محمد بلاص:
عندما شرع المستوطنون ببناء بؤرة استيطانية جديدة على أراضي خربة السويدة الواقعة على الحدود الأردنية في الأغوار الشمالية، كان الاعتقاد السائد لدى العائلات البدوية التي تقطن في تلك المنطقة منذ القدم، أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لتوسيع مستوطنة “مسكيوت” القريبة، حتى أصبحت على يقين أن ما يحدث على أرض الواقع يهدف إلى تجسيد سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة بإقامة سياج آمن لدولة الاحتلال على امتداد الحدود الأردنية من خلال بناء 12 مستوطنة وبؤرة استيطانية.
وسارع المستوطنون، إلى بناء وتثبيت المزيد من المساكن في تلك البؤرة الاستيطانية، ووسط منطقة المزوقح والتي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن تلك البؤرة، ورفعوا علم إسرائيل على الخيام والكرفانات التي أحضروها، استعداداً لمصادرة الأراضي هناك.
وبحسب الناشط الحقوقي عارف دراغمة، فإن الاحتلال أقام 12 مستوطنة وبؤره استيطانية في الأغوار الشمالية، وتتراوح المسافة التي تفصل بينها بين كيلومتر واحد ولغاية ثلاثة كيلومترات، وبعضها أنشئ على مسافة الصفر من الحدود الشرقية الفلسطينية وتغلق المنطقة بالكامل وتحرم الفلسطيني من أرضه.
وأضحت ظاهرة البؤر الاستيطانية تضاهي بخطورتها المستوطنات القائمة، حيث تسيطر حفنة من المستوطنين على أراضٍ واسعة تعمل على تقطيع أوصال الأغوار، وتعزيز سياسة الفصل الإسرائيلية، قال دراغمة لـ “الأيام”، حيث أكد أن إقامة تلك البؤر يتم وفق سياسة إسرائيلية تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي فيما يتعلق بالأهداف المنظورة لتلك البؤر، حيث تمت إقامة عدد منها ضمن المخططات الهيكلية للمستوطنات القائمة، وأصبح يطلق عليها اسم “أحياء استيطانية”، فيما تم تشييد بؤر أخرى خارج حدود المخططات الهيكلية للمستوطنات، وبالتالي يمكن اعتبارها نواة لمستوطنات جديدة.
وأشار دراغمة إلى أن البؤرة الاستيطانية على أراضي السويدة، أنشئت في ايار الماضي في موقع حساس جدا يأتي على تلة عالية مطلة على الحدود الأردنية جنوب مستوطنة “شديموت ميخولا” بمسافة كيلومتر، وتلك المنطقة هي الملاذ الوحيد لأصحاب المواشي لرعي أغنامهم، وإغلاق هذه المنطقة سيغلق آلاف الدونمات الرعوية والمملوكة للسكان وتسهل عملية ضم مستوطنات “روتم”.
في نهاية العام 2016، أقيمت بؤرتا استيطان جديدتان في الأغوار الشمالية، على مساحة لا تتجاوز عشرات الدونمات في البداية، إلا أن وقعها أبعد بكثير من ذلك حيث تمهد الأرضية لاستيلاء إسرائيل على آلاف الدونمات، بعد تهجير التجمعات الفلسطينية عن المنطقة، كما قال دراغمة.
وأكد دراغمة أن دولة الاحتلال تستخدم تلك البؤر الاستيطانية كذراع طويلة لها، حيث يهاجم المستوطنون رعاة المواشي ويمنعونهم من الوصول إلى الأراضي التي تشكل مصدرا أساسيا لمعيشة العائلات البدوية منذ عشرات السنين.
وأقيمت البؤرة الاستيطانية الجديدة الأولى في الأغوار الشمالية في أيلول 2016، في البداية على قسيمة أرض بملكية فلسطينية خاصة تبعد بضع مئات من الأمتار عن بؤرة “جڤعات سلعيت” والتي أقيمت العام 2001 وبؤرة “ميخولا” والتي أقيمت العام 1968.
وفي كانون الثاني 2017 أي بعد مضي بضعة أشهر نقل المستوطنون أبنية البؤرة إلى رأس تلة مجاورة للقسيمة مسجلة في الطابو ملكية على أنها أملاك دولة منذ ما قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وتمتد مساحتها اليوم على نحو 50 دونما أقيمت عليها بركسات للسكن وبضع خيام وحظائر للأغنام والأبقار وصهريج ماء كبير، وتغلق مساحات واسعة من الأراضي القريبة.
