محمد بلاص:
كان مشهد العشرات من مركبات المستوطنين، اليوم الثلاثاء، مثيرا للشك وهي تشق طريقها صوب منطقة مطلة على نهر الأردن في الأغوار الشمالية بعيدة ومتوارية عن الأنظار، حيث أقام المستوطنون قبل أكثر من عام بؤرة استيطانية عشوائية على أراضي خربة السويدة التي كان أهلها من الفلسطينيين هدفا للاجتثاث من سلطات الاحتلال.
إلا أن الأمر شكل مفاجأة كبيرة بالنسبة لخبير الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية في الأغوار، عارف دراغمة، عندما شاهد مساكن ثابتة من الإسمنت تمكن المستوطنون من إنشائها، خلال الشهور الأخيرة، بدلا من الخيام والمعرشات التي استخدموها لغرض إقامة البؤرة الاستيطانية.
وقال دراغمة، إن الأمر لم يكن متوقعا أن تشاهد هذا النوع من المساكن في بؤرة استيطانية عشوائية لا تزال سلطات الاحتلال تعتبرها كما تدعي “غير قانونية”، حيث تم شق شوارع وتزويد البؤرة بخدمات المياه والكهرباء، وبدأت العديد من عائلات المستوطنين ترتادها كمقدمة للانتقال للسكن والاستيطان فيها، وتحويلها إلى مستوطنة تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال.
وأبلغ “الأيام”، أن عائلات المستوطنين كانت تتنقل بين المساكن الجديدة لتختار لها موقعا للسكن فيه، الأمر الذي ينذر بإقامة مستوطنة جديدة في منطقة الأغوار.
وغادرت آخر عائلة بدوية خربة السويدة التي تتربع على منطقة جبلية إستراتيجية مطلة على نهر الأردن، قبل أكثر من عام، تحت وطأة شظف العيش والضغوط التي مارسها الاحتلال على أصحاب الأرض الشرعيين على مدار سنوات خلت، حتى أصبح هذا الموقع مستباحا أمام المستوطنين.
وبحسب دراغمة، فإن المستوطنين يسارعون إلى بسط سيطرتهم على المكان، ويحاولون الآن السيطرة على آلاف الدونمات من السهل المترامي الأطراف التابع للخربة التي دمرت وشرد أهلها عنها وسيطر عليها الاحتلال بذريعة أن هذه أراضي طبيعية، لكن الاحتلال ومؤسساته يعمل معا ولهدف واحد وهو تهويد ذلك الموقع الإستراتيجي بعد إجبار أصحابه الشرعيين على الرحيل عنه.
وانتهت الحياة الآدمية في هذه الخربة، بعد أن هجرها أهلها وهم لا يعلمون حجم الأطماع الإسرائيلية في فرض السيطرة عليها وجعلها خالصة للمستوطنين ممن قال دراغمة، إنهم أصبحوا يصولون ويجولون في أراضي السويدة التي تعتبر بمثابة مكان مقفر يعني مجرد التفكير بالوصول إليه كالانتحار بالنسبة لأصحاب الأرض الشرعيين، بعد أن استوطنت فيه مجموعة من المستوطنين المتطرفين.
وأشار دراغمة، إلى أن المستوطنين استغلوا طبيعة تضاريس الخربة الجبلية وصعوبة الوصول إليها، في إقامة البؤرة الاستيطانية والسيطرة على آلاف الدونمات من المراعي، وحرمان الرعاة الفلسطينيين من مجرد التفكير في الوصول إليها.
وتعتبر خربة السويدة، واحدة من الخرب التي سكنها الفلسطينيون في أنحاء متفرقة من الأغوار، وعمل الاحتلال على مدار سنوات مضت على تفريغها منهم، حتى اختفى نمط حياة كانت تدب فيها منذ القدم، بعد أن هجرها أهلها مضطرين وبدون جلبة، بعد أن أصبحت حياتهم أشبه بالمستحيل، حيث لم يترك الاحتلال وسيلة ضغط إلا ومارسها عليهم، بهدف إجبارهم على هجر أرض الآباء والأجداد.
وكانت تلك الخربة شأنها شأن أي مضرب بدوي في الأغوار، وعاش أهلها حياة هانئة لسنوات طويلة قبل الاحتلال، إلا أنها أصبحت مهجعا لوحوش البراري، قبل أن تستوطن فيها مجموعة من المستوطنين ممن كانوا يخططون للسيطرة على أراضي الخربة القاحلة نظرا لموقعها الإستراتيجي وإطلالها على نهر الأردن، من وجهة نظر دراغمة.
وعاشت في تلك المنطقة عائلات بدوية تعود أصولها من مناطق طوباس وطمون وجنوب الخليل، وكانت تعتمد في مصدر عيشها على تربية المواشي، إلا أنها اضطرت مجبرة على هجرها تحت وطأة مضايقات الاحتلال، وسرعان ما تحولت إلى خراب لا تزال تظهر فيه بقايا حجارة كان الأهالي يستخدمونها لتثبيت بيوت الخيش التي سكنوها خشية تطايرها من شدة رياح الشتاء، إلى جانب قطع حديدية كانوا يضعون فيها الماء لسقاية مواشيهم.
ووضع جيش الاحتلال على أعلى جبل خربة السويدة، شبكات رادارات ومراقبة يستخدمها للسيطرة على المنطقة التي تتمسك بها دولة الاحتلال، وتعتبرها منطقة إستراتيجية لأمنها على الحدود الشرقية مع الأردن.
وأكد دراغمة، أن المستوطنين تعمدوا تغيير معالم الأرض في السويدة، وسط تخوفات من سيطرتهم على مساحات واسعة من الأراضي الواقعة بالجوار، بعد استيطانهم في خربة المزوقح وخربة مجاورة، ويستغلون إقدام سلطات الاحتلال على إغلاق مساحات واسعة من الأراضي لأغراض التدريب العسكري، ومنعهم من الوصول إليها.
وحذر، من مخاطر إقدام المستوطنين على إغلاق مساحات واسعة من الأراضي التي يستعدون لزراعتها بعد طرد أهلها عنها، في وضع يحتم على المؤسسات الحقوقية أخذ دورها الفاعل في الوقوف إلى جانب أصحاب الأرض الشرعيين لاسترداد أراضيهم وأملاكهم.