تعتبر الأحزاب التي يتوقع أن تشكل ائتلاف حكومة اليمين الإسرائيلية المقبلة، برئاسة بنيامين نتنياهو، أن دعم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لسياسة الضم الإسرائيلية، تشكل فرصة سانحة لتنفيذ مخططات ومقترحات قانون ضم قسم كبير من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وبات نتنياهو، الآن، يتبنى هذه المخططات والمقترحات، حسب تصريحاته خلال حملته الانتخابية وتعهده بتوقفه عن لجمها. وتعتبر أحزاب اليمين أن الفرصة سانحة للضم في أعقاب فوز اليمين في انتخابات الكنيست للمرة الرابعة على التوالي، الأسبوع الماضي، دعم ترامب غير المسبوق، ضعف الاتحاد الأوروبي، ضعف الأمم المتحدة، الحروب في العالم العربي، الانقسام الفلسطيني وغيرها.
ورأى الخبير الجغرافي والباحث الإسرائيلي، الدكتور شاؤول أريئيلي، وهو ضابط سابق برتبة عقيد، أن إقدام إسرائيل على ضم المنطقة C، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، “سيعبر عن تغيير جوهري لسياسة الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، التي دأبت على تنفيذ ’ضم زاحف’ من خلال سلسلة خطوات، مثل توسيع المستوطنات، وضمها فعليا بواسطة ’الجدار الأمني’، والبناء في الأحياء اليهودية (المستوطنات) في شرقي القدس، شق طرق التفافية، تقييد التطوير الفلسطيني في المنطقة C وهدم بيوت (بحجة أنها) غير مرخصة، ومؤخرا تعميق التفريق بين السكان اليهود والفلسطينيين بواسطة سلسلة خطوات تشريعية”.
وأضاف أريئيلي، في مقال في صحيفة “هآرتس”، اليوم الجمعة، أن حكومة نتنياهو لم تعد تميّز بين الكتل الاستيطانية والمستوطنات القريبة من “الخط الأخضر”، التي كانت ضمن بند “تبادل الأراضي”، وبين المستوطنات “المعزولة”، الواقعة في عمق الضفة. وعلى سبيل المثال، صادق نتنياهو الأسبوع الماضي، كوزير للأمن، على شق شارع التفافي حوارة، في منطقة نابلس، بتكلفة 260 مليون شيكل، لصالح أربع مستوطنات “معزولة”، يسكنها 7500 مستوطن، وذلك في إطار مخطط بتكلفة 5 مليارات شيكل. كما صادق مجلس التعليم العالي الإسرائيلي على تأسيس كلية طب في جامعة مستوطنة “أريئيل”.
ورأى أريئيلي أن “المصادقة على مقترحات ضم، وليس مهما ما إذا ستُنفذ في أعقاب الرفض الفلسطيني المتوقع لـ’خطة ترامب’ (صفقة القرن) أو أزمة ائتلافية أو تصعيد أمني، سيدل على أن حكومة إسرائيل تعتزم الانتقال إلى سياسة ’ضم قانوني’”.
وأشار أريئيلي إلى أن “الغايات المركزية” للحركة الصهيونية من إقامة إسرائيل، هي أن تكون “دولة يهودية”، أي ذات أغلبية يهودية؛ دولة ديمقراطية؛ ودولة في كل فلسطيني التاريخية (“أرض إسرائيل الكاملة”). وأضاف أنه “بسبب حقيقة أنه طوال سنوات الصراع كانت هناك أغلبية غير يهودية في أرض إسرائيل، اضطرت القيادة الصهيونية أن تختار اثنتين بين ثلاث إمكانيات: أولا، دولة يهودية في كل منطقة أرض إسرائيل ولكن ليست ديمقراطية؛ ثانيا، دولة ديمقراطية في كل أرض إسرائيل ولكن ليست يهودية؛ ثالثا، دولة يهودية وديمقراطية في جزء من أرض إسرائيل. واختيار الإمكانية الثالثة كانت الخيار الإستراتيجي للقيادة الصهيونية وحكومات إسرائيل حتى الحكومة الحالي”.
وشدد أريئيلي على أن هدف نتنياهو وعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست هو إلغاء حل الدولتين، “ولكنهم سيمتنعون عن التهديد بضم المنطقتين A وB أو إعادة الحكم العسكري إليهما. وهم مقتنعون أن بإمكانهم إدارة الضم وفقا لمشيئتهم”.
