قبل أيام، وبعد سقوط جرّار زراعي على بناء أثري قديم في البلدة القديمة من القدس، انتشر مقطع لمستوطنين يهللون باكتشافهم المبنى الذي ادّعوا أن المُعظم يجهله وأنهم اكتشفوه بالصدفة بعد سقوط الجرار، وفي نهاية المقطع قالوا إن الوصول لهذا المكان يكون من حائط البراق، وذهب آخرون لأبعد من ذلك بقولهم إن هذا المكان كان يؤدي إلى المعبد (الهيكل) الثاني المزعوم في عهد الملك داود.
الباحث في شؤون القدس -المقيم في الأردن– أحمد ياسين أصدر توضيحا بعد انتشار مقطع الفيديو قائلا إنه صُوّر داخل صهريج مائي يقع جنوب أسوار البلدة القديمة في منطقة تقع داخل حارة الشرف بين بابي داود والمغاربة، وهو من الآثار البيزنطية المعروفة ضمن مكونات وآثار كنيسة “نيا” البيزنطية، التي بناها الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول عام 543م.
وأعطى ياسين دليلا على ذلك بوجود لافتة وضعت في متحف “إسرائيل” عُثر عليها في هذه الآثار وتعود لعام 549م.
وأشار إلى أن الصهريج هو عبارة عن بئر الماء الخاصة بكنيسة “نيا” التي بنيت أعلاه، ويتكون من ست قناطر، وفي سبعينيات القرن الماضي دعّم الاحتلال “الإسرائيلي” الصهريج ورممه، إلا أن انهيارات متكررة حدثت داخله أدت إلى إغلاقه من جديد.
وحسب المعلومات التاريخية حول المكان، فإن هذه الكنيسة بُنيت لتكون بديلا عن كنيسة القيامة، إلا أن المؤسسات الكنسية لم تبادر بإعادة بنائها بعدما هُدمت، ومع مجيء الاحتلال “الإسرائيلي” أُهمل المكان، ولاحقا بنيت حديقة للمستوطنين على جزء منه، في حين بقيت بقايا الكنيسة شاهدة على الحقبة البيزنطية.
مدير دائرة السياحة والآثار بالمسجد الأقصى يوسف النتشة قال إنه لا بد من زيارة الموقع للتأكد من التفاصيل، لكن سقوط الجرار فيه يعني أنه خطر ودخوله غير متاح.
وفنّد الرواية “الإسرائيلية” بقوله إن كل الطرق بالقدس كانت تؤدي إلى المسجد الأقصى وإقحام الرواية التلمودية ليست له علاقة بالمكان المكتشف إطلاقا.
أما الباحث في شؤون القدس -المقيم في الأردن- زياد ابحيص فأشار إلى أن الحفريات الأثرية في القدس مرّت بحقبتين أساسيتين بعد احتلال المدينة: الأولى منذ عام 1967 حتى عام 2000، وكانت البعثات الأثرية في ذلك الوقت تحت وصاية سلطة الآثار “الإسرائيلية” بالتعاون مع قسم الآثار في الجامعة العبرية، وأخذت الشكل العلمي، وإن كان مسكونا بهاجس كيفية مطابقة النتائج مع الرواية التوراتية.
لكن بعد عام 2000، ومع صعود المجموعات اليمينية المتطرفة للحكومة، ووصول الحفريات إلى أقصى عمق ممكن، وانعدام الآثار التي يمكن البحث عنها، تغيرت الإدارة لتصبح الحفريات تحت وصاية سلطة الآثار “الإسرائيلية” بالتعاون مع وزارة السياحة.
وأصبح الهدف -حسب ابحيص- تحويل نقاط الحفر إلى مزارات ذات طابع سياحي، فبدأت أعمال التأهيل بإضافة التهوية ووضع بعض المعالم التاريخية وإدخال عروض بالصوت والضوء وإدخال عناصر التشويق بالرواية التوراتية الشفوية أو المصورة.
وخلال تلك المرحلة أحيلت الحفريات في المنطقة الجنوبية للمسجد الأقصى إلى جمعية “العاد” الاستيطانية، والمعروفة بأنها تسعى بكافة الوسائل لإقامة مدينة داود انطلاقا من نص توراتي، وظهرت محاولات عدة لإعادة استنباط الأبحاث والكشوفات السابقة، وفرض رواية توراتية عليها بشكل مختلف وجديد.
وهذا ما تحاول الجمعيات الاستيطانية تكراره الآن في قضية الكنيسة البيزنطية بادعاء أنها كانت تؤدي إلى المعبد الثاني في عهد الملك داود. وعلق ابحيص على ذلك بقوله “لا يوجد كشف جديد ولا بحث علمي ولا عملية تنقيب حقيقية، بل إثارة لموضوعات معروفة مسبقا لإضفاء رواية توراتية جديدة عليها، وهذا منهج قديم اتبعته عالمة الآثار إيلات مازار وتحمل لواءه الآن جمعية العاد المتطرفة”.