الحارث الحصني
لم تكن أكثر من مسيرة سلمية، كشكل من أشكال المقاومة الشعبية، تنديدا بالاستيطان المتسارع في منطقة “الحمة” بالأغوار الشمالية.. هكذا كانت الدعوة التي أطلقتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في طوباس.
لكن الاحتلال قابل سلمية المسيرة بوابل من قنابل الغاز، والصوت، عدا عن ضرب المتظاهرين الفلسطينيين، والمتضامنين الأجانب على حد سواء.
سبق انتهاك جيش الاحتلال، هجوم المستوطنين المسلحين على عشرات المتظاهرين سلميا، وضربهم، وشتمهم، ما قاد لاحتكاك مباشر بالأيدي بينهم في منطقة “الحمة”.
ولهذا التجمع الاستيطاني تاريخ طوله ثلاث سنوات.
في صيف 2016، وضع أحد المستوطنين “كرفانا” صغيرا في “الحمة”، ثم بدأ بالتوسع أفقيا حتى أصبح اليوم نواة تجمع استيطاني جديد في الأغوار الشمالية يمكن مشاهدته من الشارع العام الواصل بين طوباس والأغوار الشمالي، وحتى اليوم لم يحمل ذلك التجمع اسما واضحا.
ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم، تسعى الجهات المختصة لإزالة ذلك التجمع الاستيطاني بكافة الأشكال.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: “تنتشر في الأغوار الشمالية 11 مستوطنة، وثلاث بؤر استيطانية لا تحمل أسماء، والعديد من (الكرفانات) المتناثرة على قمم الجبال المتقاربة”.
لكن، حسب الأرقام الواردة في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017 أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة منها 110 مستوطنات أقيمت دون “مصادقة رسمية من الاحتلال” وتدعى (“بؤر استيطانية”)، وهي بدعم ومساعدة وزارات حكومية.
وأضافت الأرقام المنشورة على موقع المؤسسة الحقوقية أن عدد المستوطنين الذين يسكنون في المستوطنات المذكورة أكثر من 620 ألفا، منهم 413,400 في مستوطنات الضفة الغربية باستثناء القدس المحتلة (وفقا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية محدّثة في نهاية عام 2017) ونحو 209,270 في أراضي الضفة الغربية التي ضُمّت إلى مسطح بلدية الاحتلال في القدس (وفقا لمعطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل، محدّثة في نهاية 2016).
وردا على سياسة الاستيطان، دعت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في كافة المحافظات لانتهاج نمط المقاومة الشعبية.
يوم الخميس الماضي، انطلقت فعاليات المؤتمر الشعبي والوطني والدولي للمقاومة الشعبية، في مخيم الفارعة جنوب طوباس بتنظيم من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ولجان المقاومة الشعبية.
وكان من مخرجات المؤتمر وضع سياسات ورؤى وبرامج لاستمرار والنهوض بالمقاومة الشعبية.
في السنوات الأخيرة انتشر أسلوب المقاومة الشعبية في عدة نقاط تماس مباشر بين الاحتلال والمستوطنين من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى، في مناطق مستهدفة.
وأصبح لهذا الشكل من أشكال المقاومة في كل منطقة طقوس خاصة. ففي منطقة “الحمة” بالأغوار الشمالية رفع المشاركون أعلام دولة فلسطين، وبدأوا بالهتاف ضد الاستيطان، والمستوطنين الذي يستبيحون الأراضي في تلك المناطق.
ظهرا، قبيل وصول الوفود المشاركة في الفعالية، لوحظ عدد من المستوطنين وهم يركضون كدلالة على استنفارهم بسبب تواجد المتظاهرين الفلسطينيين والأجانب. وعندما وصلت تلك الوفود بدأ العراك بالأيادي قبل تدخل جيش الاحتلال لصالح المستوطنين.
وأسفر ذلك عن عدة إصابات بين اختناق، ورضوض. ونقلت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني أحد المسنين بعد إصابته برضوض، والاختناق بقنابل الغاز، وتم معالجة آخرين أصيبوا بالاختناق ميدانيا.
يقول مدير عام العمل الشعبي ودعم الصمود في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة: “هذه الفعالية هي ترجمة للمؤتمر الشعبي والوطني والدولي للمقاومة الشعبية، ونسعى لتوسعة رقعة هذا النوع من أنواع المقاومة”.
وهتف المشاركون في المسيرة باللغتين الانجليزية، والعربية، التي تدعو المستوطنين للرحيل، وأخرى تؤكد عروبة فلسطين.
عندما حضرت قوات الاحتلال إلى المكان في “الحمة”، طاردت المتظاهرين بين بطون الجبال، وبدأت بضربهم وسحلهم، وحاولت اعتقال بعضهم، وقد تواجد المستوطنون في المكان وبدأوا بإطلاق الهتافات المسيئة للمشاركين في المسيرة السلمية.
بعدها تفرق المتظاهرون وتواروا عن الأنظار.
لكن في الوقت الذي ظن فيه الجميع أن الفعالية انتهت، سُمعت أصوات قنابل صوت من مدخل قرية عين البيضاء بالأغوار الشمالية، تبين أن جنود الاحتلال لاحق المتضامنين واحتجزتهم قرب أحد المنازل.
وأصيب في تلك المنطقة شاب حاول الاحتلال اعتقاله فيما بعد، غير أن تشبث المتضامنين به حال دون ذلك، على الأقل حتى لحظة تواجد مراسل “وفا” في المنطقة.
لكن شوهد جنود الاحتلال وهم يقتادون شابا (لم تعرف هويته) مكبلا إلى أحد المركبات العسكرية.
يقول أمين سر حركة “فتح” في طوباس محمود صوافطة: “هذه الفعالية تؤكد عروبة الأرض، نحن في خط متصاعد من فعاليات المقاومة الشعبية في الأغوار الشمالية”.
وعلى فترات متفاوتة، شوهدت قوات الاحتلال وهي تتعارك مع المتظاهرين بالأيادي في عين البيضاء، قبل استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، والصوت.
وبحسب آخر الإحصاءات، أصابت قوات الاحتلال اليوم في الفعالية السلمية خمسة مواطنين، واحتجزت طواقم صحفية، ومنعتهم من التغطية، كما احتجزت مركبة إسعاف واستولت على مفاتيحها.