محمد بلاص:
أخطرت سلطات الاحتلال، أمس، العائلات في خربة يرزا بالأغوار الشمالية بإخلاء مساكنها عند الرابعة من عصر غد حتى السادسة من صبيحة اليوم التالي، وعلى مدار خمسة أيام متفرقة، بذريعة إجراء تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية.
ولم تجد تلك العائلات البدوية، مكاناً أكثر أمناً على حياتها سوى الكهوف حتى تحتمي بها من المناورات العسكرية بالذخيرة الحية، والتي تعتزم قوات الاحتلال إجراءها عصر غد بين المضارب البدوية.
ووفق خبير الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية في الأغوار، عارف دراغمة، فإنه ليست هناك خيارات أخرى أمام العائلات البدوية في تلك الخربة التي تتربع على قمة جبل إستراتيجي مطل على مساحات واسعة من الأغوار، سوى الكهوف للاحتماء من تلك المناورات التي تهدد حياة المواطنين.
وبحسب دراغمة، فإن مسألة الوصول إلى تلك الخربة تعتبر أمراً شاقاً للغاية وأشبه ما يكون بالمستحيل، ومهمة محفوفة بالكثير من المخاطر الناجمة عن حقول الألغام التي يزرعها جيش الاحتلال، ويطلق عليها الأهالي اسم “حقول الموت”، بينما لا تحتمل الطريق الجبلية الطويلة الموصلة إليها عبور أكثر من مركبة واحدة.
وأكد أن الموقع الإستراتيجي لهذه الخربة، يجعلها مصدر استهداف دائم من جيش الاحتلال لتفريغها من أصحابها الشرعيين ممن كانوا يعدون بالمئات، واليوم لا يتجاوزون العشرات، بعد اضطرار معظمهم للهجرة جراء ممارسات الاحتلال.
وقال أحد القاطنين في تلك الخربة: “في مرات كثيرة، نفاجأ بعد منتصف الطريق بآليات عسكرية إسرائيلية قادمة إلى الخربة أو مغادرة لها بعد تنفيذ اعتداء جديد، فنضطر إلى العودة للوراء مئات الأمتار”.
وأضاف: “يتطلب الوصول إلى خربة يرزا، سائقا محترفا وصاحب قدرة تحكم عالية بمركبته التي من شأن انزلاقها ولو قليلا أن تكلف السائق ومن بداخلها حياتهم، كون الطريق إليها أشبه ما تكون بالسير على حد السيف، خصوصا وأنها طريق وعرة وذات مسلك واحد، وتشق جبالا شاهقة على حافتها وديان عميقة، وعلى الحافة الأخرى صخور بعضها شبه معلقة، ومن الممكن أن تنهار في أي وقت”.
وعندما تصل إلى الخربة بشق الأنفس، سرعان ما تأخذك عيناك إلى عجوز قاربت السبعين من عمرها كان قدرها أن تعيش باقي أيامها في هذا المكان الواقع على السفوح الشرقية لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية.
وقالت تلك العجوز: “الله يهدهم مش راضيين يتركونا بحالنا..بيكفيش هالحياة الصعبة..عايشين في خيام كاتة وما فيش حتى بيت نعيش فيه، وحتى الخيام لحقونا عليها”..في إشارة واضحة منها إلى تعرض حتى الخيام التي تعيش فيها العائلات البدوية وتربي في أجزاء منها المواشي، للهدم والتدمير لمرات كثيرة من جيش الاحتلال، بذريعة وجودها في منطقة عسكرية مغلقة.
ولا تجد العائلات في تلك الخربة وقتا للراحة، ففي النهار غالبا ما تنتشر قوات كبيرة من جيش الاحتلال في المكان، وفي الليل تشعر أن الرصاص يتطاير من فوق رؤوسها كالـمطر، بسبب التدريبات العسكرية التي تجريها تلك القوات المصنفة من قوات النخبة في محيط الخربة وبين المساكن باستمرار.
وبادرت بعض العائلات هناك، إلى إقامة سلاسل حجرية ثابتة في محيط مساكنها في محاولة منها للاحتماء من رصاص الاحتلال الذي حصد أرواح عدد غير قليل من أرواح الأهالي.