ووفق دراغمة، يسكن في تلك البؤرة نحو عدد من المستوطنين الشبان، وتشرف على خلة حمد، وتحيط بها آلاف الدونمات من المراعي التابعة لهذا التجمع وتجمع الفارسية ولقرية كردلة، فيما أقيمت البؤرة الثانية بعد الأولى بشهرين تقريبا على بعد ثمانية كيلومترات إلى الجنوب من الأولى وقرابة 300 متر فقط من معسكر “مجمات نيتسح يهودا”، وأقام فيها المستوطنون عدة خيام وعرائش ومنشآت زراعية وحظيرة أبقار وألواحا شمسية.
وأكد أن تأثير البؤر الاستيطانية يتجاوز بكثير مساحة البناء فيها، حيث يبذل المستوطنون جهودا كبيرة في سبيل منع وصول الرعاة الفلسطينيين إلى أراضيهم، ويخرجون على شكل دوريات ترهيب وهم يعتلون الخيول والتراكتورات الصغيرة مسلحين بالعصي والبنادق ليطردوا رعاة الأغنام الفلسطينيين.
وتابع “حين ينجح المستوطنون في إبعاد الرعاة الفلسطينيين عن المراعي الفلسطينية يأخذون في جلب قطعان الأغنام والبقر خاصتهم لترعى هناك، وهم بذلك يستغلون المراعي لاحتياجاتهم ويمسّون بقدرة القطعان الفلسطينية على الرعي”.
ورأى دراغمة أن انعدام الوقفات القانونية الحقيقية مع السكان، أدى إلى تدمير عشرات المساكن واستيلاء المستوطنين على آلاف الدنمات، فيما شهدت السنوات الثلاث الأخيرة نزوحا فلسطينيا لم يسبق له مثيل عن الخرب والقرى في المضارب بسبب عنجهية الاحتلال واعتداءات المستوطنين.
ولفت إلى مستوطنة “مسكيوت” المقامة على أراضي السكان في عين الحلوة، والتي بدأت بمعسكر تدريبي لجيش الاحتلال في 1979 وسلمت للمستوطنين للإقامة فيها وتثبيت مستوطنتهم، ومستوطنوها عدائيون وجزء منهم من كان في مستوطنات غلاف غزة، والآن ينتشرون على آلاف الدونمات ويتعرضون للرعاة الفلسطينيين يوميا.
وكان نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيغال آلون اقترح على مجلس الوزراء مباشرة بعد حرب العام 1967، أن تحتفظ إسرائيل بحدود جديدة تقوم أساسا على السيطرة على المنحدرات الشرقية للضفة الغربية وصولا إلى أسفل الأغوار، فضلا عن الصحراء الغربية للضفة الغربية المتاخمة للبحر الميت، وذلك عن طريق بناء سلسلة من المستوطنات بعرض ما يقارب 20 كيلومترا كخطوة أولى نحو ضمها رسميا لدولة الاحتلال.
ولفت دراغمة إلى أن دولة الاحتلال عمدت إلى خلق منطقة عزل شرقية على طول امتداد منطقة الأغوار وذلك من خلال إحكام سيطرة جيش الاحتلال على كافة الطرق المؤدية إلى تلك المنطقة الشرقية، وزيادة حجم معاناة أصحاب الأرض الشرعيين وتقييد حركتهم وحركة منتجاتهم الزراعية، وهدم مساكنهم، وملاحقتهم في لقمة عيشهم.
وأكد أن المستوطنين أقاموا أربع بؤر استيطانية خلال العامين المنقضيين، على أراضي خلة حمد ومزوقح والسويدة وشرق الفارسية، وأطلقوا قبل يومين كلابهم على الأطفال في خربة الفارسية، وأغلقوا 13 ألف دونم في المزوقح، ويتحالفون مع جيش الاحتلال في تضييق الخناق على أصحاب الأرض الشرعيين، ويغلقون آلاف الدونمات الرعوية، وزرعوا مؤخرا أكثر من ألفي دونم وسط تقاعس فلسطيني.
صحيفة الايام الفلسطينية