الرئيسية / ملف الاستيطان والجدار / ضمّ منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية: مناورة انتخابية أم مشروع سياسي موضع التطبيق الفعلي؟

ضمّ منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية: مناورة انتخابية أم مشروع سياسي موضع التطبيق الفعلي؟

ما بدا لوهلة، في أوائل أيلول الماضي، أنه مجرد بالون مناورة انتخابية أطلقه بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات للكنيست الـ 22، التي جرت يوم السابع عشر من ذلك الشهر، يبدو اليوم أنه قد أصبح “مشروعاً سياسياً” إسرائيلياً يتسع ويتعالى الحديث عنه والنقاش حوله والتأكيد على “ضرورة تطبيقه وإخراجه إلى حيز التنفيذ”، الآن وفي أسرع وقت ممكن، وإلاّ فسيكون الأمر بمثابة “إهدار فرصة تاريخية” و”إخفاق خطير” في استثمار التغيير التاريخي الذي حصل في الموقف الأميركي من المستوطنات الإسرائيلية، كما أعلنه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مؤخراً. ولكن جهات إسرائيلية أخرى تصرّ على أن الحديث المتسع والمتعالي عن ضم غور

الأردن، الآن في هذه الأيام، ما هو إلا “شارة الافتتاح” في الجولة الانتخابية القريبة، الثالثة في غضون أقل من سنة، التي يبدو أن إسرائيل متجهة نحوها بصورة شبه مؤكدة.

مناورة انتخابية أم مشروع سياسي؟

في يوم العاشر من أيلول الماضي، قبل موعد الانتخابات البرلمانية العامة في إسرائيل بأسبوع واحد بالضبط، وبينما كانت نتائج استطلاعات الرأي العام تفيد بتراجع في قوة نتنياهو وحزبه الليكود الانتخابية وبتعادل متوقع بين قوته وقوة معسكر الخصم بيني غانتس، زعيم تحالف “أزرق أبيض”، خرج نتنياهو بما هيأ له مقربوه وروّجوا، مسبقاً، بأنه سيكون “إعلاناً دراماتيكياً”. فقد عقد نتنياهو مساء ذلك اليوم مؤتمراً صحافياً خاصاً ومقتضباً أعلن من خلاله أنه سيبادر إلى ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت وفرض السيادة الإسرائيلية عليها بعيد الانتخابات (في 17 أيلول) مباشرة وتشكيله حكومة جديدة، في حال فاز بالأغلبية اللازمة.

وقال نتنياهو، في مؤتمره الصحافي إياه، إن “فرض السيادة على كل المستوطنات والمناطق الاستراتيجية سيكون بالاتفاق مع الولايات المتحدة، لأن صفقة القرن التي تطرحها الإدارة الأميركية تشكل “فرصة تاريخية” لبسط السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية)”، مشدداً على “ضرورة أن يبقي الجيش الإسرائيلي على تواجده في كل غور الأردن” وعلى أن “الحكومة المقبلة ستضع وتنفذ خطة خاصة لنشر وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية في تلك المنطقة”، مؤكداً أن “مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت وهضبة الجولان هي الحزام الأمني الهام لإسرائيل في الشرق الأوسط”!

وأشار نتنياهو، أيضاً، إلى أن ضم منطقة غور الأردن سيكون “الخطوة الأولى لحكومتي الجديدة، بعد الانتخابات مباشرة، إذا ما فزنا بها”، في إطار الطموح الإسرائيلي “لبلوغ حدود ثابتة تضمن عدم تحول الضفة الغربية إلى ما يشبه قطاع غزة”، مضيفاً: “كما سنقوم بضم مستوطنات أخرى، بعد نشر خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب” وختم قائلاً: “أعطوني القوة لأعزز إسرائيل وأمنها”!

وفي إطار إعلان نيته هذه، عرض نتنياهو خرائط لمنطقة غور الأردن، قال إنها (الخرائط) “تابعة للأجهزة الأمنية منذ عام 2013 – 2014″، مؤكدا أنها “تمنح إسرائيل السيطرة حتى الجهة الشرقية التي تمتد من طريق ألون حتى وادي أور، وتستمر حتى عين جدي، وتضم كل الوحدات الاستيطانية الموجودة هناك”.

