على عكس الاعتقاد السّائد، يدّعي الكاتب الإسرائيلي إيريز ماغين، وهو طالب دكتوراه في العلوم الاجتماعيّة، أنّ دوافع توسع المشروع الاستيطاني والاندفاعة التي شهدها في الثمانينيات والتسعينيات في عهد حكومات الليكود، كانت حصيلة عوامل اقتصادية اجتماعية.
وفي صلب هذه العوامل، كما يدّعي ماغين، محاولة اليمين السياسي تقليص الأضرار الاقتصادية التي سببتها سياسته النيولبرالية للطبقات الفقيرة المحسوبة على جمهور مصوتيه، والحيلولة دون معارضتها لهذا التحول في سياسة حكومة الليكود الاستيطانية، التي طرأ في مطلع الثمانينات.
وتقوّض الادعاءات التي أوردها ماغين في مقال نشرته مجلة “هزمان هزيه”، ونقلته صحيفة “هآرتس”، مؤخرًا، الاعتقاد الراسخ بأن تدعيم مشروع الاستيطان في الضفة الغربية هو نتاج تعاون اليمين الديني الذي مثلته حركة “غوش إيمونيم” الاستيطانية، وبين حكومة الليكود الذي اعتلى سدة الحكم عام 1977.
ويشير ماغين إلى أنّه منذ عام 1967 وحتى عام 1980، جرى معظم البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفق مبدأ “الانتشار السكاني الهادف إلى وضع اليد على الأرض ومحاولة التوصل إلى تقسيم أكثر توازنا عن طريق إقامة مستوطنات جديدة وخلق أماكن تشغيل في الأماكن الحدودية المحاذية للخط الأخضر”، ودلّل على ذلك باستعراض مشروع ألون الخاص بحكومة حزب العمل، التي طمحت لتكثيف الاستيطان في الأغوار ومشروع “دروبلس”، الخاص بـ”غوش إيمونيم”، التي هدفت إلى تكثيف الاستيطان في عمق الضفة الغربية.
ويورد المقال أن وزارة البناء والإسكان التي كان دورها، حتى حينه، مقلصًا جدا في عملية البناء خارج الخط الأخضر، تحولت إلى المبادر الرئيسي لعمليات البناء الاستيطاني لتحدث التحول الجوهري في سياسة تطوير المستوطنات، والذي تمثل في الانتقال من البناء في المستوطنات الصغيرة والعشوائية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية إلى تطوير شامل يتركّز في نقاط استيطانية قليلة ذات أفق للتطور إلى مدن.
وتموضعت هذه النقاط بمحاذاة مناطق الطلب حول القدس و”غوش دان”، ما أدّى إلى تركيز البناء وميزانيات وزارة الإسكان على إقامة مستوطنات مدينيّة مثل “معاليه أدوميم” و”أرئيل” و”كرني شومرون” و”غفعات زئيف”.
وتشير المعطيات إلى أنّ غالبية الزيادة السكانية التي سجلها المشروع الاستيطاني في مطلع الثمانينات جرت في إطار المستوطنات المدينيّة المحاذية لمناطق القريبة من الخط الأخضر، حيث تظهر الاستطلاعات أنه من منتصف الثمانينات تركز 75-90% من المستوطنين في هذه المستوطنات التي تعرف بالكتل الاستيطانية.
وعند التمعن في خطاب الإعلامي الذي سوّق تلك المستوطنات حينها، كما يقول ماغين، نرى أنّه يتركز حول “الرفاهية” و”جودة الحياة بدعم حكومي”، بينما تغيب عن بشكل كامل مقولات “إنقاذ الأرض” و”أرض إسرائيل الكاملة”.
إلى جانب ذلك، فإنّ وزارة الإسكان، التي تعاملت مع منطقة الضفة الغربية كاستثناء لا ينطبق عليها تقليص حدود تدخل الدولة التي فرضتها السياسة الاقتصادية النيولبرالية، عزّزت من دعمها لمشاريع الإسكان في المستوطنات التي رأت فيها حلا لأزمة السكن، حيث ازداد حجم البناء هناك بين سنوات 198-1984 بثلاثة أضعاف، ناهيك عن منح الدولة تسهيلات في منح قروض الإسكان للذين يستوطنون هذه المناطق، واستثمارات هائلة في البنية التحتية.
سياسة الإسكان تلك، برأي ماغين، عادت على نفسها في تعامل وزارة الإسكان مع الهجرة الروسية وأزمة السكن لدى الجمهور الحريدي، إذ جرى، في إطارها، توسيع المستوطنات المحاذية لمناطق الطلب، مثل “أرئيل” و”معاليه أدوميم”، كما تم جذب جمهور الحريديين، الذين لم يمتّوا، في الماضي، بصلة لمشروع الاستيطان، بل نأوا بأنفسهم عن أي تعاون مع المؤسسة الصهيونية، لتوطينهم في التسعينيّات في مستوطنات محاذية للخط الأخضر، بعد ربط تلك المدن الاستيطانية بالقدس و”بني براك” الحريديّة.اليوم، تتركّز مجموعات سكانية من الحريديين ذوي الدخل المحدود في مستوطنتي “موديعين عيليت” و”بيتار عيليت”، حيث تسكن 120 ألف نسمة، وإذا أضفنا إليهما المستوطنة الحريدية “عمنوئيل”، يصل عدد هؤلاء إلى ثلث عدد مستوطني الضفة الغربية، بينما يشكل النمو السكاني للجمهور الحريدي عاملا مهما في رفد النمو العام، إذ أنّه بدون الزيادة السكانية في “بيتار عيليت” و”موديعين عيليت” ستتقلّص نسبة الزيادة السكانية بشكل كبير، وصولًا إلى ميزان هجرة سلبي، كما يقول الباحث.