نشر “معهد بروكينغز للأبحاث” في واشنطن نتائج استطلاع مفصل نظمه الباحث الأكبر في المعهد، والأستاذ بجامعة ميريلاند، شبلي تلحمي، يسلط الضوء على آراء الأميركيين تجاه حركة “المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، يظهر انقساما واضحا بين الأميركيين حول هذه المسألة، كما ويعكس إلى حد كبير مدى معرفتهم بالموضوع، ومواقفهم تجاه “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
ويقول تلحمي في استطلاعه الذي نشر الجمعة/ 10 كانون الثاني 2020 أنه “على الرغم من أن الأميركيين منشغلون بعملية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبمجموعة كبيرة من التطورات الإخبارية الحامية الأخرى مثل إيران والعراق، الا أن قضية السياسة الأميركية تجاه إسرائيل لم تتفادى الجدل الوطني الأميركي في الآونة الأخيرة”.
ويشير تلحمي، وهو فلسطيني الأصل، ويعتبر من أبرز الباحثين الأميركيين المختصين بالاستطلاعات السياسية إلى أن القرار التنفيذي الذي وقعه ترامب يوم 11 كانون الأول 2019 الماضي بشأن محاربة معاداة السامية ، والذي اعتبره البعض محاولة لتقييد حرية التعبير التي تنتقد إسرائيل وسياسة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والذي جاء بعد قرار أصدره مجلس النواب في تموز الماضي، وتناول مباشرة حركة المقاطعة BDS، جعل من موضوع المقاطعة مسألة اهتمام لدى الأميركيين وقضية أكثر بحثا بينهم مما كان متوقعا.
ويتساءل تلحمي: كم يعرف الأميركيون عن مسألة مقاطعة إسرائيل BDS وما رأيهم في ذلك؟ هل يهم الأمر العملية السياسية الأميركية؟ وهو ما أراد الإجابة عليه عبر استطلاعه “وجه نظر الأميركيين للقضايا الحرجة” برعاية جامعة ماريلاند.
وأظهر الاستطلاع أن التغيير الأكثر أهمية هو ما حدث عبر السنوات العشر الماضية (ويحدث حاليا) في المواقف الأميركية العامة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو زيادة الاستقطاب (والانشقاق) الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين في مسألة التأييد غير المشروط لإسرائيل، التي كانت في السابق مسألة لا تنعكس على الحزب كون أن الحزبين الرئيسيين أيدا في السابق إسرائيل دون سؤال.
ويقول تلحمي “في السنوات الثلاثين الماضية التي قضيتها في إجراء استطلاعات للرأي العام حول هذه المسألة ، كان الحال دائمًا هو أن غالبية كبيرة من الأميركيين، أي حوالي ثلثيهم، أرادوا من الولايات المتحدة ألا تتخذ أي جانب من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا الوضع لم يتغير كثيرا. ما تغير على مدار العقد الماضي هو أن الجمهوريين (واليمين المحافظ) ازدادوا تأييدا لإسرائيل ويعبرون بدرجات أعلى عن ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة الجانب الإسرائيلي بدلاً من الحياد، بحسب الاستطلاع”.
ويضيف “على النقيض من ذلك، دعم عدد متزايد من الديمقراطيين (أكثر من 80% مؤخرًا) ضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة موقف الحياد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فيما عبرت شرائح متساوية في الحزب ضرورة دعم طرف على حساب الآخر”.
ويشرح تلحمي “عندما بدأت في مراقبة هذه الاتجاهات خلال إدارة (الرئيس السابق باراك) أوباما، لاحظت أيضًا أن الفجوة بين الديمقراطيين المنتخبين ودوائرهم الانتخابية حول هذه القضية آخذة في الازدياد، مع تزايد انتقاد الناخبين لإسرائيل أكثر من السياسيين الذين يمثلونهم”. ويضيف “من المجالات التي شهدنا فيها زيادة الاستقطاب واتساع الفجوة (بين الناخبين الديمقراطيين والذين يمثلونهم) الاستعداد لدى القواعد الانتخابية للعمل ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، خاصة أنه ومنذ بضع سنوات وحتى الآن، أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن غالبية الديمقراطيين يريدون اتخاذ إجراءات ضد المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك فرض العقوبات، في حين أن الجمهوريين والمستقلين أرادوا ألا يفعلوا شيئًا” مفسرا أنه لم يستخدم حركة المقاطعة BDS كمسألة للاستفسار بشأنها، كونها لم تكن موجودة او تحظى باهتمام الاميركيين، ولكن ذلك تغير بعد أن اتخذ عدد من أعضاء الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ (خاصة من الحزب الجمهوري) بدفع من منظمات اللوبي الإسرائيلي لسن قوانين تحرم مقاطعة إسرائيل أو حتى تجريمها كما رأينا بقرار الرئيس ترامب التنفيذي الذي اتخذه يوم 11/12/2019 الأمر الذي وضع قضية المقاطعة في صلب الجدل الدائر حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال تلحمي “في شهر تشرين أول الماضي، أضفنا لاستطلاع القضايا الحرجة بجامعة ميريلاند أسئلة حول حركة BDS، بدءاً من سؤال اختبار لتحديد مدى سماع المستجيبين للحركة: (هل سمعت عن BDS، أو المقاطعة ، وسحب الاستثمارات ، و حركة العقوبات تستهدف إسرائيل؟) حيث أجاب ما يقرب من نصف المجيبين (49%) بأنهم سمعوا عن BDS “قليلا” فيما قالت غالبية المشاركين، بما في ذلك غالبية كبيرة من الجمهوريين، بأنهم يعارضون الحركة.