وقد رأت قطاعات واسعة، سياسية ـ حزبية وشعبية، في المجتمع الإسرائيلي آنذاك أن نتنياهو لا يطلق “خطته” هذه إلا كمناورة أخيرة قبيل الانتخابات، بمثابة محاولة أخيرة، لدرء خطر خسارة الانتخابات، وذلك من خلال إغراء واستمالة أكبر عدد ممكن من المصوتين الإسرائيليين المؤيدين للاستيطان والمستوطنات وللضم، كي يقرروا التصويت لحزب الليكود ونتنياهو مباشرة. وقد كان التعليق الأكثر انتشاراً من جانب خصوم نتنياهو السياسيين ـ الحزبيين على “بيانه الدراماتيكي” هذا هو ما يمكن إيجازه بالكلمات التالية: “هذا كلام فارغ.. إنه (نتنياهو) يخشى المحاكمة بتهم الفساد ويعمل كل شيء لتجنب الخسارة في الانتخابات ثم تجنب عقوبة السجن التي قد تلي خسارة الانتخابات”!

نتنياهو… قبل وبعد!

الذين يعتبرون إعلان نتنياهو بشأن ضم منطقة غور الأردن مجرد مناورة انتخابية لن توضع موضع التطبيق الفعلي، في المستقبل المنظور على الأقل، هم الذين يشيرون أساساً إلى موقف قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذين أبدوا ـ وفق تقارير صحافية نشرت آنذاك ـ غضباً شديداً وصريحاً حيال إعلان نتنياهو يوم العاشر من أيلول، وخصوصاً على خلفية عدم إشراكهم في التحضير لذلك الإعلان وعدم إجراء مداولات ونقاشات معمقة حول الموضوع الذي ينطوي على دلالات وإسقاطات أمنية واسعة وعميقة الأثر، ودون فحص ميزان الفوائد مقابل الأضرار المترتبة على هذه الخطوة.

وفي هذا السياق، كان الصحافي بن كسبيت قد كشف، في صحيفة “معاريف” (13/9/2019)، أن “البيان الدراماتيكي” الذي أعلنه نتنياهو يوم 10 أيلول جاء بتأخير نحو ساعتين بسبب محادثة حادة وصاخبة بينه وبين رؤساء الأجهزة الأمنية، وخصوصا رئيس “الموساد” ورئيس “الشاباك” ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وأن نتنياهو كان ينوي في الأصل الإعلان ـ خلال بيانه الدراماتيكي إياه ـ عن ضم فوري لمنطقة غور الأردن، إلا أنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة بسبب معارضة رؤساء الأجهزة الأمنية وانتقاداتهم، وكذلك بسبب موقف المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، الذي أبلغ نتنياهو بأن حكومة انتقالية (كالتي كانت في تلك الأيام) لا تستطيع اتخاذ مثل هذه الخطوة البعيدة الأثر.

كما يشير هؤلاء إلى موقف نتنياهو السابق الذي كان رافضاً بقوة لخيار ضم منطقة غور الأردن وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، بل كان يؤمن ويعلن، طوال سنوات عديدة، أنه لا يعتبر الاستيطان في تلك المنطقة “أمراً حيوياً”، وفق ما هو مثبت في العديد من الوثائق والتسجيلات. ويذكر هؤلاء، بشكل خاص، أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، كان قد حاول في العام 2014 دفع مبادرته للسلام وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، بنيامين نتنياهو، “وافق على التنازل عن مستوطنات الغور، على إخلائها وعلى الإبقاء على الحضور الأمني الإسرائيلي فقط هناك”. أما الموضوع الوحيد الذي كان موضع خلاف ونقاش آنذاك فهو، كما يؤكد هؤلاء، هو الفترة الزمنية التي سيستمر فيها التواجد الأمني المذكور.

