عزز إصدار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، “قائمة سوداء” بأسماء 112 كيانا تجاريا يساهم في أنشطة استثمارية غير قانونية، بالمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من مخاوف المسؤولين الإسرائيليين من استخدام القائمة لتشجيع مقاطعة واسعة النطاق لعمل القطاع الخاص في إسرائيل.
وسارعت السلطات الإسرائيلية للإعلان عن رفضها للقائمة. وهدد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرد على نشر اللائحة؛ وقال في بيان “من يقاطعنا ستتم مقاطعته (..) نرفض بشدة هذه البادرة الكريهة”، فيما اعتبر وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، “إنه استسلام مخجل للدول والمنظمات التي مارست ضغوطا من أجل الإضرار بإسرائيل”، وزعم كاتس أن “غالبية الدول رفضت الانضمام إلى حملة الضغط السياسي هذه”.
ولفت الموقع الإلكتروني لصحيفة “يسرائيل هيوم” إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهت قنصلياتها في الولايات المتحدة بالاتصال بحكام الولايات حيث تقع مقرات الشركات الأميركية التي وردت بالقائمة السوداء، لحثها على إصدار بيانات إدانة للتقرير الأممي الذي تضمن قائمة بأسماء الشركات التي تنشط في المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في المناطق المحتلة.
وأشار موقع الصحيفة إلى أن 28 ولاية أميركية أقرت خلال السنوات الماضية تشريعات تجرم دعم نشاطات حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمار منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وبالتالي لا يُسمح للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية التي ورد ذكرها في القائمة السوداء، قانونًا، تغيير أنشطتها في أعقاب نشر التقرير الأممي. ما ينطبق مثلا على شركة AirBnb التي يقع مقرها الرئيسي في فلوريدا، وEXPEDIA التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها.
وعلى صلة، أكد الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” (واينت)، أنه سيكون لنشر القائمة السوداء آثار عديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبحسب الصحيفة فإن نشر القائمة سيشكل ضغوطًا شديدة على الشركات الدولية التي تعمل أيضًا في الضفة الغربية، وقد يتسبب ذلك في توقف بعضها عن العمل في المناطق المحتلة. كما أبرز الموقع المخاوف الإسرائيلية من توقف عمل بعض الشركات التي أدرجت القائمة السوداء في إسرائيل ككل، لأنهم لن يكونوا قادرين على التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة.
وسياسيًا، اعتبر “واينت” أن نشر القائمة يشكل ضربة قوية لإسرائيل، وذلك لتوقيته الذي يأتي بعد الإعلان عن خطة الإملاءات الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، وقبل أقل من شهر علة موعد الانتخابات الإسرائيلية.
وبينما أعطت خطة إدارة الرئيس دونالد ترامب، ضوءًا أخضر للحكومة الإسرائيلية بضم مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة، وتمهد فعليا لفرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات، اعتبر “واينت” أن التقرير الصادر عن الأمم المتحدة يشكل بيانا قويًا حول وضع المناطق المحتلة، ويؤكد بشكل لا يضع مجالا للشك أن الأراضي المحتلة لا تشكل في جميع الحالات جزءًا من إسرائيل وأي نشاط إسرائيلي في المستوطنات غير قانوني.
وتتركز المخاوف الإسرائيلية من تحويل التقرير الذي يشمل القائمة السوداء إلى قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذكر “واينت” أن “الأمر يعتمد على ماهية صياغته قرار في هذا الخصوص، وإذا ما فرضت الأمم المتحدة على الدول الأعضاء بمفوضيتها لحقوق الإنسان، قطع العلاقات مع الشركات المدرجة، وما إذا كان المجلس سيطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تبني قرارا في هذا الشأن”، علما بأن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعقد جلسته السنوية في 24 شباط/ فبراير الجاري، حيث سيتم اتخاذ القرارات في هذا الشأن.
