ترجمة الاء راضي
كتب: جدعون ليفي
استولى المستوطنون على عشرات الينابيع في الضفة الغربية تقع على أراضي فلسطينية وقاموا بإبعاد أصحابها المالكين، وفي الاسبوع الماضي توفيت المستوطنة رينا شنرب في أحد هذه الأراضي.
ما الذي يمكن أن يكون أكثر سلاماً من مشهد طبيعي وسط الينابيع والتلال والمياه البلورية التي تتدفق بهدوء إلى بركة صغيرة حيث يسبح الناس بفرح! ما الذي يمكن أن يكون أكثر برائة من الآباء والأمهات والأطفال الذين ينتشرون في بركة طبيعية من المياه الخضراء، تختلط بمشاعر الفرح! وما الذي يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من الإشارة الموجودة بجانب أحد ينابيع تقول “اعزائي المتجولون مرحباً بكم في نبع “اَنار” والذي تم بناؤه بفضل جهد مكثف من شباب مستوطنة نيريا القريبة من هنا. لمحبي هذا المكان، لدينا طلب صغير نرجو ارتداء الملابس بطريقة تحترم جميع الزوار ومراعاة احتياجات الاَخرين، لقد بنينا هذا الموقع من أجلك ومن أجل شعب إسرائيل، وهدفنا هو أن يستمتع الجميع بالسير في الينابيع معاً”.
يتأثر القلب بكلمات مثل “عشاق هذا المكان”، “مراعاة احتياجات الآخرين” ، “استمتعوا بالينابيع معاً”. البشر سعيدون، والطبيعة مذهلة لكن الحقيقة أن هذا النبع سُرق من أصحابه ونهب بكل عنف.
تعكس هذه الينابيع مضمون الفصل العنصري، فلا يمكن للمالكين الفلسطينيين أن ينظروا إلا بيأس من نوافذ منازلهم على بساتين الزيتون المهملة وينابيع المياه القريبة التي سُرقت منهم ، والتي أجبروا على التخلي عنها لصالح جشع المسيطرين على الأرض، لقد ولت البساتين والينابيع وغابت العدالة، وكل ذلك بالطبع تحت رعاية الدولة ومؤسساتها.
ووفقاً لدرور إتكس، مؤسس منظمة “كريم نافوت”، وهي منظمة دراسات سياسة الأراضي الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يوجد اليوم أكثر من 60 ينبوع في وسط الضفة الغربية يستولي المستوطنون عليها كجزء من مشروع النهب الذي بدأ منذ 10 أعوام، وتم الانتهاء من أعمال الترميم والتجديد لحوالي نصفها، وأصبح نزع الملكية ومنع الفلسطينيون من الاقتراب من الينابيع وأراضيهم حقيقة مطلقة، ولا زالت الينابيع الأخرى مستهدفة من قبل المستوطنين في المراحل المستقبلية المختلفة.
وفي يوم الجمعة الماضي، تم دفع الثمن فقد كانت المياه ملوثة باللون الأحمر بدم المستوطنة التي قُتلت نتيجة انفجار عبوة ناسفة زرعت بجوار نبع عين بوبين كما أصيب والدها وشقيقها في الانفجار.
وهذا الأسبوع تجولنا في أرض الينابيع برفقة إتكس، الذي كان على دراية تامة بالأرض، (ففي عام 2012 كتب إتكس تقريراً عن سرقة الينابيع الطبيعية لـ OCHA ، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) فهو يعرف كل حظيرة أغنام جديدة قام المستوطنون ببنائها وبكل حجر موجود هناك.
كانت المشاهد ساحرة ولكن الحقيقة وراءها كافية لجعل لنزف الدماء، ففي هذا الأسبوع تم إخلاء العديد من هذه الينابيع المسروقة على الرغم من اوقات الاستراحة لطلاب “يشيفا” ربما بسبب الخوف في أعقاب الهجوم على عين بوبين، التي تقع بالقرب من مستوطنة دوليف والقرية الفلسطينية دير بزيع، هناك طريق صخري طويل يؤدي إلى الموقع الذي يسميه المستوطنون ينابيع داني، المسمى بداني جونين، الطالب الذي توفي قبل أربع سنوات بعد أن غرق فيها.
