أطلقت منظمات “الهيكل” التي تنشط بالمشاريع الاستيطانية والتهويدية داخل أسوار القدس القديمة حملة تبرعات بأوساط اليهود حول العالم، مؤخرا، لبناء كُنُس في ساحات المسجد الأقصى وبناء “الهيكل” المزعوم مكان قبة الصخرة.
وتدفع جمعية “يشاي” الاستيطانية المنطوية تحت جمعيات ومنظمات يهودية تقود لحملات التبرعات لتعزيز الوجود اليهودي في القدس القديمة وفي المسجد الأقصى، لبناء كنس في ساحات الحرم في الأماكن التي يسمح الصعود إليها والتجوال بها دون انتهاك أو مس بـ”قدسية” الموقع الذي سيبنى فوقه “الهيكل” المزعوم، وهو بساحات وبصحن قبة الصخرة، إذ أن الصعود للمكان يعتبر تدنيسا لقدسية المكان الذي سيسمح الصعود إليه وبناء “الهيكل” بعد تحقيق نبوءة ظهور “المسيح المنتظر”، بحسب المزاعم الدينية اليهودية. وبرر حاخام بلدة كريات شمونة، الحاخام تسفنيه دروري شاليطا، الحملة والصعود إلى ما أسماه “جبل الهيكل” بالقول إن “الصعود لجبل الهيكل أمر في غاية الأهمية والضرورة في هذه المرحلة، لأنه في هذه الأيام يبعد شعب إسرائيل عن المكان ولا يفهم قداسته، مهمتنا هي أن نظهر لشعب إسرائيل والعالم بأسره أن المكان مقدس لإسرائيل، وبالتالي علينا منع المسلمين من إهانة قداسة المكان لليهود، أو التعامل على أنه مكان مقدس للمسلمين”.
وأسست جمعية “يشاي” بالعام 2013 بمبادرة مجموعة من الحاخامات، وذلك بهدف بناء “الهيكل” المزعوم، وتنشط منذ ذلك الحين في ساحات الحرم والدفع في تكثيف الاقتحامات لساحات الأقصى وتهيئة الظروف والأوضاع وتحضير الأرض التي سينبى فوقها “الهيكل”، والسماح بالتخطيط لبناء الكنس.
وتتبنى الجمعية اقتراح الحاخام تيكوسنسكي زيتسل في القرن الماضي، الذي دعا لبناء “الهيكل”، كما تنشط بهذا المجال وفقا لدعوة الحاخام الأكبر في إسرائيل، الحاخام مردخاي إلياهو، الذي دعا برسائل لبناء كنيس على “جبل الهيكل”، قائلا في رسائله: “لا بد من بناء كنيس ومكان للتوراة والصلاة لليهود في منطقة يسمح بدخولها، وذلك تحت رقابة بحسب ما تنص الديانة اليهودية، بحيث لن يسمح تخطي المنطقة التي يسمح بدخولها”.
وتخطط جمعية “يشاي” في هذه الفترة إطلاق حملة كبيرة لحشد دعم الحاخامات الآخرين وعامة اليهود لبناء الكنس وتهيئة الأرضية لبناء “الهيكل”، و”العمل على تحقيق هذا الهدف المقدس، الذي له أهمية قومية وروحية عليا لليهود”، على حد قول الجمعية.
وتذرعت الجمعية اليهودية بإطلاق حملتها لجمع التبرعات والدفاع نحو بناء الكنس في ساحات الحرم، بسبب ما اعتبرته “سيطرة المسلمين على مناطق ومواقع إضافية بجبل الهيكل، حيث ستعمل الجمعية على تغيير الوضع بتأسيس صندوق إسرائيلي خاص ينشط لبناء الكنس على الجبل”.
الحركة المسيحية الصهيونية بأميركا
وقدّر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، د. حسن خاطر، أن “الهيكل” ليس بحاجة إلى حملات التبرعات التقليدية، مؤكدا أن هناك حركات وجمعيات دولية تنشط وتدفع ليس لبناء “الهيكل” فحسب بل إنما لبناء قدس جديدة.
د. خاطر: الحركة المسيحية الصهيونية تدفع نحو الأحداث بغية هدم الأقصى وبناء “الهيكل”
وأوضح أنه يقف على رأس هذا المشروع التهويدي الحركة المسيحية الصهيونية بأميركا التي يتجاوز عدد أتباعها وأعضائها الـ70 مليون، وتعتبر من أغنى الحركات في العالم، إذ يندرج بها أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال ومؤسسات عملاقة تمتلك أموالا طائلة.
