شهد الأسبوع الأخير في إسرائيل إصدار قرارات تكشف، بشكل سافر، عن تواطؤ سلطات القضاء وتطبيق القانون الإسرائيلية مع جرائم المستوطنين وجنود الاحتلال، هي: إسقاط تهمة القتل المتعمد ضد المتهم بقتل وحرق عائلة الدوابشة، في قرية دوما قضاء نابلس، وإطلاق سراح المستوطن المتهم بقتل الفلسطينية عائشة الرابي، وإغلاق ملف التحقيق في استشهاد المُقعد إبراهيم أبو ثريا، الذي استشهد برصاصة قناص إسرائيلي على حدود قطاع غزة.
ففي قضية قتل وإحراق عائلة الدوابشة، أعلنت النيابة الإسرائيلية العامة عن التوصل إلى صفقة مع أحد المتهمين بتنفيذ الجريمة التي وقعت قبل نحو أربع سنوات، تقضي بإسقاط تهمة القتل المتعمد من لائحة الاتهام وعدم اتهامه بقتل وحرق عائلة الدوابشة، والاكتفاء فقط بتهمة التخطيط لحرق بيت في دوما وليس التآمر للقتل.
وستوجه للقاتل من عصابة إحراق عائلة الدوابشة، وفقا للصفقة، تهم مخففة تقتصر على أربع محاولات لتنفيذ عمليات إشعال النيران وجرائم “تدفيع الثمن” والمس بالممتلكات، في حين سيتم حذف أي اتهام يتعلق بمحرقة عائلة الدوابشة وتورط المتهم بعملية إحراق كنيسة في القدس المحتلة، وستطلب النيابة العامة الإسرائيلية فرض عقوبة السجن الفعلي لخمس سنوات على المتهم.
بالمقابل لم يعلن أي شيء عن لائحة الاتهام المتعلقة بالمستوطنين الثلاثة المتبقين الذين شاركوا، أيضًا، في تنفيذ الجريمة، علما بأنّ مجموعة مكونة من أربعة مستوطنين، على الأقل، أقدمت في 31 تمّوز/ يوليو من العام 2015 على مهاجمة قرية دوما جنوبي نابلس، وإحراق منزلين، أحدهما منزل عائلة سعد الدوابشة، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة من أبناء الأسرة وهم الأب سعد، والأم رهام والطفل الرضيع علي. ولم ينجُ من المحرقة إلا الطفل
أحمد الدوابشة.
أما في قضية قتل الفلسطينية عائشة رابي، فقد أمرت المحكمة المركزية في اللد، في خطوة استهجنتها حتى النيابة العامة، بإطلاق سراح المستوطن المتهم بقتلها وتحويله إلى الاعتقال المنزلي، بعد أن اعتقل مع عدد من طلاب المدرسة الدينية في “رحليم”، أطلق سراحهم لاحقا، قاموا برشق الحجارة على سيارة الرابي في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، الأمر الذي تسبب بمقتلها.
وكانت لائحة الاتهام التي وجهت للمستوطن أفادت أنه “أمسك بيده حجرًا بوزن كيلوغرامين تقريبًا بهدف ضرب المسافرين في السيارات العربية، وذلك بدافع أيديولوجي من العنصرية والعداء تجاه العرب أيًا كانوا”، وأنه رشق الحجر، عندما لاحظ سيارة مع لوحة فلسطينية، بقوّة وبشكل مباشر نحو الزجاج الأمامي بهدف المس بمن في السيارة، وصدف أن تلك السيارة كانت تسافر فيها عائشة الرابي وزوجها يعقوب وابنتهما ذات التسع سنوات، وأنّ الصخرة هشّمت زجاج السيارة الأمامي وأصابت بشكل قوي ومباشر رأس عائشة أمام أنظار أبناء عائلتها، الأمر الذي تسبب بوفاتها.
وفي قضية الشهيد أبو ثريا، أعلنت النيابة العسكرية الإسرائيلية عن إغلاق ملف التحقيق في جريمة قتله، التي وقعت خلال مشاركته بفعاليات مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، دون اتخاذ أي إجراءات قضائية ضد أي من الجنود والضباط، وأدعت أنّه لم يتم إيجاد أي دليل على أن أبو ثريا قتل بنيران مباشرة من الجيش الإسرائيلي.
وكان أبو ثريا، وهو مقعد تعرض للبتر في قدميه عام 2008 جراء غارة إسرائيلية على القطاع، قد أصيب يوم 15 كانون أول/ ديسمبر 2017، برصاص الاحتلال الإسرائيلي أثناء المواجهات التي جرت بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال على الحدود الشرقية لمدينة غزة، وقال شهود عيان كانوا برفقته لحظة استشهاده، إنّه تلقى طلقا ناريا في رأسه بشكل مباشر أثناء المواجهات، فيما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو، ظهر فيه الشاب الفلسطيني لحظة استشهاده وهو على كرسيه المتحرك والعلم الفلسطيني في حضنه.
يشار إلى أنّ القضايا الثلاث هي من الجرائم التي لم يكن بالإمكان تجاهلها، أسوة بعشرات بل مئات الجرائم الأخرى التي يرتكبها الاحتلال والمستوطنين ولا تصل أصلا إلى القضاء، فجريمة حرق وقتل عائلة الدوابشة التي هزت أركان المجتمع الفلسطيني فرضت نفسها على القضاء الإسرائيلي، لأنها من أكثر الجرائم التي ارتكبها المستوطنون بشاعة وقذارة، في حين ما كان بالإمكان تجاهل هذا القضاء لجريمة قتل المقعد أبو ثريا التي وثقتها وسائل الإعلام ببث حي ومباشر، ولكن، كما في حالة الجندي أزاريا، الذي قتل الجريح الفلسطيني بدم بارد وحظي بمحاكمة صورية وحكم مخفف وفاز باحتضان المجتمع الإسرائيلي، فإنّ القتلة من جنود ومستوطنين آخرين، يتمتعون بتعاطف القضاء والتفاف الشارع الإسرائيلي.