ويذكّر هؤلاء، أيضاً، بأن نتنياهو نفسه أعلن، في خطاب ألقاه في العام 2011 من على منبر الكنيست، عشية زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة، أنه “يصرّ فقط على تواجد أمني إسرائيلي في منطقة غور الأردن”! وأضاف: “الدولة الفلسطينية ستقوم فقط من خلال تسوية سلمية لا تمس بأمن إسرائيل. هذه الدولة يجب أن تكون منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية جدية في الميدان، بما فيها وجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد على طول نهر الأردن”.
ويؤكد هؤلاء أن موقف نتنياهو هذا مثبت في العديد من الشهادات التي أدلى بها أشخاص عايشوا المرحلة وتفاصيلها عن كثب، كما أنها مثبتة أيضاً في مذكرات جون كيري نفسه.

وغداة إدلاء نتنياهو بـ “بيانه الدراماتيكي” يوم 19 أيلول، نشر مارتن إنديك، المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط والسفير الأميركي الأسبق في إسرائيل، تغريدة على حسابه على موقع “تويتر” أكد فيه أن “نتنياهو هو الذي كان يعتقد ويكرر أن ضم منطقة غور الأردن ليس ضرورياً”.

وكذّب إنديك ادعاء حزب الليكود في إحدى دعاياته الانتخابية آنذاك (في انتخابات أيلول 2019) بأن بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة (2013 – 2014)، كان يعارض ضم غور الأردن. وأوضح إنديك إن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أعد مسودة أولية لاتفاقية سلام تقضي بـ”الإبقاء فقط على وجود عسكري إسرائيلي، علني وخفي، في المناطق (الفلسطينية)، وكذلك في غور الأردن”. وأضاف: “الوحيد الذي عارض المسودة وتنازل إسرائيل عن غور الأردن هو موشيه يعلون، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع. وقد منع يعلون غانتس من الحديث عن هذه الخطة مع أي من المسؤولين الأميركيين”.

نتنياهو يعود إلى مناورته/ مشروعه!

ما أن أدلى وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ببيانه “التاريخي” ـ كما وصفته إسرائيل ـ الذي قال فيه، يوم 18 تشرين الثاني الجاري، إن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في “يهودا والسامرة” (الضفة الغربية) وفي غور الأردن “انتهاكاً للقانون الدولي”، وهو ما يتناقض تماماً مع إعلان الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جيمي كارتر، في العام 1987، بأن المستوطنات غير شرعية وتتناقض مع القانون الدولي ـ حتى سارع نتنياهو إلى “دعوة بيني غانتس لتشكيل حكومة وحدة قومية يكون في طليعة مهامها ضم غور الأردن إلى إسرائيل وفرض السيادة الإسرائيلية على هذه المنطقة”، إلى جانب إطلاق العنان لمبادرات تشريعية في الكنيست لسن قانون خاص لضم غور الأردن إلى إسرائيل.

فقبيل إعادة غانتس التفويض بتشكيل حكومة جديدة إلى رئيس الدولة وقبل إعلان المستشار القانوني للحكومة قراره تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، توجه الأخير، يوم 19 تشرين الثاني الجاري، إلى زعيم تحالف “أزرق أبيض”، بيني غانتس ودعاه إلى تشكيل “حكومة وحدة قومية” تقوم “بضم غور الأردن وترسم الحدود الشرقية لدولة إسرائيل”.

وقال نتنياهو، في شريط مصور نشره على صفحات التواصل الاجتماعي: “القرار التاريخي الذي أصدرته الإدارة الأميركية يوم أمس يمنحنا فرصة لمرة واحدة من أجل ترسيم حدود دولة إسرائيل من الشرق، وذلك من خلال ضم غور الأردن”. وأضاف: “ولهذا، أدعو بيني غانتس إلى تشكيل حكومة وحدة قومية يكون الموضوع الأول على جدول أعمالها، في يومها الأول، ضم غور الأردن إلى إسرائيل”! وختم بالقول: “الشعب والتاريخ لن يغفرا لمن يهدر هذه الفرصة التاريخية”!