بنى المستوطنون مسار التل إلى الوادي الخصيب دون إذن بالطبع، ويمر عبر بستان من أشجار الزيتون تعود ملكيته للمزارعين من دير بزيع، ويتم الآن إهمال الأشجار والتربة المحيطة بها غير مزروعة كما انتشرت الشجيرات الشائكة، ولا يُسمح للمزارعين بالوصول إلى ممتلكاتهم إلا يومين أو ثلاثة أيام في السنة، وهناك بعض الجنود المسلحين يندفعون إلينا فجأة من بين أشجار الزيتون في منتصف الطريق المؤدي إلى منطقة عسكرية مغلقة، ممنوع الدخول!
مرة أخرى على الطريق الرئيسي، يرفرف العلم الإسرائيلي الكبير، مرحبا ً بكم في مستوطنات دولف-تلمون، كما تم تدمير البستان الذي يملكه مزارعون من قرية الجانية المجاورة وهناك عين المعراج ، في وسط البستان و تُعرف الآن باسم عين تلمون، ويمر الطريق المؤدي إلى مستوطنة تلمون، مع اعلان هذا هو “درب الدائرة حول الينابيع تلمونيم”، أشجار الزيتون المهملة على طول الطريق المحظور على الفلسطينيين دخوله هي قديمة وتتراكم القمامة حول الينابيع المسروقة بلا رحمة.
هناك مستوطنة شابة وثلاث مستوطنات فتيات من دوليف يغطسون هناك و يرتدين ملابس كاملة ومنديل، الفتيات تنادي على جدتهم، وتوجد حقيبة تسوق من سوبر ماركت رامي ليفي على الأرض، إن الفصل بين الجنسين أمر صعب في هذه الينابيع، هناك أنقاض مزرعة فلسطينية قريبة تشهد على ماض مضى إلى الأبد.
يعزل تلمون البستان عن القرية الفلسطينية التي يتبع لها، وتغني المستوطنة “الدائرة ، الدائرة ، الدائرة ، دعونا نحتفل في دائرة، والجلوس والوقوف” وهي ترتدي حقيبة بماركة “دوريتوس”، و يجلس المستوطنون المراهقون على طاولة للنزهات يرتدون قمصاناً مكتوب عليها “التجربة في المناظر الطبيعية التوراتية”. يُطلق على المستوطنة فوقنا اسم جفعات حبريش (تل البركة)، وأقيمت قاعدة عسكرية فيها لأغراض أمنية.
تؤدي العلامات الموجودة في بستان الزيتون التابع للمزرعة القبلية، شرقي مستوطنة تلمون، إلى ما يسمى تلة فينيارد، ويعلو هذا المشهد السريالي كله فيل ضخم مصنوع من البوليستر فوق التل، وبين منازل “متسبيه حريشة” هناك علامات تؤدي إلى نبع حريشة مكتوب عليها “للعائلات الجديدة: باسم الله نرحب بكم، نحن سعداء لوجودك هنا، مع كل الحب، عائلة حريشة “.
وباسم الله والمحبة سرقوا أيضاً هذا النبع في الوادي.
جندي يصوب وطفل يركب أرجوحة ومركبة تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بمسح الوادي بجهاز غامض حيث وقع الهجوم يوم الجمعة الماضي، أخبرنا جندي أن نبع حريشة قريب جداً من منازل المزرعة القبلية وأنه من الخطر الذهاب هناك، ويذهب المستوطنون هناك مسلحين، وهناك نبع آخر لم يعد ملكاً لأصحابه.
نحن نصعد إلى زيت رعنان (ومعناها “زيتون طازج”)، مستوطنة أخرى تابعة لمستوطنة تلمون. ليس بعيداً عن قبر “نبي أنار”، وبعد ذلك ينحدر الممر عبر بساتين زيتون مهجورة قسراً إلى “ينار أنار”، واسميهما الأصليين عين الشونة وعين البطامة، وقام المستوطنون ببناء ثلاثة حمامات، وكما هو الحال في مواقع مشابهة ، كل شيء مبني بشكل رائع ومجهز بشكل جيد، وهناك حتى علامة برقم هاتف للاتصال في حالة الطوارئ. وفي معايان حاجفين، معيان حناريم ومعيان نيريا: البرك مظللة بأشجار العنب، يتاخمها بستان من أشجار الفاكهة وهي ملك للفلسطينيين.