وقال خاطر لـ”عرب 48″ إن “الحركة المسيحية الصهيونية تدفع نحو الأحداث بغية هدم الأقصى وبناء الهيكل وخنق وحصار القدس والفلسطينيين، إذ يؤمنون بنبوءة أن المسيح لن يظهر إلا بعد هدم الأقصى وبناء الهيكل”.
ولفت إلى أن حملة التبرعات للكنس بساحات الحرم، تندرج ضمن مجمل تمويل ودعم الجمعيات الاستيطانية الناشطة في القدس القديمة وساحة البراق، مؤكدا أنه قبل 5 أشهر تم إنجاز حملة تبرعات دولية جمع خلالها 145 مليون دولار والتي تم تحويلها إلى منظمات “الهيكل”.
المسجد القبلي المسقوف قرب باب المغاربة، حيث تدفع المنظمات اليهودية لبناء كنيس بجواره (تصوير “عرب 48”)
المسجد القبلي المسقوف قرب باب المغاربة، حيث تدفع المنظمات اليهودية لبناء كنيس بجواره (تصوير “عرب 48”)
وأكد خاطر أن الأموال لبناء الكنس والهيكل متوفرة، لكن هناك اعتبارات وحسابات سياسية إقليمية للمؤسسة الإسرائيلية، كما أن المنظمات اليهودية تنتظر ظهور “البقرة الحمراء” التي تُربى في شمال فلسطين التاريخية وفي حال ظهورها تستعد المنظمات اليهودية لهدم الأقصى والتمهيد لبناء الأقصى.
الحركة الإسلامية الصهيونية بالعالم العربي
وأكد خاطر أن المتحول الخطير بالأمر أن هذه الحملات اليهودية تتناغم مع محاولات تصفية القضية الفلسطينية ضمن ما يسمى “صفقة القرن”، وظهور الحركة الإسلامية الصهيونية في العالم العربي على غرار الحركة المسيحية الصهيونية الداعمة للمشروع الصهيوني بفلسطين التاريخية.
حاخامات يدعمون الاقتحامات الجماعية وبناء كنس بالأقصى
وقال الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات: “بات واضحا بأن هناك مسلمين صهاينة في العالم العربي مستعدين لخدمة إسرائيل ودعمها بالأموال دون حدود، وهذا هو النجاح للمشروع الصهيوني للهيمنة والسيطرة على مقاليد الحكم بين النيل والفرات”.
وأشار إلى أنه يوضع المال العربي تحت تصرف إسرائيل في هذه المرحلة كما وضع بالسابق تحت تصرفها المال الأميركي، إذ تحكم هذه الأموال حسابات سياسية ودينية يهودية، وعليه يقدر خاطر أن القادم سيكون أسوء على القدس والأقصى والشعب الفلسطيني.
المال العربي
واستعرض خاطر توظيف المال العربي لتهويد القدس وتعزيز الاستيطان، لافتا إلى أن المال العربي وظف في تهويد عقارات للاجئين بالقدس وتسريب 21 شقة سكنية بسلوان للجمعيات الاستيطانية، وكذلك تسريب عقار آل جودة بالقدس القديمة وعقارات في باب الحديد سربت للمستوطنين مقابل 14 مليون دولار يشتبه بتورط أطراف إماراتية فيها.
صحن قبل الصخرة، حيث تنشط المنظمات اليهودية لبناء “الهيكل” المزعوم (تصوير “عرب 48”)
وأوضح أن المال العربي بدأ يدخل فلسطين لدعم المشروع الصهيوني بذات منطلق وأسلوب الحركة المسيحية الصهيونية، فيما تشن مجموعة من الناشطين في “الحركة الإسلامية الصهيونية” بالخليج ودول الإقليم هجوما على الشعب الفلسطيني والقدس ويدافعون عن اليهود ويروجون لما أسموه الحق التاريخي لليهود بالأقصى وبناء الهيكل وعدم قدسية ساحات الحرم للمسلمين.
ملامح الصراع
ومن جانبه، أعرب مدير مؤسسة القدس للتنمية التي حظرتها السلطات الإسرائيلية، المحامي خالد الزبارقة، عن اعتقاده أن ملامح الصراع بالقدس في هذه المرحلة هي ما بين الأقصى و”الهيكل”، بحيث أن الاحتلال يعتمد سياسة التطهير العرقي للمقدسيين للتفرد بالمقدسات والأقصى وتهويدها، وبالمقابل إحلال المستوطنين والتمادي في مشاريع التهويد وتزييف التاريخ والحضارة والترويج للرواية اليهودية بالقدس القديمة وحول المقدسات لوضع اليد عليها.