وأردف محذرا من أن “تقديرات وتوقعات مسؤولين كبار سابقين في جهاز الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد مختلفة بالكامل. وضم المنطقة C أو جزءا منها سيؤدي إلى موت رسمي لاتفاقيات أوسلو، تفكيك السلطة الفلسطينية، وقف التنسيق الأمني وموجة عنف شديدة للغاية. وهذه كلها ستضطر إسرائيل إلى إعادة السيطرة على منطقتي A وB، وإعادة إنشاء الإدارة المدنية من أجل إدارة حياة 2.6 مليون فلسطيني، وحتى فرض القانون الإسرائيلي عليها لاحقا. في البداية وفقا لنموذج (مكانة) الإقامة في القدس الشرقية، وبعد ذلك المواطنة بشكل كامل”.
وتابع أريئيلي أن وضعا كهذا يعني “تغيير سلم الأولويات لغايات الصهيونية، بتفضيل أرض إسرائيل الانتدابية على حساب أغلبية يهودية صلبة ونظام ديمقراطي في دولة إسرائيل. وهذا سيكون انهيار جليدي، تحدد حجمه وسرعته جهات إقليمية وعالمية. لكن إذا اختارت إسرائيل المبادرة إليه، فإنها ستدفن الحلم الصهيوني في نهاية المطاف”.
ووفقا لأريئيلي، فإن مخططات ومقترحات كهذه التي تطرحها حكومة اليمين الجديدة ليست مدروسة بشكل إستراتيجي، وهدفها “دفع أيديولوجيات خلاصية وقومية ممزوجة بمصالح سياسية شخصية على حساب الرؤية الرسمية الشاملة. وازدياد قوة القوميين – الخلاصيين في الحكومة المستقبلية سيزيد من عدد أولئك الذين يستخفون بقوة التهديدات المحتملة المتوقعة لإسرائيل جراء خطوات الضم، ولذلك فإن ثمة احتمال أنهم لن يرتدعوا من تغيير الوضع الحالي من أجل تحقيق حلمهم”.
وتوقع أن “إسرائيل ستجد نفسها في مكان عميق داخل واقع قاتم، خالٍ من سلطة فلسطينية، وفي أزمة شديدة مع مصر والأردن وفي مواجهة سياسية مع الأوروبيين. وإذا تداركت الأمر، فستسعى إلى الخروج من هذا الوضع. والتجربة التاريخية لـ25 سنة ’عملية أوسلو’ تدل على أن إسرائيل اختارت الخروج من أزمة وتصعيد عنيف من خلال إحدى الطرق التالية:
“’خطة انفصال أو انطواء’، اي إخلاء مستوطنات معزولة ونقلها إلى ’الكتل الاستيطانية’ وإكمال ’الجدار الأمني’، والحفاظ على الوجود الأمني عند حدود الأردن وعلى القدرة للتدخل في كافة مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية). ويتوقع أن تواجه هذه الخطة صعوبات كثيرة بسبب عدم وجود هيئة سلطوية فلسطينية قادرة على تحمل المسؤولية عن المناطق الفلسطينية. وأفضلياتها بالفصل بين الشعبين ومنع الاحتكاك والاحتفاظ بالأمن كله بأيدي إسرائيل…”.
“الطريق الثانية تقضي بأن تستأنف إسرائيل المفاوضات مع القيادة الفلسطينية وفقا للمعايير القائمة. وبالإمكان التقدير أن الفلسطينيين سيتمسكون بموقف صارم أكثر من موقفهم اليوم حيال قضايا الحل الدائم الأربع، الحدود والأمن والقدس واللاجئين، والمستوطنات أيضا.
“والطريق الثالثة هي أن تطرح إسرائيل ’خريطة طريق’ جديدة مؤلفة من ثلاث مراحل يتم تنسيقها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و’الرباعية العربية’، أي مصر والأردن والسعودية والإمارات، والقيادة الفلسطينية في الشتات. ويمكن تشمل المرحلة الأولى خطة انطواء كتلك المذكورة أعلاه أو أجزاء منها، الاعتراف بفلسطين في حدود مؤقتة واستئناف المفاوضات حول الحل الدائم. ويتم في المرحلة الثانية التوقيع على اتفاق دائم يشمل تدخلا إقليميا. ويتم في المرحلة الثالثة تطبيق تدريجي للاتفاق الدائم، بتدخل عربي ودولي”.
وخلص أريئيلي إلى أن “نتنياهو يفضل على ما يبدو السير ضمن جوقة اليميني الخلاصي – القومي وجرّ دولة إسرائيل معه”.