وفي موازاة ذلك، وكجزء من الاستعداد للمعركة الانتخابية الجديدة، الوشيكة، أطلق نتنياهو العنان للمساعي التشريعية في الكنيست لسن قانون يقضي بضم غور الأردن إلى إسرائيل. فقد أعلنت عضو الكنيست شارون هاسكيل، من الليكود، أن رئيس الحكومة، نتنياهو، حثها على تسريع البحث في الكنيست حول مشروع القانون الذي كانت تقدمت به لهذا الغرض قبل نحو أسبوعين. وقالت هاسكيل إنه في أعقاب إعلان الإدارة الأميركية أن “المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) شرعية”، توجهت إلى اللجنة المختصة في الكنيست لتقصير إجراءات التشريع، على أن يكون الموعد المراد لإنجاز عملية سن هذا القانون هو الأسبوع المقبل، حداً أقصى. وقالت إنها تبني على “التعهد الذي قطعه حزب أزرق أبيض إبان الانتخابات الأخيرة بأن يسعى إلى سن قانون لضم غور الأردن إلى إسرائيل”. وتوقعت هاسكيل أن يحظى اقتراح القانون هذا بتأييد “لا أقل من 80 عضو كنيست”.

يذكر أن هاسكيل كانت وضعت اقتراح القانون على طاولة الكنيست الـ 20، للمرة الأولى، ثم عادت وطرحته الآن، من جديد، رغم الانسداد الحاصل على جبهة المحاولات لتشكيل حكومة جديدة.

من جهة أخرى، قدمت عضو الكنيست أييلت شاكيد، رئيسة حزب “اليمين الجديد” ووزيرة العدل السابقة، الأسبوع الماضي، اقتراح قانون “لبسط السيادة الإسرائيلية” (أي، ضمّ، لكن من دون استخدام كلمة “ضم”!) على “مناطق غور الأردن، غوش عتصيون ومعاليه أدوميم، بما فيها أيضاً المناطق التجارية والصناعية، المواقع الأثرية، الشوارع وأراضي الدولة التي تقع بين المستوطنات في المنطقة ج”. وقالت شاكيد: “أمامنا الآن فرصة سياسية وجاهزية عالية من جانب الولايات المتحدة لإنجاز إجراءات الضم هذه، وهي فرصة لن تتكرر. ولذا، ممنوع التردد أو التلكؤ بل ينبغي الاستغلال الفوري والسريع لهذه الفرصة والشروع في عملية بسط السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق”.

 

تمثل منطقة غور الأردن، التي تبلغ مساحتها 2400 كيلومتر مربع، حوالي ثـُلث مساحة الضفة الغربية، ويقع معظمها على طول الجانب الشرقي من الأراضي القريبة من الحدود الأردنية. وتقع معظم أراضي غور الأردن في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية، التي تسيطر إسرائيل على 60 في المئة منها فعلياً.

غور الأردن هو القطاع الشرقي للضفة الغربية، والذي يمتد على طول حوالي 120 كيلومتراً، من منطقة عين جدي قرب البحر الميت جنوباً ولغاية “الخط الأخضر” جنوبي بيسان (بيت شان) شمالاً. ويبلغ عرض هذا القطاع حوالي 15 كيلومتراً. يعيش اليوم في هذا القطاع أكثر من 60 ألف فلسطيني، في حوالي عشرين بلدة ثابتة، بما في ذلك مدينة أريحا، وبضعة آلاف في بلدات مؤقتة.

منذ احتلال الضفة الغربية، اعتبرت جميع حكومات إسرائيل هذا القطاع بمثابة “الحدود الشرقية” لدولة إسرائيل ولم تغب يوماً نوايا ضمه إليها. ومن أجل تعزيز سيطرتها على المنطقة، أقامت إسرائيل في الأغوار، منذ مطلع سنوات السبعينيات، 26 مستوطنة، يسكن فيها اليوم حوالي 9 آلاف مستوطن إسرائيلي، من أصل 400 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية التي بنيت على أراضي الفلسطينيين، البالغ تعدادهم 7ر2 مليون نسمة.

