كشف تحقيق استقصائي، نشر يوم امس الأحد، أن استشهاد الشاب محمّد عبد الفتّاح (25 عاما) في الثالث من نيسان/ أبريل الجاري، قرب مدخل قرية بيتا جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية، جاء نتيجة استهدافه وهو مصاب في عملية إعدام ميدانية شارك فيها مستوطنان، فيما كشف أن أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي تواطأت مع المجرمين ومسحت كل تسجيلات كاميرات المراقبة في المناطق المحيطة، بهدف “دفن الحقيقة”.
وقوّض تحقيق أعده “بتسيلم – مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة”، رواية أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسها جهاز الأمن العام “الشاباك” والجيش الإسرائيلي، حول ظروف وملابسات استشهاد الشاب الفلسطيني، عبد الفتاح، حيث كان الاحتلال قد ادعى أن مستوطنًا أطلق النار على عبد الفتاح، خلال محاولة الأخير تنفيذ عملية طعن.
وأكد تحقيق “بتسيلم” أنّ “الشهيد رشق سيّارات إسرائيليّة بالحجارة فأوقف مستوطن سيّارته وأطلق عليه النّار، ثمّ بعد إصابته ووقوعه أرضًا كرّر المستوطن إطلاق النيران عليه ثانية وفي هذه المرّة انضمّ إليه مستوطن آخر. قتل المستوطنان الشابّ ومحا الجيش شريط الفيديو الذي وثّق الحدث”.
وتداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الثالث من نيسان/ أبريل الجاري، نبأ استشهاد الشاب الفلسطيني في حوارة، معتمدة على رواية الجيش والأجهزة الأمنية، مدعية أنه كان يهمّ بتنفيذ عمليّة طعن، وأوردت خبرًا موحدًا ظهر في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية مفاده أن “مخرّبًا فلسطينيًّا قُتل صباح هذا اليوم (الأربعاء) على يد سائقين بعد أن شرع في محاولة طعن أب وابنته قرب حوّارة الواقعة جنوبيّ نابلس”.
وبيّن تحقيق “بتسيلم” أن الشهيد من سكّان خربة قيس في محافظة سلفيت وهو متزوج وأب لطفلة.
وأكد التحقيق أن عبد الفتاح عبر الشارع عند السّاعة 8:30 صباحًا، ثمّ وقف قرب حاوية نفايات قبالة دوّار قرية بيتا المجاورة، وأخذ يلقي الحجارة نحو السيّارات الإسرائيليّة القادمة من منطقة حوّارة باتّجاه قرية زعترة ومفرق “تبواح”. رشق الشهيد سيّارتين الحجارة، وبعد عبورهما رشق حجرًا ثالثًا أصاب إحداهما.
وتابع التحقيق أن “سائق السيّارة، المستوطن يهوشع شيرمان، توقّف ثمّ سُمع إطلاق نار يبدو أنّه أطلق من داخل السيّارة وبعد ذلك ترجّل السّائق من سيّارته”، في هذه المرحلة جلس محمّد مقرفصًا بين حاويتي النفايات. اقترب منه المستوطن وأطلق عليه عددًا آخر من الرّصاصات.
وبعدها بلحظات توقّفت أيضًا شاحنة عابرة على الشارع، وترجّل منها سائقها، ثمّ وقف إلى جانب شيرمان وأطلق الاثنان عددًا آخر من الرّصاصات على الشابّ وهو جريح وملقًى على الأرض.
يذكر أنه تم الإعلان عن استشهاد محمّد عبد الفتّاح متأثّرًا بجراحه بعد وقت قصير على أحداث الجريمة في مستشفى “بيلينسون”.
ويظهر تسلسل الأحداث بوضوح أيضًا في شريط فيديو تداولته وسائل الإعلام يوثّق جزءًا من الحادثة: تظهر فيه سيّارة شيرمان تتوقف قرب الشهيد وبعد 15 ثانية يخرج منها شيرمان. عندها تصل إلى المكان شاحنة وتتوقّف. وهنا ينقطع الشريط وبعد ذلك مباشرة يظهر شيرمان وسائق الشاحنة وهما يطلقان النّيران على الشابّ.
وأشار التحقيق إلى أن إحدى الرّصاصات أصابت شابًّا آخر يعمل في دكّان قريب في بطنه، ونُقل لتلقّي العلاج في مستشفى رفيديا في نابلس، حيث رقد قيد العلاج حتى السابع من نيسان/ أبريل الجاري.
وأكد التحقيق أنه “بعد مضيّ دقائق معدودة على إطلاق المستوطنين النيران على عبد الفتاح، وصلت إلى المكان مركبات عسكريّة وجنود أخذوا يلقون قنابل الصّوت بهدف تفريق السكّان الذين كانوا يتجمّعون هناك. بعد ذلك مباشرة دخل نحو ثمانية جنود إلى دكّانين في المنطقة لكي يفحصوا تسجيلات كاميرات الحراسة المثبّتة فيهما”.
وأوضح التحقيق أن “الجنود أخرج جهاز الـDVR (التسجيل)، من أحد الدكّانين وغادروا المكان. بعد مضيّ عشرين دقيقة رجع الجنود إلى الدكّان وركّبوا الجهاز من جديد وأخذوا يشاهدون التسجيلات فيما اثنان منهم يصوّران بهاتفيهما مشاهد الحادثة كما بثّتها الشّاشة. بعد ذلك قام الجنود بمحو المشاهد من جهاز الـDVR وغادروا المكان”.
ويبيّن تحقيق “بتسيلم” أنّ “المستوطن شيرمان أطلق النيران على الشهيد دون أيّ مبرّر وبعد أن كان الشابّ قد ابتعد عن السيّارة وقرفص خلف حاويات النفايات الموجودة هناك. وبالتأكيد لم يكن هناك أيّ مبرّر لجملة الرّصاصات الثانية التي أطلقها شيرمان وسائق الشاحنة عندما كان الشابّ ملقًى على الأرض جريحًا”.
وشدد التحقيق على أن “قوّات الأمن التي وصلت إلى موقع الحادثة تجاهلت كلّ هذه التفاصيل، ولم تفعل شيئًا لأجل القبض على المستوطنيْن. عوضًا عن ذلك سارعوا لإبعاد الفلسطينيّين من المكان ثمّ تفرّغوا لمهمّتهم العاجلة، مهمّة محو أيّ توثيق للحادثة لكي يضمنوا دفن حقيقة ما حدث وعدم اتّخاذ إجراءات ضدّ المستوطنين”.
وأوضحت منظمة “بتسيلم” أن “هويّة المستوطنين معروفة جيّدًا بحيث لا يصعب أبدًا العثور عليهم لمن يريد ذلك، ولو حتّى لأجل التحقيق في الحادثة. ولكن بالنظر إلى ممارسات قوّات الأمن عقب الحادثة وإلى ممارسات إسرائيل طوال السّنين، من الواضح أنّه لا يوجد في الواقع احتمال لحدوث مثل هذا الأمر”.