لم تعد أطماع الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه في سوق الخضار القديم ” الحسبة” في الخليل العتيقة، خافية على أحد، فبعد الاستيلاء عليه وإقامة بؤرة استيطانية هناك، تم نشر مخطط لبناء استيطاني جديد لتعزيز وجود المستوطنين في المكان والقضاء على جميع الامكانيات القانونية والسياسية لاعادة فتحه (باعتباره المركز التجاري الاساسي لمدينة الخليل) وإعادة المحلات التجارية المسلوبة لمالكيها الفلسطينيين.
مخطط استيطاني
وكشفت لجنة إعمار الخليل، ان أحد المواقع الخاصة بالمستوطنين المتدينين، نشر على الإنترنت مخططاً لبناء استيطاني يُزمع المستوطنون إقامته، بحيث يشمل عدة محال تجارية موجودة على مدخل سوق القصبة.
وقال عماد حمدان، مدير عام لجنة اعمار الخليل، أنه من خلال الصور التي وردت في مقطع فيديو بثه المستوطنون بهدف جمع التبرعات وتجنيد الأموال لإقامة هذا البناء الاستيطاني، يظهر سوق الجملة الموجود في أول الحسبة (سوق الخضار)، مفرق سوق شاهين، حيث نصب المستوطنون خياماً في المكان (انظر الصور المرفقة) وعرضوا صوراً لمخططهم الاستيطاني هناك.
و اشار الى أن لجنة إعمار الخليل كشفت هذا الشهر عدة انتهاكات وتعديات استيطانية على محال تجارية، منها محل يعود للمواطن خالد أبو عيشة في الحسبة القديمة، ومحطة الجعبري للوقود، وسوق الذهب، لافتا أن وزير جيش الاحتلال السابق افيغدور لبرمان، كان أعلن في تشرين ثاني/نوفمبر من العام الماضي 2018، موافقته على إقامة بناء استيطاني جديد، يقام على محلات سوق الجملة في قلب البلدة القديمة بالخليل.
وأضاف، في وقت سابق قررت اللجنة الوزارية المكلفة بشرعنة البؤر الاستيطانية في حكومة الاحتلال، منح محال في سوق الخضار القديم (الحسبة) لمجلس مستوطنات الخليل، وذلك في معرض ردها آنذاك على قضية مرفوعة للمطالبة بإخلاء المستوطنين من بعض محال السوق. وجاء في فحوى القرار أنه سيتم إخلاء المستوطنين المقتحمين لهذه المحال ومن ثم تسليمها لمجلس مستوطنات الخليل.
واشار الى أن كل ذلك يأتي في سياق المخطط الإستيطاني لتهويد البلدة القديمة من الخليل وتعزيز وجود المستوطنين فيها وإفراغها من سكانها الأصليين، بعد السيطرة على ممتلكاتهم دون مسوغ شرعي، موضحا ان الاحتلال ومستوطنيه لا يحترمون القرارات القضائية التي تصدر عن محاكمهم، وان الاستيلاء على محال الحسبة (سوق الخضار) مخالف للمواثيق والاعراف الدولية والمعايير الاخلاقية والانسانية التي توجب عدم تعدي دولة الاحتلال على الممتلكات العامة والخاصة للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال وحماية حقوقهم.
طوق حول البلدة القديمة
وبين هشام الشرباتي، منسق لجنة الدفاع عن الخليل، أن الاحتلال الاسرائيلي بدأ مساعٍ لإنشاء بؤر استيطانية في محيط بلدة الخليل القديمة، لأستقطاب مئات العائلات اليهودية للاستيطان في المدينة بغية خلق واقع ديموغرافي وسياسي يصعب التعامل معه في المستقبل.
وأشار الى أن الاحتلال قام بإنشاء مستوطنة “كريات اربع” عام 1970 من قبل غلاة المستوطنين المتطرفين على قمة جبل “بطن البيار” على مساحة 6100 دونما، حيث تم التخطيط لهذه المستوطنة لاستيعاب عشرة آلاف عائلة يهودية. وتم اقامتها بهدف تطويق المدينة من الناحية الشرقية اولا، ولتكون أيضا حلقة وصل بين البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة والحرم الابراهيمي من خلال ربطها بمجموعة من الطرق والممرات لخلق واقع جديد في المنطقة.