لكن المسألة كانت مختلفة بين الديمقراطيين، حيث قالوا بأنهم سمعوا “قليلاً” على الأقل عن الحركة فيما أظهر عدد كبير منهم 48% بأنهم يؤيدون الحركة، وقال 15% (من الديمقراطيين) فقط إنهم يعارضونها.
يشار إلى أن الذين قالوا بأنهم سمعوا “قليلاً” حول BDS وهم على الأرجح أقل إطلاعًا على الحركة من أولئك الذين قالوا إنهم سمعوا “بقدر جيد” أو “كثيرًا” ، حيث وجد الاستطلاع أن غالبية المستجيبين المطلعين بشكل أفضل من الديمقراطيين الذين قالوا إنهم سمعوا “جيدا” أو “كثيرا” عن BDS أيدوها بنسبة عالية (66%)، مقارنة بـ 37% من المؤيدين الذين قالوا إنهم سمعوا “قليلاً” عنها.
وطرح على الذين تم استفتاءهم “حجتين نموذجيتين” من الخطاب العام لصالح وضد حركة BDS للتحقيق في مدى اتفاقهم أو عدم موافقتهم حيث “وجد الاستطلاع أنه وبشكل عام ، قال 36% من المستطلعين بأنهم يتفقون مع الحُجة القائلة بأن BDS هي وسيلة شرعية وسلمية لمعارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وانها مستوحاة من حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأن حركة المقاطعة تحث على اتخاذ إجراءات للضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي. وأن معارضة السياسة الإسرائيلية لا تساوي معاداة السامية فيما عارضها 43% بين الجمهوريين.
في الوقت نفسه، يشير تلحمي الى ان”49 % من المستطلعين أفادوا بأنهم يعارضون BDS بغض النظر عن الكيفية التي تُعرّف بها الحركة نفسها، /فهي منظمة معادية لإسرائيل تحاول إضعاف إسرائيل وتقويض شرعيتها، وبعض مؤيديها معارضون لوجود إسرائيل ذاته وقد يكونون معادون للسامية/”.
ويقول تلحمي بأنه وبعد إعطاء المستطلعين الفرصة لتقييم كل حجة بشكل مستقل ، سُئلوا بعد ذلك أي حجة يؤيدون، حيث اتضح تماما الانفصام الحزبي، حيث قال 77% من الديمقراطيين بأن حجة دعم BDS أقرب إلى وجهة نظرهم فيما عارضها 85% من الجمهوريين.
ويضيف “بصرف النظر عن الأسئلة الخاصة بحركة BDS ، فقد تم تقديم سؤال لجميع المستطلعين بشأن سن قوانين وتشريعات تحد من حق الناس في مقاطعة إسرائيل، ويبدو أن المشاركين يتجاوزون الفجوة العامة ، بغض النظر عن وجهات نظرهم بشأن BDS أو مقاطعتهم لإسرائيل على نطاق واسع: فغالبية من الديمقراطيين (80%) والجمهوريين (62%) والمستقلين (76%) يعارضون سن قوانين تقيد حق المقاطعة، كون ذلك ينتهك الحق الدستوري في حرية التعبير والاحتجاج السلمي”.
وحول أثر ذلك على الانتخابات، يشير الباحث إلى أن أغلبية الجمهوريين يؤيدون إسرائيل بغض النظر عما تمارسه من انتهاكات للقانون الدولي أو لحقوق الإنسان الفلسطيني، بينما بدأت أغلبية من الناخبين الديمقراطيين بتوجيه أسئلة حرجة للمرشحين الديمقراطيين، مثل ربط المساعدات لإسرائيل بسياستها تجاه الفلسطينيين، مما أقحم هذه المسألة في صلب النقاش، ودفع مرشحين بارزين على الأقل مثل بيرني ساندرز وإليزابث وورن للقول بأنه في حال انتخابهما فانهما سيستخدمان المساعدات الأميركية لإسرائيل كوسيلة لضمان التزام إسرائيل بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.