هنا يهدمون بسرور

جدعون ليفي

 

*الانقاض هي ما بقي من المباني العشرة التي هدمتها اسرائيل في الاسبوع الماضي جنوب مدينة القدس، اصحابها حصلوا على رخص بناء من السلطة الفلسطينية، وهي الجهة المخولة بمنح الرخص هناك. ولكن المحكمة العليا الاسرائيلية قامت بشرعنة عملية الهدم*

 

من نافذة مكتبه يظهر الخراب. صور ما بعد التفجير: بقايا محطمة لبناء مكون من عدة طوابق، مشروع حياته، برج من الاوراق انهار. 13 طابق خطط أن يبني هنا. لقد أكمل 9 طوابق الى أن جاءت قوات الهدم في الاسبوع الماضي ودمرت كل شيء. لقد تركوا الطابقين السفليين على حالهما، الحمد لله، لكن التفجير الذي قام به جنود الجيش فوقهما بعد أن نشروا صناديق المتفجرات في كل طابق، التي خلقت صدى كبير، يمنع استخدام حتى هذه الطوابق.

الآن يرسل صاحب المبنى نظرة حزينة باتجاه الانقاض، والدموع في عينيه الحمراء من قلة النوم، وهو يقول همسا ليس للمرة الاولى، كنت اريد أن اسأل ميني مزوز (القاضي الذي كتب قرار المحكمة العليا) ماذا يقدم هذا للأمن؟ وهذا السؤال بقي معلق في جو الغرفة. كل عالم محمد أبو طير، صاحب مبنى الطوابق الذي هدم، دمر. “ليس هناك أي عدل في المحكمة العليا”، قال واضاف “خلال سنوات سمعت الناس يقولون هذا – والآن رأيت هذا بعيني. لن أتوجه في أي يوم للمحكمة العليا. قرارات المحكمة العليا يكتبونها في الجيش الاسرائيلي وفي جهاز الامن وليس في المحكمة”.

فتحت بقالة على مشارف صور باهر، قرية تقع جنوب مدينة القدس. وقد تحولت الى غرفة عمليات: على الجدران معلقة الوثائق المدينة – التي تثبت حسب اقوال صاحبها عظم الظلم وحجم اللامعقول. تراخيص بناء من السلطة الفلسطينية، الجهة التي تستطيع منحها هنا، بيان رسمي لاسرائيل التي ليست لها صلاحيات اشراف هنا، والنتيجة التي تبرز من خلف النافذة لا يمكن التغلب عليها.10 مبان مهدمة في يوم واحد، وبشرعنة من المحكمة العليا، أحد أكبر ادوات الاحتلال والاكثر دونية للمتعاونين معه.

 

باسم الامن

 

مشاهد مثلما في سوريا وفي غزة في العاصمة لم تهم تقريبا أحد في اسرائيل. فتحت بقالة في الطابق السفلي في البرج السكني الذي لم يدمر. حاول أبو طير احصاء الاضرار: 9 ملايين شيكل استثمرها في البناء، لا تتضمن رسوم الهدم واخلاء الانقاض التي سيجبر على تحملها، والتي ستصل حسب اقواله الى 2 مليون شيكل. الآن هو يحاول أن يخطط مستقبله الذي يلفه الضباب.

حديثه يقطع من حين الى آخر مثلما لدى شخص مصدوم. باسم الامن خرقت اسرائيل اتفاقات اوسلو، انظمة التخطيط والبناء ومبادئ العدل الطبيعي. المباني كانت قريبة جدا من جدار الفصل حسب رأيها، والمحكمة العليا استجابت وصادقت على هذا الظلم. حتى اقتراح أبو طير بناء سور مرتفع من الاسمنت على حسابه من اجل الحفاظ على أمن اسرائيل، وملء المنطقة بكاميرات الحماية على حسابه، قوبل بالرفض.

ولكن الفتحات في الجدار التي فتحها الجنود ورجال الشرطة الذين جاءوا للهدم بقيت ايضا في هذا الاسبوع مفتوحة، بدون أن يهتم أحد باصلاحها – هي دليل صامت على كذب الاهتمام بالامن. كل طفل في صور باهر يعرف أنه “لهذا الهدم ليس هناك أي علاقة بالأمن”. اسرائيل فقط تستخدمه كذريعة من اجل تطبيق سياسة التهجير الصامتة لها في القدس.

صور باهر هي مكان للامعقول: قرية فلسطينية ضمتها اسرائيل للقدس. جزء منها في اراضي المدينة والجزء الآخر في اراضي السلطة الفلسطينية، جدار الفصل يخترقها في مشارفها. مناطق أ و ب الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية داخل القدس، سكانها يحملون هويات زرقاء ولوحات سيارات صفراء، تحت حكم السلطة ظاهريا وكل ذلك في الجانب الاسرائيلي لجدار الفصل.