وبحسب رئيس لجنة مشاريع يرزا، مخلص مساعيد، فإن ثلاثة معسكرات تابعة لجيش الاحتلال هي “سمرة”، و”المالح” و”كوبرا”، تحيط بالخربة، وتضيق الخناق على ساكنيها، وتحول حياتهم إلى أشبه ما يكون بالجحيم الذي لا يطاق.
وأكد مساعيد، أن معسكر “كوبرا” يشكل الخطر الأكبر على حياة أهالي الخربة التي لا يبعد عنها سوى 2500 متر، ويجري الجنود تدريباتهم على بعد لا يزيد على 300 متر من المساكن.
وأضاف، تشكل مخيمات التدريب المؤقتة لقوات الاحتلال والتي تنتشر في محيط الخربة، خطراً آخر يحدق بحياة الأهالي، حيث يأتي الجنود بحافلات إلى المنطقة، ويخيمون فيها لأسبوع أو أكثر بغية التدريب، وغالبا ما يوجهون رصاصهم المستخدم في تدريبات الرماية صوب مساكن المواطنين.
وتحت وطأة التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية، قال مساعيد، في مرات كثيرة يضطر الأهالي إلى ترك مساكنهم، ويهربون إلى الكهوف المجاورة للاحتماء فيها من نيران الاحتلال.
وبحسب مساعيد، لا يوجد بيت في خربة يرزا إلا وفيه شهيد أو جريح برصاص الاحتلال أو مصاب بفعل مخلفات التدريبات.
وقال: “يوجد من عائلة الحاج نعيم حافظ المساعيد وحدها ثلاث ضحايا لهذه التدريبات، فهو وزوجته أصيبا بالرصاص، في وقت ارتقى فيه طفله إبراهيم شهيدا جراء انفجار جسم غريب من مخلفات جيش الاحتلال”.
وأكد أن الاحتلال يتعمد إجراء تدريباته في محيط الخربة رغم المساحة الشاسعة لأراضي الأغوار، ولا يخلو أسبوع من إعلان قوات الاحتلال عن موعد لتدريب قواتها في محيط الخربة، والهدف ليس إجراء التدريبات بقدر ما هو تنغيص على حياة المواطنين وقهرهم قدر الإمكان.
وتابع: “شنت قوات الاحتلال حربا شعواء على أهالي الخربة، وتنوعت أساليب حربها عليهم إما بهدم منازلهم، أو بمصادرة مواشيهم، أو تدمير أراضيهم الزراعية، إضافة إلى اعتبار محيط منازلهم منطقة تدريبات لجنودها”.
وأشار مساعيد، إلى أن الأهالي وحدهم يتحملون تكاليف عمليات الهدم والتدمير التي تشنها قوات الاحتلال بحقهم، وهو ما يزيد من تكاليف الحياة.
وشدد على أن المواطنين بحاجة إلى دعم مادي ومشاريع لتعزيز صمودهم على أرضهم، لافتا، إلى أن الخربة بحاجة ماسة لإيصال خدمات البنية التحتية لها، فهي تفتقر لماء الشرب، وتكلفة نقل الماء من أقرب تجمع سكاني تكلف 25 شيكلا للكوب، وهو مبلغ باهظ بالنسبة للأهالي.
وتابع: “حاولنا مد خط مياه تعرض للاعتداء أربع مرات، وهدم الاحتلال الخزان الذي كان يزودنا بالماء، وحصلنا على خط بلاستيكي من خلال إحدى الجمعيات وبعد أن انتهينا من تمديده تعرض للهدم، وكل مشروع نعمل على تنفيذه يتعرض للهدم، وحتى مسجد الخربة هدم ثلاث مرات”.
وأشار إلى أن طلبة المدارس من أبناء الخربة يعانون لعدم وجود مدارس قريبة منهم، وهم يتكلفون أعباء الوصول إلى مدارس طوباس، وبحاجة لحافلة تقلهم وتعيدهم إلى الخربة دون تحميل أهاليهم التكاليف المادية.