تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشتى الطرق والوسائل فرض سيطرتها الكاملة على مدينة القدس المحتلة، وترسيخ وجودها فيها، في مقابل إنهاء الوجود الفلسطيني، وتهويد معالم المدينة العربية الإسلامية والمسيحية.
ولم يكتف الاحتلال بمصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وإقامة الحفريات والأنفاق أسفل المسجد الأقصى المبارك ومحيطه، بالإضافة إلى تنفيذ عشرات المشاريع الاستيطانية والتهويدية بالمدينة، بل عمل على إقامة آلاف القبور اليهودية وحتى الوهمية منها، وذلك في محاولة لتعزيز الوجود اليهودي فيها.
المقبرة اليهودية على امتداد سفوح جبل الزيتون/ الطور شرقي المسجد الأقصى، تعد أقدم وأكبر مقبرة يهودية في القدس، وتقع على مساحة أرض تُقدر بنحو 250 دونمًا، وهي قائمة على أرض وقف إسلامي منذ 130 عامًا، وسبق أن جرى “تحكيرها” وتأجيرها لمدة 99عامًا، لإحدى المؤسسات اليهودية لدفن الموتى اليهود فيها.
لكن انتهت مدة تأجيرها منذ سبعينات القرن الماضي تقريبًا، وهناك وثائق موجودة في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تؤكد ذلك.
ومنذ احتلاله مدينة القدس عام 1967، عمل الاحتلال على توسيع المقبرة بشكل كبير وشيئًا فشيئًا، وعزز من سيطرته على الأرض الوقفية لمئات الدونمات، وحرص على دفن كافة اليهود بداخلها بسبب “قدسيتها بحسب معتقداتهم”، حيث تضمّ رفات شخصيات إسرائيلية دينية وسياسية.
وبادعاء “امتلاء المقبرة، والتغلب على نقص قبور اليهود بالقدس”، أقدمت سلطات الاحتلال على إقامة مقبرة يهودية ضخمة ابتداءً من نهاية أسفل المقبرة القديمة في جبل الزيتون وحتى وادي سلوان.
حرب خفية
وتعتبر إقامة المقبرة على مساحة تبلغ 16 دونمًا، من المشاريع التهويدية التي تنفذ تحت الأرض بهدف تهويد المنطقة بالكامل، “فهناك حرب إسرائيلية خفية تشن فوق الأرض وتحتها”. يقول المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب
ويوضح أبو دياب لوكالة “صفا” أن المقبرة اليهودية سيتم وصلها مع ما يسمى بـ”المسارات التلمودية” في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، بحيث تتسع لأكثر من 24 ألف قبر يهودي.
ويشير إلى أن الاحتلال أغلق الشارع الرئيس الذي يمر عبر المقبرة القديمة في جبل الزيتون وحتى منطقة عين سلوان، وصادر الأراضي بالمنطقة، لصالح إقامة المقبرة الجديدة.
والهدف الإسرائيلي من إقامة القبور اليهودية-وفق أبو دياب-تعزيز الوجود اليهودي في المدينة المقدسة، وغسل أدمغة الزوار والترويج للرواية التلمودية المزورة على حساب الرواية الفلسطينية، بزعم أن “المنطقة تحاكي حضارة يهودية منذ آلاف السنين”.
ولهذه القبور خطر وتأثير كبير على المسجد الأقصى والمقدسيين، كونها ستعمل على إغلاق أفق الأقصى وإبعاد المقدسيين عن المنطقة، ووضع اليد على مساحات شاسعة من أراضيهم. وفق أبو دياب
ولم يكتف الاحتلال بإقامة القبور والمدافن، بل عمل أيضًا على زرع آلاف القبور الوهمية في مدينة القدس، وغالبيتها موجودة في سلوان وجبل الزيتون، وهنا يوضح أبو دياب أن هناك نحو 18 ألف قبر يهودي، 50% منها قبورًا وهمية.
تعزيز السيطرة
الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى يؤكد أن سلطات الاحتلال تسعى من خلال إقامة المقبرة الجديدة لتعزيز سيطرتها على القدس فوق الأرض وتحتها، وجعل المنطقة كلها ذات طابع يهودي، ترسخ الوجود اليهودي بالمدينة المقدسة.
ويوضح في حديثه لوكالة “صفا” أن الاحتلال رصد مبلغ 90 مليون دولار لإقامة المقبرة، بعمق 50 مترًا تحت الأرض وبعرض 16 مترًا مربعًا.
وبحسب عيسى، فإن الاحتلال استغل المقبرة القديمة، رغم أنها مقامة أرض فلسطينية وقفية، وعمل على توسعتها بشكل متواصل حتى أصبحت من أكبر المقابر التي يدفنون فيها موتاهم.
ويشير إلى أن الاحتلال بدأ بتنفيذ مخططه لإقامة المقبرة على أرض الواقع، حيث تم تجهيز ما لا يقل عن 8 آلاف قبر يهودي، محذرًا في الوقت نفسه من خطورة إقامة المقبرة اليهودية، باعتبار أنها مقامة شرقي المسجد الأقصى.
ويؤكد أن الاحتلال يحاول بشتى الوسائل والطرق للسيطرة الكاملة على القدس، وتهيئة الأجواء لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية بهدف إقامة مشروع “القدس الكبرى”.
رنا شمعة/وكالة صفا