بلدية القدس لا تقدم هنا أي خدمات – المنطقة خارج حدودها، لكن السلطة الفلسطينية ممنوع أن تقدم خدمات – هنا القدس. فقط السلطة يمكنها أن تمنح هنا رخص بناء وليس اسرائيل. مع ذلك، اسرائيل تقوم بهدم المباني التي حصلت على رخص بناء من السلطة الفلسطينية. النسيان في المنطقة المنسية والمهملة.

وادي الحمص هو حي فيه يحدث كل شيء. في الطريق اليه يجب أن تجتاز اعمال ترابية ضخمة لتوسيع الشارع المسمى “الشارع الامريكي”، حتى منذ العهد الاردني، والآن سيكون طريق سريع للمستوطنين، من معاليه ادوميم الى غوش عصيون. ليس بعيدا من هنا توجد قرية فلسطينية اخرى تنتمي للقدس وهي أم طوبا. التي سكانها هم الذين يبنون ويسكنون في وادي الحمص.

مختصر تاريخي: في العام 1994 صودرت اجزاء من اراضي أم طوبا من اجل بناء مستوطنة جبل أبو غنيم. وبعد تسع سنوات صودر المزيد من الاراضي من اجل شق الشارع الذي يهبط الى مستوطنة نوكديم، التي يعيش فيها افيغدور ليبرمان. بالاجمال، فقدت أم طوبا التي يعيش فيها 5 آلاف شخص من أبناء عائلة أبو طير، حوالي ألف دونم، التي تشكل غالبية اراضيها. لم يبق أي مكان للبناء فيه.

في العام 2008 بدأ شباب القرية بشراء الاراضي في وادي الحمص والبناء فيها. فقط هناك كان يمكن الحصول على رخص بناء – هذه كما قلنا مناطق أ و ب التي تقع تحت سيطرة السلطة – وايضا البناء بسعر رخيص نسبيا. شاهدوا أن الامر سار بشكل جيد وقام المزيد من السكان بالانتقال الى وادي الحمص.

 

الملف تم اغلاقه

 

على جدار مكتب أبو طير علق محضر لجنة الرقابة في مجلس التخطيط الاعلى في الادارة المدنية، بتاريخ 22/8/2010: “الحديث يدور عن منطقة أ وليس هناك أوامر منع عسكرية لمنع البناء هناك. صدرت رخص بناء من قبل السلطة الفلسطينية. في المنطقة التي فيها الصلاحية بقوة قوانين التخطيط والبناء هي من صلاحية السلطة. القرار: نقرر اغلاق ملف الاشراف”.

القرار صدر بخصوص المبنى المكون من عدة شقق والذي نجلس فيه الآن في الطابق الارضي. في العام 2011 اشترى أبو طير مع عدد من ابناء عائلته الارض التي بني عليها البرج السكني المهدم. بعد البدء بحفر الارض صدر أمر وقف بناء من قبل الادارة المدنية. يتبين أنه بعد اقامة جدار الفصل قررت اسرائيل حظر البناء على بعد 250 – 300 متر منه. منطقة أمنية.

ولكن سريان أمر وقف البناء كان فقط حتى 31 كانون الاول 2014. أبو طير وشركاءه انتظروا، وعندما انتهى سريان الامر ولم يتلقوا أمر جديد عادوا للبناء. في نهاية 2015، عندما كان البناء في الذروة تلقوا أمر بالهدم. هو واصل البناء لأن القرار الذي صدر في 2010 والذي يقضي بأنه لا يوجد للادارة المدنية صلاحية مراقبة في مناطق أ ومناطق ب. وفي المقابل قدم التماس للمحكمة العليا ضد الامر.

خلال السنتين والنصف التي مرت تم عقد اربع جلسات في المحكمة العليا. أبو طير قال إنه عاد من كل جلسة مع شعور جيد جدا. “شعرت أن القضاة هم محامون لي”. وبعد ذلك جاء القرار الذي صادق على أمر الهدم وعلى كل دعاوى الجيش. وحتى طلب تأجيل الهدم الى أن يتم البت في التماس آخر، تم رفضه. القاضي ميني مزوز والقاضي عوزي فوغلمان والقاضي اسحق عميت وافقوا على موقف وزارة الأمن وكتبوا في القرار: “مواصلة البناء بدون ترخيص بمحاذاة الجدار الامني تقيد حرية العمل العملياتي قرب الجدار وتزيد الاحتكاك مع السكان المحليين. هذا البناء يمكن أن يشكل ايضا مكان لاختباء منفذي العمليات أو الماكثين بصورة غير شرعية داخل سكان مدنيين غير متورطين. ويمكن نشطاء ارهاب من تنفيذ تهريب للسلاح وحتى الدخول من اراضي المنطقة الى الاراضي الاسرائيلية. لذلك، نحن نوافق على موقف الجهات الامنية… لأن هناك ضرورة عسكرية – أمنية لتقييد البناء قرب الجدار من اجل منع هذا الخطر”. عندما يصل الامر للأمن – فان أمن الاسرائيليين فقط – هو الذي يتفوق على كل أمر آخر.

