“أنا سياسية دنماركية وعضوة في البرلمان الدنماركي ولقد عدتُ للتوّ من زيارةٍ ميدانيةٍ لمدّة أسبوع في إسرائيل وفلسطين نظمها مجلس الكنائس الدنماركي.
ولقد اختتمت الزيارة الميدانية بتجربة غير عادية بالمُطلَق، حيثُ اجتمعنا مع مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية و الذي سيصبح السفير القادم لاسرائيل في الدنمارك. وقد ناقشنا الحالة في الشرق الأوسط ، ولكنّه في نهاية الاجتماع قام بتغيير الموضوع وبدأ في مهاجمة التحديثات التي أكتبُها على الفيسبوك باللغة الدانماركية. إنّهُ من غير المعتاد لدبلوماسي أن يجادل مع سياسي من الخارج، وهو يُبَيِّن مدى حساسية الحكومة الإسرائيلية للنقد الخارجي و الأجنبي، و كما يُظهِر أن الإسرائيليين يميلون إلى الاعتقاد بأنهم يستطيعون تخويف الناقدين بحيث يصمتوا. ولكنّ هذا لا ينفع معي و لن يَتِمّ إسكاتي. لقد شاهدتُ انتهاكات منهجية ومُتَعَمَّدَة للقانون الدولي خلال الأسبوع الماضي وأعتزم الكلام وفَضح هذه الإنتهاكات رغمَ أنني أعرف أن الحكومة الإسرائيلية تُراقبني في ما أكتب وأنشُر. وهذا هو السبب في أنني أطلب منكم قراءة ومشاركة ما أكتُب مع من تعرفون من خلال شبكاتكم لأنّ ذلك من شأنه أن يُجبر الحكومة الإسرائيلية لأخذ الموضوع على محمل الجد واحتمال معالجة هذه الانتهاكات.
كثيرا ما نسمع بان الحكومة الإسرائيلية تستخدم تعبير”اعتبارات أمنية” لتبرير سياساتها ولكن اتضح شيئا واحدا الآن بالنسبة لي: إسرائيل تبذل جهودا منتظمة لدفع الفلسطينيين إلى الخروج من مناطق واسعة من الأراضي المحتلة. إن إسرائيل في طور استعمار المناطق التي كان يقصد بها أن تصبح الدولة الفلسطينية. وكلمة الأمن هي طبقة رقيقة من الورنيش تستعملها إسرائيل لتغطية تلك السياسة.
واسمحوا لي أن أقدم أربعة أمثلة فقط:
- مصادرة المنازل الفلسطينية
يسمح القانون الإسرائيلي لأي يهودي إسرائيلي بالمطالبة بمنازل اقام فيها يهود قبل عام 1948. ويلاحظ أن هذا يحدث في الأراضي المحتلة وليس في إسرائيل. وهذا يعني أن يهودي إسرائيلي يمكن أن يطرق باب منزل تعيش فيه عائلة فلسطينية لأجيال. ويمكنهم الحصول على أمر من المحكمة بإجبار الأسرة على الخروج؛ ثم ينتقل المستوطنون للعيش فيه. وغالبا ما يضعون العلم الإسرائيلي الضخم على السطح. ويضطر الجيش الإسرائيلي الآن إلى حماية المنزل. لذا فإن الجيران ينظرون فجأة إلى ان شارعهم تحول إلى منطقة عسكرية. يلعب الأطفال بين جنود مدججين بالسلاح ونقاط تفتيش.
كيف يمكن لهذه السياسة أن تعود بالنفع على أمن إسرائيل بأي شكل من الأشكال؟
2 – المستوطنات
يوجد حاليا 600 الف مستوطن اسرائيلى يعيشون فى الاراضى الفلسطينية وعددهم يزداد بسرعة. ووفقا للقانون الدولي فإن المستوطنات غير قانونية. ولا يجوز لسلطة الاحتلال أن تنقل سكانها إلى الأراضي المحتلة. ولكن الجانب الأكثر أهمية ليس فقط نمو عدد المستوطنين، بل المصادرة المنتظمة للأراضي الفلسطينية، وهدم الممتلكات الفلسطينية، واستنزاف الموارد الطبيعية، وإعادة توطين الفلسطينيين قسرا. هذه كلها انتهاكات للقانون الدولي، واستعمار فعلي للفلسطينيين.
