محمد بلاص:
بكلمات كانت تقطر ألما وحرقة، راح الأربعيني بركات أبو محسن من تجمع الفارسية في الأغوار الشمالية، يتحدث عن حجم معاناته والأهالي جراء الاعتداءات التي يتعرضون لها من قبل المستوطنين وحولت حياتهم إلى أشبه ما تكون بالجحيم الذي لا يطاق.
وقال أبو محسن وهو متزوج وأب لخمسة أبناء في شهادة أدلى بها لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، إنه يسكن مع عائلته في خيام ومبانٍ من الصفيح والنايلون في تجمع نبع الغزال بالفارسية.
وتابع: “نحن نعيش في ظروف قاسية حيث يمنعنا الاحتلال من إقامة مبانٍ ثابتة مناسبة للسكن، وعلى بعد نحو 500 متر منا أقام المستوطنون مستوطنة (روتم) واستولوا على معظم أراضينا، ولم يكتفوا بذلك بل يشنون علينا الهجمات اليومية حين نخرج إلى المراعي وتحديداً في أرض قريبة من المستوطنات اعتدنا في الماضي رعي مواشينا فيها، ولكن منذ أقيمت المستوطنة ونحن نعاني من اعتداءات المستوطنين بحيث أصبح الوصول إلى هناك أمراً مخيفاً”.
ومضى “في الآونة الأخيرة بدأ المستوطنون برعي مواشيهم هناك وهم يجلبون معهم كلابا كبيرة، وقد اشتدت هجماتهم علينا، إنهم يقيدون حركتنا في المنطقة ويطردوننا منها، والجنود المتواجدون هناك يؤمنون لهم الحماية ويساعدونهم على طردنا بحجة أن هذه الأراضي يملكها المستوطنون وبالتالي يمنع دخولنا إليها، من غير الواضح بالنسبة لنا كيف حصل كل ذلك”.
وأشار أبو محسن إلى أن أحد أشد الاعتداءات حدث في الثاني عشر من شباط الماضي، حيث خرج لرعي قطيع أغنامه برفقة أخيه لؤي وابنه وأبناء عمهم.
وأضاف: “في ذلك اليوم، كان هناك مستوطنون أخذوا يحرضون كلابهم على مهاجمة مواشينا، وجاء حارس المستوطنة المدعو ديدي على حصانه برفقة مستوطنين آخرين وأخذوا يرشقوننا بالحجارة نحن وأغنامنا بهدف طردنا من المكان، فأصبت بجروح في يدي ورجلي، وجاءت سيارة إسعاف إسرائيلية وأخرى فلسطينية من الهلال الأحمر نقلتني إلى مستشفى طوباس، وتبين أنني أصبت بكدمات ورضوض لا أكثر، أما الجنود الذين تواجدوا في المكان فاعتقلوا أخي لؤي وابنه علي بدلا من أن يعتقلوا المستوطنين الذين هاجمونا، وادعى المستوطنون أن لؤي وعلي هما اللذان اعتديا عليهم، ولكن نحن نعلم أنهم وبكل بساطة يريدون طردنا من المنطقة”.
وخلص إلى القول: “نحن لا نعرف ماذا سنفعل وأين نرعى مواشينا، فالأعلاف باهظة الثمن ولا قدرة لنا على شرائها، ولا توجد لدينا وسيلة أخرى لإطعام مواشينا ولا توجد لنا مصادر رزق أخرى سوى رعي الأغنام، بتنا لا نعرف لمن نشتكي أحوالنا”.
أما أحمد أبو محسن البالغ من العمر 27 عاما وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، فقال: “أسكن في تجمع نبع الغزال بالفارسية، وعندما كنا في طريقنا إلى المرعى الواقع شمال شرق منزلنا، جاء المستوطنون وأخذوا يشتموننا ويلاحقوننا مع كلابهم ويحرضونها على مهاجمة أغنامنا، ثم نادوا الجيش الذي جاء وأغلق الطريق أمامنا لكي يمنعنا من الوصول إلى المرعى”.
وقبل ذلك بيومين، قال أبو محسن: “خرجت لرعي الأغنام مع والدي وابن عمي، كنا على بعد كيلومتر واحد من مستوطنة (روتم) إلى الشمال منها، وشاهدنا ما لا يقل عن خمسة مستوطنين يقتربون منا، أنا وابن عمي اختبأنا وبقي والدي فقط في مرمى نظرهم، وجاء المستوطنون مع جيب عسكري وأخذوا يلاحقون الأغنام ويشتمون والدي الذي كبل الجنود يديه رغم أنه تجاوز الستين من عمره واقتادوه إلى الجيب العسكري ثم أخذوه إلى معسكر جيش في المنطقة، أما نحن فجمعنا الأغنام وعدنا إلى المنزل ثم اتصلنا بمديريّة التنسيق والارتباط الفلسطينية، وبعد مضي نحو أربع ساعات أخلى الجنود سبيل والدي”.
وظهيرة ذلك اليوم، أضاف أبو محسن: “ذهبنا إلى المراعي في الاتجاه نفسه، ولكن كنا بعيدين عن المستوطنات، وجاء المستوطنون مع كلابهم وأخذوا يطاردوننا ويرشقون أغنامنا بالحجارة، فأصيبت عدد من الأغنام بجراح وأخذت تنزف، وتمكنا من الفرار مع أغنامنا بشق الأنفس، إنهم عنيفون جدا ويريدون قتلنا وقتل أغنامنا”.