لقد اعطي شهر لأبو طير من اجل هدم المبنى. “أنا لن أهدم”، رد عليهم. في يوم الاثنين الماضي، في الساعة التاسعة والنصف مساء رن هاتف بيته في أم طوبا. هو إبن 43 سنة وأب لاربعة اولاد. في السنتين الاخيرتين كان منشغل فقط بالبناء والآن هم ينشغل في هدم المبنى المكون من عدة شقق. على الخط كان شقيقه الذي قال له إن جنود الجيش قطعوا جدار الفصل وقوات كبيرة تتحرك نحو الحي.

خلال بضع دقائق وصل الى المكان. في الليالي الاربعة الاخيرة منذ قرار المحكمة العليا عدم السماح بتأجيل عملية الهدم، هو لم ينم. قوات حرس الحدود طوقت المبنى وحاولت منعه من الدخول. “لقد اعتقدت أن هناك حرب”، قال. وحسب قوله، مئات رجال الشرطة والجنود انتشروا في الحي. وهو نجح في دخول المبنى. شرطة حرس الحدود اخرجوه بالقوة واعتقلوه واخذوه الى مركز الشرطة في عطروت. كانت الساعة الخامسة صباحا. لقد تمكن من أن يرى من نافذة الجيب الذي اخذه الجنود وهم يقتحمون طوابق المبنى ويضعون صناديق المتفجرات فيها. في الشرطة فتحوا له ملفات بشأن ازعاج رجال الشرطة اثناء عملهم وبعد ذلك ملف تحريض. في الساعة الخامسة بعد الظهر اطلق سراحه بكفالة. وصدر ضده أمر ابعاد لثلاثة ايام من وادي الحمص. في المساء شاهد في التلفاز المبنى، مشروع حياته، وهو مدمر.

ايضا الفيلم المثير للاشمئزاز الذي ظهر فيه ضابط من الجيش الاسرائيلي برتبة نقيب واثنان من رجال الشرطة وهم مسرورون ويعانقون بعضهم وهم يشاهدون التفجير. هو قال إن هذه كانت اللحظة الاكثر صعوبة بالنسبة له. “في الوقت الذي شاهدت فيه رجال مسرورين من التفجير، كان هذا أكثر صعوبة من رؤية البناء يتفجر.

الشرطة الذي اعتقلني في المبنى قال لي: أنا شرطي، وأنا لست من يقرر. هذا قرار المحكمة العليا وأنا فقط اقوم بتنفيذ عملي. قلت له: ايضا المخرب يقول ذلك. يذهب لتفجير نفسه ويقول: لقد ارسلوني. ولكن عندما أرى الضابط ورجال الشرطة مسرورين، هم ليسوا فقط قد جاءوا للقيام بعملهم، هم جاءوا كي يهدموا بسعادة، أن يقتلوا الانسان بهناء”.

ذهبنا في جولة في اماكن الهدم. مبنى فاخر مكون من 13 طابق، لون حجارته مائل للأحمر، ويقف على بعد بضع عشرات الامتار عن المبنى المهدم، كان بالنسبة له نموذج للمبنى الذي بناه. اربعون شقة خطط لبنائها في البرج، وجميعها بيعت. بركة سباحة متواضعة للاطفال توجد في اسفل الانقاض. رسوم الدخول هي 20 شيكل، والبركة فارغة. السكان كانوا في البيوت عندما دمر الجيش المباني. لقد وقفوا على النوافذ وشاهدوا الخراب. يوجد هناك بيوت دمر فيها فقط الطوابق العليا. في خمس شقق كان يعيش 40 شخص الذين هم الآن ليس لهم مأوى. الشقق الاخرى كانت في طور البناء.

كلاب ضالة كانت تنبح بين الانقاض، وهي تضيف بعد جهنمي للمشهد. المباني المهدمة موجودة على جانبي جدار الفصل. الجدار هنا يتكون من جدار مانع، شارع امني وجدار للتحذير. أبو طير قال إن كل شخص يمكنه اجتياز هذا الجدار خلال بضع دقائق. على مواقع الهدم ترك الجيش لافتة كتب عليها “خطر، هدم! الدخول ممنوع”. أبو طير اشار الى ما كان عليه برجه ويسأل: “أريد ان اسأل ميني مزوز: ماذا يفيد هذا الامن؟ ها هم هدموا. الآن هل اصبح الوضع اكثر امنا. اريد جواب من ميني مزوز الذي قرر تدمير 40 عائلة”.

في هذا الاسبوع بعد منتصف الليل ارسل رسالة قصيرة: “نحن نعتقد أن الجميع خدعونا. الجيش الاسرائيلي والمحكمة العليا هدموا بسرعة، كي يساعدوا نتنياهو في الحصول على مقاعد اكثر في الكنيست. لماذا؟ لأن اليمين يؤيد المس بالوسط العربي.

 

 

عن nbprs

شاهد أيضاً

مستوطنون يهاجمون قرية برقا شرق رام الله

هاجم مستوطنون، مساء الأربعاء، أطراف قرية برقا شرق رام الله، قبل أن تقتحم قوات الاحتلال …