يذكر أن مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كانت قد أوضحت أن هذه القائمة “لا تشكل وليس في نيتها أن تشكل عملية قضائية أو شبه قضائية”، في إشارة ضمنية إلى المخاوف الإسرائيلية من استخدامها وسيلة للمقاطعة.
من جانبها، أشادت حركة BDS التي تدعو إلى مقاطعة اقتصادية وثقافية وعلمية لإسرائيل بغرض التوصل إلى إنهاء احتلالها ونشاطها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، بنشر لائحة الشركات من الامم المتحدة.
وقالت في بيان إن “نشر هذه اللائحة هو الخطوة الأولى البالغة الأهمية التي تتخذها مؤسسة في الأمم المتحدة لمحاسبة إسرائيل والشركات الدولية التي تسهل وتربح من نشاطها في مستوطنات إسرائيلية غير قانونية”.
وتداركت “لكن اللائحة ليس مكتملة، ويجب أن تتضمن كل الشركات المتواطئة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وانتهاكاته الخطيرة لحقوق الفلسطينيين”.
الأمم المتحدة تدافع عن “قائمتها السوداء”
في المقابل، دافعت الأمم المتحدة عن تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، المتضمن “قائمة سوداء”، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، استيفان دوغريك، ردا على أسئلة الصحافيين حول موقف الأمين العام للأمم المتحدة من التقرير، “التقرير صدر بناء على تفويض دولي، وقامت المفوضة السامية بتنفيذ التفويض الممنوح لها”.
ويعرض التقرير عددا من الاستنتاجات بناء على اتصالات مع تلك الكيانات التجارية التي تم تضمينها في القرار، وكذلك مراجعة شاملة وتقييم للمعلومات المتوافرة.
وأكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أن “عملية مراجعة دقيقة تمت قبل صدور التقرير، حتى يعكس الاعتبارات الجدية المتعلقة بهذه الولاية المعقدة وغير المسبوقة، وأيضا حتى يستجيب التقرير، وبالشكل المناسب، لطلب مجلس حقوق الإنسان”؛ وأعربت عن أملها أن “يتم استقبال التقرير دون تحريف أو تشويه لخدمة أهداف سياسية أو أيديولوجية”.
وضم التقرير جميع الشركات المصرفية والهواتف المحمولة وشركة البناء الإسرائيلية “أشتروم”، وشركة الاتصالات “بيزك”، وشركة التكنولوجيا “ماتريكس”. كما أدرجت فيها شركة “بوكينج كوم” الهولندية، الخاصة بحجز الغرف والفنادق عبر الإنترنت، والشركات الأميركية الناشطة في مجال السياحة: “تريب أدفايزر”، و”إير بي إن بي”، و”إكسبيديا”.
من جانبها، رحبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية بإصدار قاعدة البيانات، وقال نائب المدير التنفيذي للمنظمة، برونو ستانيو، في رسالة وزعها على الصحافيين في نيويورك، “هذا الإصدار من قاعدة بيانات أعمال الشركات بالمستوطنات طال انتظاره”.
وأضاف ستانيو أنه “يتعين الآن إخطار تلك الشركات بأن مواصلة القيام بأعمال تجارية مع مستوطنات غير قانونية، مساعدة في ارتكاب جرائم حرب”، وأكد ضرورة أن “تضمن أعلى هيئة حقوقية في الأمم المتحدة، تحديث قاعدة البيانات تلك بشكل منتظم، لمساعدة الشركات على الامتثال لالتزاماتها القانونية الدولية”.
وفي وقت سابق الأربعاء، أصدرت باشليه تقريرا خلص إلى وجود 112 كيانا تجاريا، تمارس نشاطا أو عدة نشاطات متعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأصدر مجلس حقوق الإنسان قرارا في 24 آذار/ مارس 2016، تضمن إعداد تقرير لمتابعة تقرير عام 2013، الصادر عن البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق، للتحقيق حول الآثار المترتبة على المستوطنات الإسرائيلية في مجال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني، في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.