وروى: “نحن نعيش في جو ملؤه الخوف والرعب، وفي كل يوم نحتار إلى أين يمكننا أن نذهب، فنحن لا نريد سوى أن نطعم أغنامنا، ولا مهنة لدينا سوى تربية الأغنام، وإلى الغرب منا توجد منطقة تدريبات، وفي الجهات الأخرى توجد مستوطنات، والخطر يحيط بنا من كل الجهات وأصبحنا كمن يعيش داخل سجن، ولا أحد منا يقدر على وقف هجمات المستوطنين الذين كنا نعتقد أن الجيش سيوقفهم، ولكنه بدلا من ذلك يساعدهم على طردنا”.
وفي إفادة ثانية، روى أبو محسن كيف جرح المستوطنون إحدى أغنامه وسرقوا اثنتين أخريين، حيث قال: “خلال الأسابيع الماضية هاجمنا المستوطنون أكثر من المعتاد، فنحن معتادون على رعي أغنامنا في منطقة تقع إلى الشرق من منطقة سكننا، ولكن في الفترة الأخيرة أخذ حارس مستوطنة (روتم) المدعو ديدي يضايقنا ويهاجمنا بشكل يومي تقريبا، إنه يأتي مع الكلاب الكبيرة ويأخذ في تهديدنا والصراخ علينا”.
وفي صباح هذا اليوم، قال أبو محسن: “خرجت لرعي قطيعي شمال شرق الفارسية، حيث ظننت أنني بذلك أبتعد عن المناطق التي يهاجمنا فيها المستوطنون، ولكن عندما وصلت رأيت المستوطنين يرعون مواشيهم هناك وخشيت أن يعتدوا علي، وكان أحدهم يعتلي (تراكتورون) أخذ يسوقه داهما قطيع أغنامي لكي يشتته ويطردني من المنطقة، فدهس إحدى الأغنام وتفرقت بقية الأغنام إلى كل ناحية، وتمكن من إبعاد اثنتين منها عن قطيعي وضمهما إلى أغنامه، وأعدت إلى المنزل ما تبقى من الأغنام بما في ذلك الجريحة منها، ومضت بضع دقائق على وصولي وإذا بجنود يقتحمون منزلي بغية اعتقالي بتهمة الاعتداء على مستوطنين، لكنهم بعد أن شاهدوا بأنفسهم الغنمة الجريحة قالوا لي أن آتي إلى محطة الشرطة في أريئيل لتقديم شكوى”.
وخلص إلى القول: “لا نعلم ماذا نفعل، لقد طردنا المستوطنون من جميع المراعي، ونحن نعلم أن الجيش والجنود يتعاونون معهم، فالجيش لا يبعدهم، بل على العكس يساعدهم على طردنا لكي يكسب رضاهم، ولا مكان آخر لنا نذهب إليه فهذه أراضينا، واليوم كل من يخرج من منزله يشعر وكأنه يخرج إلى الحرب ويخرج وفكره مشغول بالمستوطنين وكيف سيهاجمونه، فمعهم السلاح ولديهم كلاب وكذلك الدولة والجيش معهم”.
أما مفيدة دراغمة “69 عاما”، وهي أرملة وأم لثمانية أبناء، فتحدثت عن صعوبات العيش بجوار المستوطنين، وقالت: “أولادي كبار وكلهم متزوجون سوى ابنة واحدة لي تعاني من عجز وتسكن معي، وزوجي توفي منذ سنوات وأنا أسكن هنا قرب أولادي في تجمع إحمير، وأعمل في تربية المواشي، وأنا امرأة مسنة وكل ما أريده أن أعيل نفسي وعائلتي”.
ومضت دراغمة تقول: “نحن نواجه الصعوبات في كل يوم، فمستوطنو (جيفعات سيلعيت) يجلبون أغنامهم لترعى في الأراضي التي اعتدنا على الذهاب إليها، وظهر كل يوم يخرج ابني أشرف مع القطيع فآخذ بتحذيره من المستوطنين وعندما يغيب عن ناظري خلف الجبل ترتجف روحي ويرتعد جسدي خوفا عليه، وأعد الثواني بانتظار عودته إلى المنزل”.
وتابعت: “في إحدى المرات، هاجم المستوطنون رعاة قرب مكان سكننا وكان أشرف واحداً منهم، ولاحقه أحد المستوطنين وهو يرشقه بالحجارة، فأحسّ أشرف أن حياته في خطر فعاد إلى المنزل، أما ابني الآخر منصور يعمل في إحدى المستوطنات القريبة، وهاتفه أحد المستوطنين وقال له: “قل لابنك ألا يرعى الأغنام فوق هذه الأرض لنا”.
وقالت: “فرحنا كثيراً في هذه السنة لأن الأمطار هطلت بغزارة ونبت عشب كثير لكن المستوطنين سرقوا فرحتنا وجلبوا علينا البكاء ووجع القلب، بعد أن وزعوا أراضينا على بعضهم البعض كما يحلو لهم، إنهم عنيفون جداً ويتجولون طوال الوقت أمام خيامنا وقرب أغنامنا وهم مسلحون ومعهم كلابهم والويل لمن يتفوه بكلمة، إنّهم يطاردون رعاة الأغنام يوميا ومع ذلك يستدعون الجيش ويشتكون ضد الرعاة الذين يقوم الجيش باعتقالهم بدلا من أن يبعد المستوطنين”.
وانتهت قائلة: “منذ أن استوطنوا في المنطقة جميعنا يقضي الليل خائف، فهؤلاء لا يعرفون الرحمة ولا الشفقة، وماذا يمكننا أن نفعل، فهذه أراضينا وقد ورثناها أبا عن جد، لكنهم يريدون أخذها كلها، ونحن محاطون بالمستوطنات، وكلّ شخص منا يعيش في رعب دائم، فلا يوجد هنا هدوء نفسي، ولا نعرف ماذا نفعل وإلى أين نذهب”.