالب وطالبة، تقريبا، من جيل الروضة الإلزامية وحتى الصف الثاني عشر، ومن بينهم: 42000 في المدارس الرسمية (57 مدرسة) و26000 في المدارس المعترف فيها لكن غير الرسمية (53 مدرسة) و20000 في المدارس الأخرى (35 مدرسة خاصة، 32 مدرسة تابعة للوقف، و8( مدارس) تابعة لوكالة الغوث (الأونروا) بمقابل 4300 طالب وطالبة غير مسجلين في أي مؤسسة تعليمية وفق تقرير بلدية الاحتلال في القدس من عام 2014.

ويشير تقرير كانت قد أعدته “جمعية حقوق المواطن” إلى معاناة جهاز التعليم في المدينة من نقص حاد في الغرف والمباني يقدر بـ حوالي 1000 غرفة تدريسية، إضافة إلى النقص في الملاكات التعليمية والتربوية الذي يخلق فجوة كبيرة بين غرب المدينة وشرقها الواقع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي وتشرف عليه البلدية ذاتها.

وتسعى إسرائيل بشكل حثيث إلى فرض منهاج التعليم الإسرائيلي على مدارس شرقي القدس بهدف إحكام سيطرتها الكاملة على جهاز التعليم.

حول هذا الموضوع كان لنا هذا الحوار مع د. سميرة عليان الباحثة في مجال التربية والتعليم والمحاضرة في الجامعة العبرية وكلية “دافيد يلين” بالقدس، والتي بحثت موضوع التعليم في شرقي القدس، وسيصدر لها قريبا كتاب في هذا المضمار باللغة الإنجليزية.

عرب 48: في إطار محاولتها لفرض الهيمنة الكاملة على جهاز التعليم في شرقي القدس تعزز إسرائيل من سياستها المتدرجة في السيطرة على مناهج التعليم، وهي الحلقة الأهم والمتبقية كجزء من السيطرة على المدينة؟

عليان: لقد اعتمدت في بحثي على الموديل الذي يفسر العمليات التربوية في مجتمعات العالم الثالث، والذي يدعي أن التعليم تتم إدارته من قبل القوة المسيطرة لتي تقوم باضطهاد المجتمعات الضعيفة التي لا تمتلك القوة والموارد. في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية يمكن رؤية كيفية إدارة العلاقات بين صاحب القوة والسيطرة “وزارة المعارف الإسرائيلية”، التي تحاول عرض عضلاتها على من لا يمتلكون القوة ” المضطهدين” ( بفتح الدال) سكان شرقي القدس، وهي علاقة هرمية بين المضطهد والمضطهد.

وخلال عام 2000 اختارت وزارة المعارف استعراض قوتها بواسطة عملية الرقابة، التي هي من أساسها ليست عملية تربوية، ولا تتوخى الاهتمام بمصلحة الطلاب بحيث تمرر لهم مناهج ذات قيمة وذات صلة تساهم في تعزيزهم ومساعدتهم على الاندماج بالعالم المعاصر أو حتى الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، بل ينحصر الهدف في السيطرة واستعراض العضلات، وقد تركزت الرقابة في إسقاط أي ذكر لفلسطين من جهة، وشطب أي مادة تعرض إسرائيل بمنظار سلبي، وذلك تحت ستار منع التحريض.

عرب 48: لكن في الواقع هناك أهداف سياسية لا دخل لها بالتحريض؟

عليان: نعم، في الواقع فإن الهدف الحقيقي هو التدخل لمنع أي رواية فلسطينية، ومنع خلق هوية جماعية وطنية لدى طلاب شرقي القدس. وتعتبر الرقابة التي تمارس في المدارس الابتدائية وحتى الصف العاشر في مدارس شرقي القدس جزءا من التوجه الكولونيالي للاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى إظهار سيطرة القوة، في حين أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذه السياسة هو الرغبة في حجب الميزانيات عن المدارس التي تعلم مضامين تحرض ضد إسرائيل، حسب تعريف الأخيرة.

كما أن اختيار أسلوب الرقابة يظهر أن إسرائيل تفضل التدخل الفظ بمواد التعليم التي تقدمها السلطة الفلسطينية على إيجاد حل تربوي يليق بـ”دولة ديمقراطية”، ناهيك عن أن ذلك لا يتفق مع غياب الرقابة في الصفوف العليا، التي تتسامح معها لأن موادها ضرورية لامتحانات التوجيهي. وعندما فشلت سياسة الرقابة انتقلت إلى عملية فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس.

عرب 48: الصراع على المناهج على أشده، ويعتبر المعركة الأخيرة على هوية التعليم في القدس. ماهي فرص نجاح هذا المخطط؟

عليان: الصراع على هوية التعليم في شرقي القدس ليس بالجديد، فقد بدأ منذ اليوم الأول لاحتلال المدينة عام 1967 . وتشكل برامج التعليم جوهر هذا الصراع الذي لم يحسم إلى اليوم، حيث تتصاعد المحاولات الإسرائيلية لاستبدال برنامج التعليم الفلسطينية الذي يعتمد على شهادة التوجيهي ببرنامج التعليم الإسرائيلي الذي يمنح شهادة “البجروت”.

