عميره هاس
عندما كتبتُ أسئلتي، وطلبتُ من المتحدثة بلسان منسق أعمال الحكومة في “المناطق” التطرق إلى تدمير أنابيب المياه في القرى الفلسطينية في جنوب شرق يطا، في 13 شباط، كانت أصابعي تتنمل وأرادت أن تطبع أيضا السؤال التالي: قولوا لي، ألا تخجلون؟ يمكننا أن نرى في هذا رغبة تعليمية، يمكننا أن نجد هنا بواقي ايمان باحتمالية التأثير أو بواقي أمل بأن هناك شخصا ما لا ينفذ بشكل تلقائي الأوامر، وقوة من الشك ستظهر لدينا، لكن هذا التنمل في الأصابع تلاشى سريعا.
هذه ليست المرة الأولى التي أقمع فيها الرغبة التعليمية كي أسأل ممثلي المدمِّرين والمتعطشين فيما إذا كانوا لا يخجلون، حيث في كل يوم تنفذ قواتنا نشاطات هدم وحشية الى حد ما، أو تمنع البناء، أو يحمون المستوطنين الذين تتملكهم مشاعر السمو العرقي، الذين يطردون الرعاة والمزارعين من أراضيهم. الأغلبية الساحقة من أعمال الهدم والطرد هذه لا يتم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث فقط الكتابة عنها كان يجب أن تشغّل في صحفنا مراسلين آخرين بوظيفة كاملة.
هذه الأعمال تنفذ باسم كل مواطن إسرائيلي، يدفع الضرائب لتمويل رواتب الموظفين والضباط ومقاولي الهدم. عندما أكتب عن مثال واحد من بين مجمل نشاطات الهدم، فان لي الحق الكامل كمواطنة وكصحافية أن اسأل من يصدرون الأوامر ومنفذيها: قولوا لي كيف يمكنكم النظر إلى أنفسكم في المرآة؟
ولكنني لا أسأل، لأن الإجابة معروفة: هم راضون عما يرونه في المرآة. لقد تلاشى الخجل من حياتنا. هنا مسلّمة أخرى هبطت علينا من جبل سيناء: اليهود يستحقون المياه، في كل مكان يتواجدون فيه، أما الفلسطينيون فلا. اذا كانوا يصممون على العيش خارج جيوب “أ”، خارج المحميات المكتظة التي خصصوها لهم (مدينة يطا لهذا الغرض) فليتحملوا المسؤولية ويعتادوا على العيش بدون مياه. ألا يمكن العيش بدون مياه؟ ماذا تقولون؟ إذاً، من فضلكم، ليدفع الفلسطينيون ثمن المياه المنقولة سبعة أضعاف المياه القادمة في الصنابير.
هذا ليس شأننا؛ حيث معظم دخل هذه التجمعات الفقيرة يتم صرفه على المياه، ليس من شأننا أن النقل خطير بسبب الطرق الترابية. ليس شأننا أن الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية تحفر فيها الآبار وتضع فيها تلالا من الصخور والقلاع من اجل أن يصبح أمر نقل المياه غير ممكن لـ 1500 – 2000 شخص و40 ألف رأس من الأغنام. ما الذي يهمنا حين لم يبق سوى طريق واحدة، التفافية، طويلة، ترفع ثمن النقل؟ لقد كتب في التوراة “ما هو جيد لنا، لنمنعه عن الآخرين”.
أعترف: حقيقة أنه على رأس الهرم الذي ينفذ سياسة تعطيش الفلسطينيين يقف اليوم شخص درزي (الجنرال كميل أبو ركن)، منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، أطالت قليلا التنمل في أصابعي. ربما لأنه عندما يعطش أبو ركن ويذهب إلى الحنفية، سيفكر بكلمة عطش بنفس اللغة التي يصف فيها الرجل العجوز، علي دبابسة، من تلة خلة ادبع الحياة مع حنفية معطوبة وانتظار التراكتور الذي سيحضر المياه في الصهريج. أو لأنه عندما كان صغيرا، فان أبو ركن تعلم من أمه بالعربية كيف يقول إنه يريد الشرب.
ولكن هذا التنمل غير واقعي، على الأقل حسب اختبار الواقع. الإدارة المدنية ووحدة منسق أعمال الحكومة في “المناطق” مليئة بالجنود والضباط الدروز الذين لغتهم الأم هي العربية. أوامر تنفيذ السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، طرد الفلسطينيين، والسيطرة على اكبر قدر من الأرض من اجل اليهود، ينفذونها بنفس النجاعة عديمة التردد مثل زملائهم الذين لغتهم هي العبرية، الروسية، أو الإسبانية.
من بين الطرق الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين من أراضيهم من اجل تخصيصها ليهود من إسرائيل ومن الشتات، فان سياسة التعطيش هي الأكثر قسوة. وهذه هي مبادئ هذه السياسة: لا تعترف إسرائيل بحق كل البشر، الذين يعيشون تحت سيطرتها في الوصول المتساوي للمياه ولكمية المياه. بالعكس، هي تؤمن بحق السادة اليهود بكمية مياه أكبر بكثير من الفلسطينيين، هي تسيطر على مصادر المياه في كل البلاد، بما في ذلك الضفة الغربية، وهي تقوم بأعمال حفر في الضفة الغربية وتسحب المياه من المناطق المحتلة، وتنقل معظمها للإسرائيليين والمستوطنين.
توجد للفلسطينيين آبار منذ العهد الأردني، التي جزء منها جف، وعدد من الآبار الجديدة في العشرين سنة الأخيرة، أقل عمقا من الآبار الإسرائيلية، وجميعها لا تعطي كمية مياه كافية.
لذلك، الفلسطينيون يضطرون إلى شراء المياه من شركة “مكوروت” التي سرقتها إسرائيل منهم. أو بدل المياه التي تسرقها إسرائيل منهم. لأن إسرائيل تسيطر إداريا بشكل كامل على 60 في المئة من أراضي الضفة (ضمن أمور أخرى تحدد مخططات هيكلية وتوزع رخص البناء)، هي أيضا تمنع الفلسطينيين الذين يعيشون فيها من الارتباط بشبكة المياه. تفسير المنع: ليس لديهم مخططات هيكلية. أو هذه منطقة نيران، حيث إن مناطق النيران تم الإعلان عنها في جبل سيناء، وغياب مخططات هيكلية للفلسطينيين ليس فشلا إنسانيا متعمدا، بل هو من فعل الإله.
عن “هآرتس”