المحامي الزبارقة: ملامح الصراع بالقدس في هذه المرحلة هي ما بين الأقصى و”الهيكل”
وقال الزبارقة لـ”عرب 48″ إن ما يحدث بالقدس القديمة هو صراع دولي يقوده المشروع الصهيوني العالمي الذي يدفع نحو بناء “الهيكل” على حساب الأقصى”، مؤكدا أن سلوك “منظمات الهيكل” يندرج ضمن سلوك عالمي للسيطرة على القدس القديمة والمقدسات والأقصى بإيعاز من مختلف أجهزة وأذرع المؤسسة الإسرائيلية.
وتحدث الزبارقة عن الدور العربي والإسلامي لمواجهة ما تتعرض له القدس والأقصى، وقال إن “السلطة الفلسطينية وعلى المستوى الرسمي، عليها مواجهة السياسات الاحتلالية بشكل عملي وليس بالتصريحات والشعارات، إذ لا يمكن رفض المشاركة بورشة البحرين وفي المقابل تواصل السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال”.
وأكد أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي تكون من خلال إعادة هيكلية مشروع التحرر الوطني الفلسطيني في ظل المستجدات الإقليمية والدولية والمبادرة الأميركية لما تسميه واشنطن “السلام والازدهار” عبر خطة “صفقة القرن” الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
رفض شعبي
وأشار مدير مؤسسة القدس للتنمية، المحظورة إسرائيليا، إلى أن الرفض الشعبي والجماهيري للشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي لما تتعرض له القدس والأقصى أقوى من سياسات المشروع الصهيوني المسيحي العالمي والمشروع الصهيوني العربي، مبينا أن السلطة الفلسطينية مطالبة بمواجهة سياسات الإدارة الأميركية وإسرائيل على المستوى الدولي وخاصة في ملف القدس والأقصى.
فلسطينيون يعتصمون بمسار اقتحام المستوطنين لساحات الحرم وأداء صلوات تلمودية قبالة قبة الصخرة (تصوير “عرب 48”)
ودعا الزبارقة، لمواجهة الرواية اليهودية والمشاريع التهويدية بالقدس والأقصى والمشروع الصهيوني بفلسطين التاريخية، فمن ناحية تنشط الجمعيات اليهودية ومنظمات “الهيكل” بجمع التبرعات والنشاط بالقدس القديمة وساحات الحرم، ومن ناحية ثانية يتم التضييق على جمعيات العمل المدني الفلسطينية بالقدس وتغلق ويحظر عليها جمع التبرعات لرعاية المقدسات وتعزيز صمود الفلسطينيين بالمدينة المحتلة.
وبيّن أن المشروع الصهيوني العالمي يعمل وينشط في كل أمكان تواجده ويوظف كل نفوذه حول العالم لجمع التبرعات وجمع المال لدعم اليهود بفلسطين التاريخية، إذ أن المشروع الصهيوني العالمي لا ينقصه المال لبناء الكنس أو حتى “الهيكل” بساحات الحرم، بينما المؤسسات والجمعيات الفلسطينية تحاصر في جهودها ومساعيها لجمع التبرعات لتمويل نشاطاتها بالقدس.
خطوات عملية
وعن الدوافع والأسباب لإطلاق الحملة لجميع التبرعات اليهودية، قال الزبارقة، إن “الهدف بالأساس لخلق حالة نفسية والقبول المجتمعي بين اليهود وفي العالم كأحد الخطوات العملية من أجل هدم الأقصى وبناء الهيكل، وبالتالي لا بد من مواجهة ذلك دوليا، إذ تنشط الكثير من الجمعيات والمنظمات الإسرائيلية واليهودية للتأثير على الرأي العام لقبول هدم الأقصى”.
وأوضح أن الجمعيات اليهودية تنشط بإيعاز من الحكومة والمؤسسة الإسرائيلية وبغطاء دولي عبر استغلال الحالة العربية السيئة والظروف الإقليمية من أجل تكريس السيادة الإسرائيلية على ساحات الحرم القدسي الشريف، فيما يكون الدور الأساس لمنظمات “الهيكل” توفير أجواء توتر وظروف لاختراق الموقف الفلسطيني وفرض وقائع عملية ملموسة بالأقصى.
عرب 48/ محمد محسن وتد