مجموعة من المراهقين من مستوطنة نيريا ودوليف في الماء يتحدثون عن وعد نتنياهو ببناء 300 منزل في دوليف، وهي بدل الهجوم يوم الجمعة الماضي، ويقول أحد الشباب في محادثة بجانب حمام السباحة مستاءً “يا إخوان ، هذا الوعد يشبه وعده بناء 300 منزل في بيت إيل”.
يقول أحد الشباب في الماء: “سيتم بناء ينبوعين آخرين هنا، يا إخوان”. “سمع أبي الانفجار يوم الجمعة، يمكنك رؤية سيارات الإسعاف قادمة من شرفتنا “.
توجد حقيبة سوبر ماركت بجانب البركة الثالثة على التوالي، مجموعة من صحيفة صهيونية دينية ماكور ريشون هنا لعمل قصة عن الينابيع، سوف تتخذ بالتأكيد وجهة نظر مختلفة تماما، حيث تنطلق الموسيقى العربية من منازل دير عمار بهدوء عبر الوادي، كان بناء الطريق المؤدي إلى هنا غير مصرح به، ولاحظ إتكس أن المستوطنين لم يكلفوا أنفسهم عناء مصادرة الأرض، انهم ببساطة يتصرفون كما لو كان العقار ملكهم.
في الصباح، في الطريق إلى هنا مقابل مستوطنة نيلي قفز إيتكس فجأة في مقعد السائق كما لو كان لدغه ثعبان: لقد لاحظ حظيرة كبيرة للماشية لم تكن هنا قبل أيام قليلة ومنطقة تخزين الحبوب وشاحنة للنوم ومولّد كهربائي وخزان مياه ، هذا يشير انهم على وشك إنشاء مستوطنة أخرى للمستوطنين إلى جانب ضم أجزاء كبيرة من أراضي الرعي لصالح الرعاة الجدد.
وفي الوقت نفسه فوق ينابيع أنار تقوم جرافة بتجريف الأرض في نيريا، ويتجه الشمال نحو الطريق المؤدي إلى مستوطنتي كرم ريم ونهليل. نطفئ الطريق باتجاه وادي الزرقا الملقب بالوادي الأزرق، وتشير لائحة إلى وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2018 إلى أن هذا هو المكان الوحيد الذي فشل فيه المستوطنون في محاولة الاستيلاء عليه: لقد حاولوا الاستيلاء على الينابيع على منحدر التل ولكن الوجود الدائم للفلسطينيين منع المستوطنون من تنفيذ المخطط.
في عين الزيرة، المعروفة أيضاً باسم ينابيع عطيرت، يُدرج فيلم “قّدم بحب” على طاولة النزهة بجانب المسبح، من الصعب التفكير في أي مفارقة، العلم الفلسطيني الضخم الذي يلوح في مدينة روابي الجديدة هو الذي يذكرنا أين نحن أما هنا لا شيء يرمز بذلك.
تنتهي رحلتنا في عين القوص، وهنا مكان يهودي أعيدت تسميته معان مائير أسفل قرية النبي صالح التي اشتهرت بالاحتجاجات المناهضة للاحتلال، ويحرس بعض الجنود أباً متديناً من مستوطنة موديعين إيليت الموجود هنا مع طفليه، وسألنا الجنود من هم المحظور عليهم القدوم إلى هنا، فأجاب أحدهم على الفور “العرب” مضيفًا “هذا المكان مخصص لليهود فقط”.
كلمات الأغنية التي وضعها يورام تاهارليف محفورة على لوحة في ظلال شجرة التين: “قطعة من الجنة، والسماء / لا شيء أطلبه سوى حجر صغير / أضع عليه رأسي / في ظل شجرة الزيتون / وارتاح لأربعين عاماً قادمة”.
المصدر: هاَرتس