على مدار السنين، منذ احتلاله، أعلنت إسرائيل عن الغالبية العظمى من أراضي هذا القطاع “أراضي دولة”، وجرى ضمها إلى مناطق النفوذ التابعة للمجالس الإقليمية “عرفوت هيردين” و”مجيلوت” التي تعمل في إطارها معظم المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة. وفي إطار اتفاقية أوسلو، تم تعريف هذه المنطقة، باستثناء جيب يضم مدينة أريحا وبعض المساحات التي تحيط بها، على أنها مناطق C، التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة تامة.

لمنطقة غور الأردن أهمية كبيرة من الناحية الإستراتيجية وتتخذ العديد من الشركات الإسرائيلية منها مقراً لها، وخصوصا الشركات الزراعية.

يسعى الفلسطينيون لأن يكون غور الأردن الحد الشرقي لدولة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنهم يرون إن السيطرة الإسرائيلية على عمق الضفة الغربية تنهي فعلياً ونهائياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.

ويعتبر المسؤولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل، ومنذ فترة طويلة، أن غور الأردن منطقة إستراتيجية “لا يمكن التخلي عنها أبداً”!! وتعلن إسرائيل منذ فترة طويلة أنها تعتزم الحفاظ على السيطرة العسكرية هناك، حتى في ظل أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

تراجعت إسرائيل عن بناء الجدار الفاصل الشرقي الذي خططت لبنائه على امتداد الحدود الغربية لغور الأردن، وذلك بسبب موجة الانتقادات الدولية الشديدة، وفي أعقاب القرار الصادر عن “محكمة العدل العليا” في حزيران 2004. لكن، ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بهذه الوسيلة، قامت به بطريقة أخرى. فمنذ العام 2005، تفرض إسرائيل في غور الأردن سياسة مشددة من التقييد على حركة وتنقل الفلسطينيين. وقد جاءت هذه السياسة لتحل محل الجدار الفاصل المُلغى.

إلى الغرب من غور الأردن، أقامت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة أربعة حواجز ثابتة. في العام 2005، شدد الجيش بصورة ملحوظة من التقييدات المفروضة على هذه الحواجز وأتاح المرور فقط لسكان غور الأردن على أساس بطاقة الهوية، شرط أن يكون العنوان المسجل في بطاقة الهوية هو إحدى قرى الغور. أما باقي سكان الضفة الغربية، فيُطلب منهم في هذه الحواجز إبراز تصريح خاص يتم إصداره من قبل “الإدارة المدنية”. وبدون هذا التصريح، لا يتيح الجيش الإسرائيلي المرور إلا في “الحالات الإنسانية” فقط. ولا يسري هذا المنع على دخول المواطنين من الضفة الغربية إلى مدينة أريحا، غير أن السفر من أريحا شمالاً إلى باقي أجزاء الأغوار محظور على الفلسطينيين، وبضمنهم سكان أريحا أنفسهم، باستثناء حملة التصاريح. فـ”الفلسطينيون الذين يتم ضبطهم في الأغوار بدون تصريح، يتم تحويلهم إلى الشرطة”، كما يقول المتحدث الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي.

وفي رده على توجه منظمة “بتسيلم” حول هذا الأمر، في كانون الثاني 2006، يعقد المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي تمييزاً واضحاً بين “مناطق يهودا والسامرة” (الضفة الغربية) وبين “الأغوار”. ويتضح من هذا التمييز أن إسرائيل لا ترى في الأغوار وحدة جغرافية واحدة مع باقي مناطق الضفة الغربية.

يشكل فصل القطاع الشرقي عن باقي الضفة الغربية مساً صارخاً بحقوق الفلسطينيين الأساسية في تلك المنطقة. فالشارع رقم 90، الذي يشق المنطقة على امتدادها، كان يُستعمل في الماضي شارعاً رئيسيا بين شمالي الضفة الغربية وبين أريحا وجسر اللنبي، حيث المعبر الوحيد بين الضفة الغربية والأردن وباقي العالم. ومع انطلاقة الانتفاضة، حظر الجيش الإسرائيلي سفر السيارات الخصوصية على هذا الشارع، غير أنه سمح لسيارات الأجرة والسيارات الخصوصية المزودة بتصريح بمواصلة السفر عليه. ومنذ إغلاق الأغوار خلال العام 2005، يتم تحويل مسالك سفر السيارات الخصوصية الفلسطينية إلى شوارع ثانوية، من خلال زيادة تكلفة السفر وإطالة مدته.

