إن محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستخدام جدار الفصل الذي بنته “إسرائيل” في الضفة الغربية “للدفاع” عن الجدار الحدودي الجنوبي الذي يرغب باستكمال بناءه للفصل بين بلاده والمكسيك، هو تزييف للواقع الحقيقي على الأرض في فلسطين.
نعم هناك جدار إسمنتي فاصل في الضفة الغربية وبالفعل انخفضت الهجمات ضد “اسرائيل” ولكن الجدار ليس هو السبب في ذلك، فالهدف من الجدار الإسرائيلي كان لتهدئة المخاوف الإسرائيلية وليس لمنع الأفراد من اجتياز الجدار.
في الواقع، يبدو أن “إسرائيل” تفضل إقامة سياج إلكتروني أكثر من الجدار الإسمنتي الحالي، وقد اتضحت هذه الحقيقة هذا الأسبوع عندما بدأت “إسرائيل” في إقامة سياج إلكتروني بارتفاع ستة أمتار على طول حدود غزة.
بالإضافة إلى سياج الأسلاك الشائكة التي ستفصل غزة و”إسرائيل”، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي ببناء سياج بارتفاع مترين يحتوي على حساسات إلكترونية وخنادق وأبراج مراقبة عسكرية على طول محيط غزة.
لكن الحواجز سواء كانت جدار عادي إسمنتي أو الكتروني فإنها بحاجة إلى نظام مراقبة. ويدرك مسؤولو “الأمن” الإسرائيليون أن الجدار الاسمنتي يضعف رؤيتهم ويجعل مهمة حماية الحدود أكثر صعوبة، ولهذا السبب تم أخذ ذلك بعين الاعتبار في غزة حيث اختاروا سياجاً شفافاً وليس جداراً، وهو ما يوصي به العديد من مسؤولي “الأمن” والممثلين المنتخبين في الولايات المتحدة للرئيس ترامب باستخدامه.
تعتبر الوحدة الاسرائيلية “Kometz ” واحدة من الوحدات المجهولة في جيش الاحتلال الإسرائيلي والمسؤولة عن جميع الأسوار الحدودية الإسرائيلية، وهي تستخدم العديد من التقنيات وأنواع مختلفة من السياج. وقال ياكير سيلا المسؤول عن التكنولوجيا والنقل والإمداد في جيش الاحتلال الإسرائيلي لمجلة الجيش الإسرائيلية في عام 2018 “لدينا خمسة نماذج من السياج قادرة على إعطاء إنذار للتأهب عند حدوث توغل في الأراضي الإسرائيلية”.
وقد ذكر داني ترتزا، وهو كولونيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن التخطيط الاستراتيجي من 1994-2007، فكرة مماثلة بشأن شكل الحدود التي تستخدمها “إسرائيل”. وقال لمجلة فوربس في عام 2017 “إن أسرائيل تنشر مجموعة من تقنيات أخرى على طول سياجها بما في ذلك البالونات مع الكاميرات وأجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء والرادارات التي يمكن أن تراها على بعد أميال منتشرة حولها. وفي معظم الأوقات يتم تشغيلها عن طريق الطيار الآلي وإرسال فيديو مباشر إلى قاعدة المراقبة. كما تم بناء نماذج جديدة على شاحنات فورد من نوع F-350 وتتميز بوجود بنادق آلية يتم التحكم فيها عن بعد”.
من الواضح أن ترامب استخدم المثال الإسرائيلي “للدفاع” عن بناء جداره الحدودي ولم يكن يشير إلى حواجز الحدود الإسرائيلية المختلفة بل كان يقصد الجدار الأسمنتي الذي تم بناءه في مواقع مأهولة بالسكان في عمق الضفة الغربية.
وقال ترامب في حوار استثنائي أمام الصحافة: “إذا كنتم تريدون معرفة مدى فعالية الجدار فالتسألوا إسرائيل فقط عن ذلك، [إنه جدار] فعّال بنسبة 99.9٪ وسيكون جدارنا جيد جداً إن لم يكن الأفضل”.
وقد أكد إفرايم إنبار الأستاذ الفخري للعلوم السياسية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية ورئيس معهد القدس للدراسات الإستراتيجية في مقابلة أجريت معه في كانون الثاني 2019 أن الجدار الإسمنتي الفاصل في الضفة الغربية “تم بناؤه بشكل أساسي بسبب الضغط الشعبي خلال الانتفاضة الثانية”.
بدأ البناء الإسرائيلي للجدار الأسمنتي في عمق الضفة الغربية في عام 2002، وهو العام الذي شهد 55 تفجيراً داخل “إسرائيل” وفقاً لإحصاءات الحكومة الإسرائيلية.
وقد انخفضت الهجمات بشكل طفيف في السنوات اللاحقة بعد الانتفاضة الثانية، لكن الأرقام السنوية من المخابرات الإسرائيلية أظهرت انخفاضاً أكثر في الهجمات عام 2005. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية المستقلة عن فرع المخابرات الإسرائيلية تعليقاً على أن الجدار لم يكن هو السبب وراء هذا الانخفاض، بل أن “السبب الرئيسي وراء انخفاض الأعمال الهجومية هو الهدنة مع حماس وتركيزها على الساحة السياسية”.
وقد اعترفت المجموعة الإسرائيلية التي تسمى “سياج من أجل الحياة” بأن انخفاض الهجمات يعود بشكل أساسي إلى” خيار الفلسطينيين” مشيرة الى أن العديد من الفلسطينيين لا يزالون يخترقون الجدران والأسوار للبحث عن عمل في “إسرائيل”، وبالتالي سيكون من السهل على شخص لديه التصميم للهجوم بأن يخترق الجدار ولكن أولئك الذين يقفون وراء الهجمات قد اختاروا عدم تنفيذها لمجموعة من الأسباب لا ترتبط أياً منها بوجود الجدار أو أي حاجز.
بخلاف حقيقة أن الجدار إسرائيلي الصنع مبني في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وغير فعّال في منع الهجمات، حكمت المحكمة الجنائية الدولية في تموز 2004 أن الجدار “غير قانوني” وأن موقع الجدار يقع على “الأراضي المحتلة لدولة أخرى”. وفي الوقت نفسه أكد حكم المحكمة على أن “إسرائيل تمتلك طرق أخرى للدفاع عن نفسها”.
يمكن للرئيس الأمريكي أن يستخدم المثال الإسرائيلي مراراً كما يريد لكن الحقيقة تشير إلى غير ذلك، ففي غزة اختارت قوات الاحتلال الإسرائيلية عدم استخدام جدار الاسمنت بل قامت بنشر العديد من عناصر الحماية التكنولوجية والبشرية لمنع الفلسطينيين من العبور إلى “إسرائيل”.
داود كتّاب هو صحفي فلسطيني حائز على عدة جوائز وأستاذ سابق في الصحافة في جامعة برنستون الأمريكية.