وقد سبق أن فشلت محاولات إسرائيل استبدال منهاج التعليم الأردني الذي كان سائدا في مدارس شرقي القدس حتى عام 2000 قد فشلت، وكذلك المحاولات اللاحقة بعد عام 2000، حيث تم استبدال كتب التدريس الأردنية بكتب فلسطينية ( صادرة عن السلطة الفلسطينية) وفقط عام 2014 بدأت وزارة المعارف الإسرائيلية تحقق بعض النجاح عندما أعلنت عن خطة تجريبية تقضي بإعطاء حوافز مادية لمدارس شرقي القدس الثانوية التي تتبنى المنهاج التعليم الإسرائيلي الذي يمنح شهادة “بجروت”.

عرب 48: ولكن السلطة الفلسطينية أقيمت عام 1994، لماذا تأخر تغيير المنهاج الأردني إلى عام 2000؟

عليان: جهاز التعليم الفلسطيني أقيم عام 1994. قبل ذلك كانت مدارس قطاع غزة تدرس وفق المنهاج المصري، ومدارس الضفة وفق المنهاج الأردني، ولكن بإشراف ومراقبة إسرائيلية واستخدام جهاز الرقابة العسكرية.

بعد توقيع اتفاقيات أوسلو كانت مرحلة انتقالية، جرى خلالها استعمال كتب التعليم المصرية والأردنية، وأدخلت عليها إضافات وتعديلات وذلك حتى عام 1995، حيث بدأت عملية تطوير منهاج تعليم فلسطيني مستقل أسفرت عام 2000 عن صدور كتب تعليم فلسطينية لأول مرة عام 2000 بينما اكتملت عملية بناء منهاج التعليم عام 2006-2008.

عرب 48: نعرف أنه خلال الفترة الأولى التي أعقبت اتفاقيات أوسلو، “تسامحت” إسرائيل مع نشاط السلطة الفلسطينية في القدس، ولكنك تتحدثين عن فترة 20 عاما وأكثر بينها 14 عاما، منذ عام 2000 كانت مناهج التعليم فلسطينية؟

عليان: نعم، في عام 2014 فقط وافقت خمس مدارس في شرقي القدس على استبدال كتب ومضامين التعليم الفلسطينية بكتب ومضامين إسرائيلية، بينما تقضي الخطة بتخيير الطلاب بين منهاج “التوجيهي” ومنهاج “البجروت”. وفي عام 2017 ارتفع عدد المدارس التي وافقت على تبني منهاج التعليم الإسرائيلي الذي يحصل الطالب بموجبه على شهادة “بجروت”.

عرب 48: ما هو سر هذا النجاح في السنوات الأخيرة بالذات؟

عليان: نعرف أن الصراع على السيطرة في مجال التعليم عموما ومناهج التعليم بشكل خاص، يشكل أحد ميادين الصراع الصعبة في عملية الصراع السياسي الدائر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول شرقي القدس. ويعود نجاح دخول المنهاج الإسرائيلي إلى بعض المدارس مؤخرا إلى عدة أسباب أهمها الوضع الصعب للسلطة الفلسطينية.

كما أن حالة الفقر التي يعاني منها أهالي القدس تجعلهم غير قادرين على تحمل نفقة تعليم أولادهم خارج المدينة، ولذلك يريدونهم أن يتعلموا ويندمجوا في جهاز التعليم الموجود داخل المدينة، حيث تشترط وزارة المعارف الإسرائيلية قبول الخريجين للعمل في مؤسسات التعليم الإسرائيلية ( والمقصود مدارس القدس التي تعتبر كذلك) بالحصول على اعتراف بشهاداتهم التي حصلوا عليها من جامعة القدس ومن جامعات الضفة الغربية التي لا تمنح شهادة تعليم.

عرب 48: تقصدين أن الخريج الفلسطيني الذي يريد أن يلتحق بالعمل في جهاز التعليم في القدس لا يستطيع ذلك إذا كان يحمل شهادة من جامعة القدس أو من جامعات الضفة؟

عليان: نعم، معظم هؤلاء يضطرون إلى إجراء استكمال لمدة سنتين في كلية “دافيد يلين” لأن جامعة القدس لا تمنح شهادة تعليم، وحتى جامعات الضفة التي تمنح “شهادة تعليم” ينقصها لغة عبرية، ولذلك قد يفكر الطالب، خاصة وأن ظروفه وظروف عائلته الاقتصادية لا تتحمل كل هذه النفقات، يفكر في اختصار الطريق والذهاب إلى “دافيد يلين” مباشرة، ولهذا الغرض يجب أن يحمل شهادة “بجروت”.