الفلسطينيون الذين يسكنون خارج الأغوار ويمتلكون أراضي زراعية في نطاقها، جرى فصلهم عن أراضيهم. ويتضح من التحقيق الذي أجرته منظمة “بتسيلم” أن الكثير من الفلسطينيين، ونتيجة لإغلاق الأغوار، فقدوا مصادر رزقهم، وخاصة منهم من يعيشون في القرى المحاذية للأغوار وكانوا يعتاشون من العمل في الأراضي الزراعية.

يمنع الجيش الإسرائيلي سكان القرى الفلسطينية الواقعة شمالي جيب أريحا من استضافة أقاربهم وأصدقائهم الذين يعيشون خارج الأغوار وفي أريحا. فتنظيم مناسبة كثيرة المشاركين، مثل حفل زواج أو جنازة، أصبح مهمة شبه مستحيلة. النساء اللاتي تزوجن من رجال يسكنون في الأغوار وانتقلن للعيش معهم في المنطقة دون أن يبدلن البند الخاص بالعنوان في بطاقة الهوية، لا يخرجن من منطقة القرى خشية منعهن من العودة إلى بيوتهن. وقد توقف الكثير من مزودي الخدمات عن الوصول إلى هذه القرى.
في نيسان 2007، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، رداً على توجه “جمعية حقوق المواطن” إليها، أنه ابتداء من نهاية أيار 2007 سيتم إلغاء منع الحركة الذي يحول دون دخول الفلسطينيين إلى غور الأردن. وأضافت أنه في ختام الفحص المجدد بخصوص الحاجة إلى الاستمرار في فرض القيود على الحركة في الأغوار، تقرر رفع القيود على حركة التنقل بحيث يكون الدخول إلى منطقة غور الأردن متاحاً لجميع سكان الضفة، طبقاً للفحص الأمني في نقاط الفحص المختلفة.

بالإضافة إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة في منطقة الأغوار، فقد فرضت في أيار 2005 حظراً جارفاً وشاملاً على دخول الفلسطينيين إلى منطقة شمال البحر الميت، الموجود في مناطق الضفة الغربية. وقد تم فرض هذا الحظر بواسطة منع مرور الفلسطينيين عبر حاجز “ألموج”. وقد كان الجزء الشمالي الشرقي من البحر الميت على مدار سنوات كثيرة منطقة ترفيه أساسية لسكان الضفة الغربية، غير أن هذه الشواطئ جرى فصلها عن باقي مناطق الضفة، بما في ذلك غور الأردن، واليوم يحظر الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين زيارتها. في السنوات الأخيرة، سُمح بالمرور عبر حاجز “ألموج” بصورة عامة، فقط لمن يحملون تصاريح عمل في المستوطنات المجاورة وتصاريح دخول إلى إسرائيل. وابتداء من شهر أيار 2007، تحظر إسرائيل الدخول حتى على هؤلاء. كما يعتبر البحر الميت مورداً اقتصادياً من الدرجة الأولى، في مجال الصناعات والسياحة، غير أن إسرائيل، ومنذ بداية الاحتلال، تمنع الفلسطينيين من استغلاله من خلال التقييدات التي تفرضها عليهم.

وتعتبر منظمة “بتسيلم” أن السياسة التي تطبقها إسرائيل في القطاع الشرقي، إلى جانب تصريحات المسؤولين الرسميين الكبار حول هذه القضية، تشير إلى أن “الدافع من وراء سياسة إسرائيل ليس أمنياً بل سياسيّ: ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل من الناحية الفعلية”!

 

 

 

عن مركز مدار

 

عن nbprs

شاهد أيضاً

إصابة شاب برصاص الاحتلال خلال هجوم للمستوطنين على بلدة قصرة

أصيب أمس الثلاثاء، شاب برصاص الاحتلال الحي في بلدة قصرة، جنوب نابلس، وذلك خلال هجوم …