الحديدية (الضفة الغربية)- رويترز: يشعر الفلسطيني عبد المهدي السلامين (76 عاماً) “بالحسرة والذل” وهو يسمع صوت تدفق المياه عبر أنابيب بئر ارتوازية لشركة إسرائيلية لا تبعد عن مسكنه سوى أمتار ولا يمكنه الحصول على شربة ماء منها.
ويسكن السلامين مع أولاده الثلاثة وعائلاتهم في منطقة الحديدية في الأغوار الشمالية بالضفة الغربية المحتلة وسط سهول وجبال قاحلة في فصل الصيف في بيوت من الشعر وأخرى من الصفيح ويعملون في تربية الماشية.
وتحدث السلامين لرويترز بينما كان يمسك بالسياج الذي يلف بئر المياه الارتوازية العائدة لشركة ميكوروت الإسرائيلية التي تضخ منها المياه إلى المستوطنات المجاورة التي استولت على مساحات واسعة من الأراضي وزرعت فيها العنب والنباتات الطبية “هم بكبوا المي وأنا ممنوع أشرب منها”.
وينتظر سكان الحديدية البالغ عددهم حوالي 200 نسمة ويعتمدون في حياتهم على تربية الماشية أن تضخ البئر كميات محدودة من المياه في أنبوب خارجي يعمل السكان على جمعها في خزان حديدي لسقي مواشيهم.
وقال السلامين “أسكن هنا (الحديدية) منذ سبع سنين وبئر المياه لا يبعد عني سوى أمتار، ما بصحلي أشرب منه، ما بقدر أسقي الغنم منه إلا من المية اللي بكبها وكل شي الحمد لله إلهم (لإسرائيل)”.
ويعتمد سكّان التجمّعات على مياه الأمطار القليلة وعلى مياه تُنقل في صهاريج يشترونها من مقاولين.
ويدفع سكان هذه التجمّعات مقابل المياه المنقولة في الصهاريج أسعارا أعلى بأضعاف المرات من سعر المياه المزوّدة عبر الأنابيب.
وتشير بيانات نشرها مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية (بتسيلم) إلى أن حصة المستوطن من المياه في المستوطنات المجاورة لتجمع الحديدية تتجاوز 23 ضعف ما يستهلكه الفرد في هذا التجمع.
وقال المركز على موقعه الإلكتروني إن الحديدية “معزولة عن تزويد المياه الجارية برغم قربها من منشأة لشفط المياه (بئر ارتوازية) تابعة لشركة ميكوروت والتي توفر المياه لمستوطنتي روعي وبكعوت المجاورتين”.
ويضيف “يصل تخصيص المياه اليوميّ للفرد في هاتين المستوطنتين، للاستخدامات البيتية فقط، إلى أكثر من 460 لترًا لليوم، وهو ما يشكل قرابة 23 ضعفًا لاستهلاك المياه في الحديدية (عشرين لترا للفرد)”.
ويقول مركز (بتسيلم) إن إسرائيل “تمنع الفلسطينيين من استخدام معظم مساحة الأغوار بذرائع مختلفة وتقيّد وصولهم إلى مصادر المياه الوافرة في المنطقة وتمنع السكّان الفلسطينيين هناك من بناء منازل لأنفسهم وتوسيع وتطوير بلداتهم”.
ويقول المركز “إضافة إلى ذلك تبذل السلطات الإسرائيلية جهدًا دؤوبًا في خلق واقع معيشيّ لا يطاق لدفع سكّان التجمّعات الفلسطينية إلى مغادرة منازلهم وأراضيهم”.
ويضيف “الغاية من هذه السياسة تعميق السيطرة الإسرائيلية في منطقة الأغوار وضمّها إلى إسرائيل بحُكم الأمر الواقع وضمن ذلك استغلال موارد المنطقة وتقليص الوجود الفلسطيني إلى الحدّ الأدنى”.
وبينما تروى مزارع المستوطنات المجاورة بالأنابيب من بئر المياه المحفورة في أراضي الحديدية منذ سبعينات القرن الماضي لا يجد السكان بديلا سوى نقل المياه بالصهاريج لشرب الماء وسقي مواشيهم وري عدد محدود من الأشجار التي زرعوها حديثاً.
وقال عبد الرحيم بشارات (65 عاماً) والذي يقيم في الحديدية مع 27 من الأولاد والأحفاد “منعاني من جميع مقومات الحياة، ولكن العمود الفقري للحياة هو الماء لأنه بدون أكل بعيش الواحد، بس بدون مي ما بعيش”.
وأضاف “المي اللي بكبوها (المستوطنين) بتسقي تجمعات الحديدية سنة كاملة عندهم غابات من الشجر وعندهم برك سباحة”.
وتابع قائلا “متاح لهم مصادر المياه في أرضنا، ولكن إحنا محرومين منها كوب المي (المتر المكعب) بكلفنا 25 شيكل”.
ويحمل أفراد من عائلة بشارات الماء في دلاء لري الأشجار وسقي المواشي.
وتعمل إسرائيل على منع المواطنين من بناء خزانات مياه أو مد أنابيب مياه من مصادر تابعة للسلطة الفلسطينية. وهدمت إسرائيل في الأيام الماضية خزاني مياه في محافظة طوباس.
وقال يونس العاصي محافظ طوباس بعد عملية الهدم “الاحتلال الإسرائيلي يسعى جاهدا إلى السيطرة على المنطقة عبر تدمير كل مقومات الحياة الإنسانية فيها”.
وأضاف في تصريحات على الموقع الرسمي للمحافظة “الانتهاكات الإسرائيلية تطال وبشكل يومي الأرض والإنسان”.
وتشير معلومات مركز (بتسيلم) إلى أنه في “الفترة بين 2006 وأيلول 2017 هدمت الإدارة المدنية 698 وحدة سكنيّة على الأقلّ في بلدات فلسطينية في منطقة الأغوار” كان يسكنها 2948 فلسطينيًّا بينهم على الأقلّ 1334 قاصرا، وأن 783 من الفلسطينيين الذين هُدمت منازلهم ألمّت بهم محنة هدم منزلهم مرّتين على الأقلّ.
وذكر أنه منذ بداية 2012 وحتى نهاية أيلول 2017 “هدمت الإدارة المدنيّة على الأقلّ 806 مبانٍ لغير أغراض السكن من ضمنها مبانٍ زراعيّة”.
ويضيف المركز أن منع التطوير الفلسطيني في منطقة الأغوار يمسّ على وجه الخصوص بنحو عشرة آلاف فلسطينيّ يسكنون في أكثر من 50 تجمّعا سكّانيا “حيث تسعى إسرائيل بشتّى الطرق لترحيلهم عن منازلهم وأراضيهم”.