وهذه ليست مسألة مبدئية فحسب. لقد شاهدت بنفسي عمليات هدم. لقد تحدثت إلى مزارعين طردوا من الأراضي اللتي عاشوا و عملوا فيها لأجيال. لقد رأيت مستوطنات تغطي مساحات أكبر وأكبر في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، مع جدران أمنية وأبراج مراقبة ومناطق أمنية ضخمة. إذا استمر هذا التطور فستصبح فلسطين مثل الجبن السويسري، حيث كل ما تبقى للفلسطينيين هو الثقوب في هذا الجبن. و عليه يسجن الفلسطينيون في غيتوهات في بلدهم.
كيف يمكن تبرير ذلك بأي حال من الأحوال باعتبارات أمنية؟
- ظروف المعيشة
يتعين على الفلسطينيين في مناطق واسعة من الضفة الغربية تقديم طلبات في إسرائيل لتوسيع منازلهم وحفر الآبار وما إلى ذلك. لكن طلباتهم ترفض بشكل ممنهج ويجدون أيضا أن إمدادات المياه تنقطع وتدمر المنشآت الكهربائية من قبل الجيش. وفي الوقت نفسه يرون أن المستوطنات في المنطقة تتوسع باستمرار وتتيح لهم إمكانية الوصول دون قيود إلى الكهرباء والمياه. لقد وقفت على طريق كان فيه للفلسطينيون على جانب واحد من الطريق قليل من المياه، في حين أن المستوطنين على الجانب الآخر من الطريق لديهم كل المياه التي يحتاجونها. انها ليست مجرد مشكلة للعائلات الفردية والشركات اللتي تضطر للتعامل مع موارد محدودة جدا. وهذا أيضا عقبة كبيرة أمام الاقتصاد الفلسطيني لأنه يعيق خلق فرص العمل. زرنا مزرعة ومصنع للجعة، وكلاهما كانا جيدا جدا في التشغيل و بإمكانات كبيرة. ولكن عندما يكون لديك وصول محدود جدا إلى المياه ولا تعرف متى سيتم قطع، فمن الصعب توسيع الإنتاج.
كيف لكل هذا ان يكون له أي علاقة بالأمن؟
- الجدار الأمني
الجدار الامني الاسرائيلي ليس على الحدود الاسرائيلية ولا يفصل الاسرائيليين عن الفلسطينيين. الجدار يمر عبر فلسطين ويمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مزارعهم الخاصة ومدارسهم ومؤسساتهم ومستشفياتهم ووظائفهم. يعبر آلاف الفلسطينيين الجدار كل يوم، لكن ذلك يتطلب تصاريح وساعات من الانتظار في ظروف فوضوية.
وبالتالي فإن الجدار يشكل خرقا واضحا للقانون الدولي، ولا يمكن تبريره باعتبارات أمنية. وإذا كان الأمر يتعلق بالأمن، فلماذا لم يتم بناء هذا الجدار ليقع على طول الخط الأخضر و هي الحدود المعترف بها دوليا بين إسرائيل وفلسطين؟ ولماذا لا توفر إسرائيل على الأقل عددا من نقاط سليمة التشغيل حتى يتمكن الفلسطينيون من عبور الجدار بسرعة؟ يوميا هناك مشاهد فوضى مع الآلاف من الناس اليائسة حيث يصطفون لساعات وساعات. هذا كله أوجد فقط للازعاج و التحرش.
كيف يمكن لكل هذا ان يكون له أي علاقة بالأمن؟”
وتضيف قائلة: “الحكومة الإسرائيلية تسعى لتحقيق أهداف لا تتعلق بالأمن. الموضوع بكل بساطة يتعلق بانتزاع والاستيلاء على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين. إنه عملية طرد ممنهجة ومتعمدة للفلسطينيين من أرضهم و بلدهم. يجب علينا فضح كل هذا. ومن واجبنا أن ننتقده.
إنني أتطلع إلى الترحيب بالسفير الإسرائيلي الجديد في الدانمرك.و يجب أن يعرف أن العديد من الدنماركيين يتابعون ما يجري في إسرائيل وفلسطين. وكثيرون منا قلقون للغاية. ونحن لن نلتزم الصمت.”