مردخاي كرمنتسر
صادق قضاة محكمة العدل العليا على القرار الاداري القاضي بهدم ما يستخدم مأوى لسكان قبيلة الجهالين في الخان الاحمر، والمدرسة التي أقاموها. في هذه الاثناء، في اعقاب التماس آخر لمحكمة العدل العليا بأنهم لم يفحصوا أبدا اقتراحات التسوية التي قدمها السكان للادارة المدنية، تم اصدار أمر مؤقت يجمد الهدم الى حين الحصول على رد من الدولة.
هنا سأتناول القرار الاول للمحكمة. القضاة نوعم سولبرغ وعنات بارون وياعيل فرنر رفضوا تحقيق العدالة بذريعة أن الحق هو الى جانب الادارة المدنية (أي الدولة)، التي أمرت بالهدم. أخطأت المحكمة في هذا القرار. هدم بيت انسان لأنه بني بدون رخصة قانونية يمكن أخذه في الاعتبار فقط عندما يكون هناك نظام معقول ولا يقوم بالتمييز في اصدار تراخيص كهذه. هذا شرط ضروري لتأسيس عقاب مشدد مثل هدم بيت. نظام كهذا لا يوجد في الضفة الغربية بالنسبة للسكان الفلسطينيين، لذلك تصادر من تلقاء نفسها صلاحية الهدم. في حالتنا هذا الظلم صارخ لأن الامر يتعلق باحفاد قبيلة طردتها اسرائيل من النقب الى الضفة في الخمسينيات. لهذا يسري عليها واجب خاص لتسوية التجمع السكاني، وسواء بين من لا يسمحون ببناء قانوني وبين من يدفعون دون خيار الى البناء غير القانوني، فان المسؤولين الحقيقيين هم الاوائل.
فقط محكمة تبعد نفسها عن الواقع الذي يطبق فيه القانون، وتنظر من برج عاجي الى ابناء البشر الذين يبدون في نظرها مثل الجراد، يمكنها التصرف بهذا الشكل. اضافة الى ذلك، قبل سنوات كثيرة طلب من المحكمة الحسم في مسألة شرعية المستوطنات، حيث إنه على ضوء هذا الحكم فان اقامتها من قبل الدولة أو بمشاركتها ودعمها، يخرق الحظر الذي يسري بقوة القانون الدولي على المحتل في أن يقوم باسكان مواطنيه في المناطق المحتلة. تهربت المحكمة من الحسم في هذه القضية بسبب الطابع السياسي للمسألة. ولكن عندما يهدمون بيوتا للفلسطينيين، في حالات كثيرة من اجل اعداد مكان لمستوطنة أو لخدمة مصالح المستوطنين، لا يكون بالامكان التهرب من المسألة.
الحقيقة يجب أن تقال: كل المبنى القانوني الذي بنته الدولة لتبرير اعمالها في «المناطق» هو بنية هشة. فكرة «اراضي دولة» – حيث الدولة هي اسرائيل والاراضي تخدم مصالح دولة اسرائيل من اجل تغيير الوضع على الارض بشكل جذري وبهدف سيطرتها عليها، بدلا من استخدام الاراضي العامة لصالح السكان الواقعين تحت الاحتلال، هي تشويه كامل. يضاف الى ذلك أن سلوك اسرائيل في «المناطق» يرتكز خلال السنين الى الادعاء بأن الامر يتعلق بخطوات تعتبر مؤقتة، الى حين التوصل الى اتفاق سياسي حول مصير «المناطق». من يفهمون بواطن الامور يدركون منذ زمن، ولكن أيضا من هم أقل فهما وحتى من يصعب عليهم الفهم لا يمكنهم أن لا يفهموا أن موضوع «الوضع المؤقت» لو كان في يوم ما، فانه لم يكن واردا.
ادعت اسرائيل ايضا أنها في كل اعمالها إنما تحرص على عدم المس بسكان المكان وحقوقهم على الارض. ايضا هذا الادعاء في كل ما يتعلق بالواقع هو ادعاء مرفوض ازاء قانون السلب الذي يسمى قانون التسوية.
تتصرف اسرائيل في الخان الاحمر مثلما تتصرف في بيتها الخاص، من خلال استخفاف كامل بنمط حياة السكان، ازاء الاقتراح الذي قدم لسكان المنطقة في الانتقال الى أبوديس على صورة اسكان مختلف عن النمط التقليدي لرعاة الاغنام المقبول عليهم. هي تتصرف من اجل مصالحها (حسب رؤية قيادتها)، ومن خلال سحق مصالح الفلسطينيين. بكلمات اخرى، اسرائيل هي دولة مارقة من ناحية القانون الدولي الذي تخرقه بصورة منهجية طوال الوقت وبوتيرة وقاحة متزايدة.
من جانب الدولة هي تستند الى القوة والصلاحية التي يمنحها القانون الدولي للمحتل – بسخاء (لأنهم لم يقدروا اثناء وضع القانون وضع احتلال استمر لاجيال). ومن جانب آخر هي تستخف بالقيود التي يفرضها القانون الدولي على المحتل. المحكمة العليا توجد الآن في وضع اصعب من أن تحتمله. خيار واحد لا يأتي في الحسبان لأنه غير مناسب وهو الذي يختاره في هذا القرار – اعطاء دعم لخرق القانون الدول.
الاحتمالات المفتوحة امام المحكمة هي أن ترفع يدها عن الانتقاد القضائي على سلوك الدولة في «المناطق» من اجل أن لا تساهم في خرق القانون الدولي من قبل السلطات في الدولة؛ أو أن تحكم بالعدل في الالتماسات التي تقدم لها، الامر الذي يقتضي أن تعتبر الفلسطينيين بشرا؛ والامتناع عن التمسك بالشكليات وأن تكون مستعدة لاغضاب الحكومة وجزء من الجمهور.
مثلما يحدث اكثر من مرة، فان الظلم والتفاهة يسيران معا. دولة اسرائيل تستثمر جهودا كبيرة، جزء منها عاطفي، في الصراع ضد مقاطعتها ومقاطعة المستوطنات. بسلوكها في هذه القضية ترفع الحكومة مستوى الدافعية لمقاطعة اسرائيل عشرات الاضعاف اكثر مما يفعله نشطاء المقاطعة. كان يجدر باسرائيل أن تستثمر الكثير من الاموال في منع سلوك حكومي كهذا ضرره بالنسبة لمكانتها الدولية فادح. وسؤال للنهاية: هل وزير الدفاع افيغدور ليبرمان الذي أمر بتنفيذ اوامر الهدم قلق من الهدوء في «المناطق»، ومن أن الفلسطينيين توقفوا عن اظهار طابعهم الحقيقي، وهو يحاول بالقوة أن يسخن المنطقة؟ اذا كان هذا صحيحا فليس مستبعدا أن الامر سيكون في متناول يده.
عن «هآرتس»
الصورة: وفد الأونروا في زيارة للخان الأحمر