ولفت الى ان مستوطنة “كريات اربع” تعتبر مقرا لحركة “كاخ” الارهابية وللجمعية الاستيطانية “غوش أيمونيم ” ومنها أنطلق الارهابي الصهيوني “باروخ غولدشتاين” لتنفيذ مجزرة الحرم الابراهيمي عام 1994.
واوضح أنه في عام 1983 أقيمت مستوطنة “رمات مامرية ” او ما يعرف بـ” تلة خارصينا” نسبة الى الموقع الذي بنيت عليه وهي تبعد عن مستوطنة “كريات اربع” 1.5كم ، وتبلغ مساحتها 3700 دونم، ويبلغ عدد الوحدات الاستيطانية وفق المخطط له 144 وحدة استيطانية، مشيرا الى أنها تشكل مع “كريات أربع” طوقا استيطانيا لمنع التمدد العربي باتجاه الشرق اولا، وان يكون الاستيطان قريب من الحرم الابراهيمي من أجل السيطرة عليه فيما بعد، بالاضافة الى التواصل الجغرافي مع البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة في المدينة.
ولفت الشرباتي، أن أولى البؤر الاستيطانية أقيمت داخل البلدة القديمة عام 1978، باحتلال مجموعة من المستوطنين مبنى الدبويا وسط المدينة، وأطلق عليه المستوطنون فيما بعد اسم “بيت هداسا”، وبعد عملية الدبويا الشهيرة عام 1980 وكرد عليها قام الاحتلال بهدم عشرات المنازل من أجل توسيع البؤرة الاستيطانية ذات الموقع الاستراتيجي، وفي عام 1983 اقيمت بؤرة قرب مبنى الدبويا عرفت بأسم ” بيت رومانو ” بعد السيطرة على مدرسة ” أسامة بن المنقذ ” بادعاء انها املاك يهودية وتمت إضافة طوابق للمبنى وحولتها الى مدرسة دينية، وفي عام 1984 أنشئت بؤرة “رمات يشاي” الاستيطانية على موقع اثري في تل الرميده، واغلقت سلطات الاحتلال سوق الخضار المركزي في البلدة القديمة وتم تسليمه فيما بعد للمستوطنين لإقامة بؤرة استيطانية جديدة، بالاضافة الى بؤر آخرى مثل “بيت حسون وبيت شنرسون” ، مشيرا أن المستوطنين استولوا على 20 % من العقارات الفلسطينية في قلب المدينة وحولوها الى بؤر إستيطانية.
ويقيم في هذه البؤر الاستيطانية حاليا حوالي 800 مستوطن، ويحرسهم بشكل متواصل حوالي 1500 جندي اسرائيلي، موضحا أنه وبالنظر الى مواقع هذه البؤر نجد انها تتمتع بموقع استراتيجي مطل على البلدة القديمة وبعض الاحياء في مدينة الخليل، وهي بؤر متصلة مع بعضها البعض ومع مستوطنة ” كريات اربع ” بطرق معبدة لتسهيل التنقل منها واليها، بالاضافة الى تسهيل الوصول الى الحرم الابراهيمي.
واشار إلى أن الاحتلال يسعى لتوسيع هذه البؤر بشكل مستمر من خلال اتباع سياسات عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين من خلال نشر عشرات الحواجز ونقاط التفتيش وإغلاق تام لبعض الشوارع والاسواق في محاولة لطرد السكان العرب، والتضييق عليهم بغية تهجيرهم من المكان حيث قدر عدد المحال التجارية المغلقه بحوالي 1829 محلا تجاري، منها 520 محلا مغلقاً بأوامر عسكرية خاصة في شارع الشهداء، والباقي مغلق من قبل اصحابها بسبب اغلاق الطرق، ووضع الحواجز ونقاط التفتيش داخل أزقة البلدة القديمة، لتفريغها ما يؤدي في النهاية الى ابتلاع ما تبقى من قلب الخليل وفصلها نهائيا عن باقي احياء المدينة العربية.