من جهتها تستغل وزارة المعارف الإسرائيلية هذه الأوضاع الصعبة التي يعانيها سكان شرقي القدس، وتوظف القوة والقدرات التي تمتلكها للعمل من خلال المفتشين القدماء والجدد لتمرير منهاج التعليم الإسرائيلي في أكبر عدد من المدارس.

عرب48: إسرائيل أغلقت كافة الأبواب أمام سكان القدس الشرقية، بالمقابل هي لا تفتح لهم الباب الإسرائيلي على مصراعيه، فهم لا يتمتعون بالمواطنة، ويعانون الإهمال والتمييز والفقر والبطالة، ولكنها تسعى إلى تحويلهم إلى جزء من “عرب إسرائيل” الذي طبقته في الـ 48، وبدون شك فإن منهاج التعليم الفلسطيني هو عائق كبير أمام إتمام هذه المهمة؟

عليان: المشكلة أن سكان شرقي القدس لا يعرفون مضامين منهاج “البجروت” الإسرائيلي، المرتبطة بمواضيع التاريخ والجغرافية والمدنيات والثقافة وغيرها، هم لا يعرفون أن الطالب العربي في إسرائيل يدرس تاريخ اليهود، ولا يدرس ثقافته وتراثه العربي والفلسطيني، هو لا يتعلم عن محمود درويش والنكبة الفلسطينية.

ورغم أن نضال الفلسطينيين في إسرائيل من أجل تغيير مضامين مناهج التعليم يدور منذ أمد بعيد إلا أن غالبية سكان شرقي القدس لم يسمعوا عنه، وهم لا يدركون جيدا مضامين المنهاج الإسرائيلي، هم يؤمنون فقط أن ذلك سيساعد أبناءهم في الالتحاق بالجامعة العبرية.

عرب 48: إسرائيل تستفيد من الوضع الديمغرافي في القدس، عرب 67 وعرب 48 الأصليين والوافدين الى المدينة، ناهيك عن تنوع المدارس الخاصة والرسمية ومدارس الوقف. إلى أي مدى ييتم توظيف هذا التنوع في خدمة المخطط الإسرائيلي على جهاز التعليم؟

عليان: وزارة المعارف الإسرائيلية تلعب على التقسيم القائم بين فلسطينيين “مواطنين” وفلسطينيين “مقيمين” لغرض تعزيز المبنى الهرمي القائم على الأرض، وذلك من خلال استخدام مفتشين فلسطينيين “مواطنين” للإشراف على منهاج التعليم الإسرائيلي المطبق في عدد كبير من المدارس.

وقد تبين لي من خلال البحث الذي أجريته، أنه ليس دائما يتم تطبيق المنهاج بتوافق وتعاون، بل يجري تطبيقه في أحيان كثيرة عنوة وبشكل فوقي على المديرين وجزء من المعلمين. هذا الواقع يترك انطباعا بأن الفلسطينيين “المواطنين” هم شركاء في المخطط الإسرائيلي وتنفيذه في شرقي القدس.

عرب 48: تقصدين بالفلسطينيين “المواطنين” أهالي الـ 48 من سكان القدس والوافدين اليها؟

عليان: نعم، وقد كان حتى السنوات الأخيرة عدد المفتشين اثنين أو ثلاثة قبل أن يتم مؤخرا تعيين ما يربو على 14 مفتشا جددا يسمونهم مرشدين، والمؤسف أن المفتشين لا يجرؤون على توجيه النقد لجهاز التعليم الإسرائيلي لأنهم يعملون لصالحه.

وهؤلاء برغم إدراكهم لحيثيات الواقع الإسرائيلي ومن شأنهم أن يوجهوا انتقادات بناءة تساعد على فهم الصورة بشكل أفضل، إلا أن ما يحدث في الميدان هو أن الوزارة لا تسمح لهم، وهم معنيون بالحفاظ على الوظائف التي منحوها لهم، وبالذات في الوقت الذي يشهد تكاثرا في أعداد المفتشين والمرشدين. المفتشون على حد تعبير أحد المشاركين في البحث الذي أجريته، يتصارعون فيما بينهم على وظائفهم، وليس على كيفية تطوير المدارس.

* د. سميرة عليان، باحثة ومحاضرة في الجامعة العبرية و”كلية التربية دافيد يلين” في القدس، أنهت الدكتوراة في الجامعة العبرية في القدس بموضوع “التعليم العربي في إسرائيل” وأنهت البوست دكتوراة في ألمانيا بموضوع “مناهج التعليم في العالم العربي”، وهي حاليا باحثة زائرة في جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية

نشرت عدة مقالات مهمة في مجلات علمية عن التعليم في شرقي القدس، وسيصدر لها كتاب عن الموضوع

 

عن موقع عرب 48

عن nbprs

شاهد أيضاً

الاحتلال يهدم مسجدا ومنزلا قرب جبع شرق القدس

هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، مسجدا وعدة منشآت في تجمع عرب العراعرة قرب بلدة …