كشف مدير قسم البحث الميداني في منظمة “يش دين” لحقوق الانسان والباحث في شؤون الاستيطان فراس العلمي عن ورقة معلومات أعدها طاقم الجمعية، تسلط الضوء على الإسقاطات الكامنة في ضمّ الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل على حقوق سكّانها الفلسطينيّين.
وتشير جميع الأمور حسب تصريح الباحث العلمي إلى أن نية إسرائيل في عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية أصبحت أمراً واقعاً ومسألة وقت ليس أكثر، ولربما خلال الشهرين المقبلين.
ولفت إلى نوايا اسرائيل الضمّ ورغبتها بخلق وضعيّة دائمة أحاديّة الجانب، من خلال تعميق انتهاك حقوق الفلسطينيّين بشكل دائم. تشير هذه الورقة، باختصار، إلى عدّة إسقاطات بارزة يمكن أن يحملها الضمّ الإسرائيليّ للضفة الغربيّة، أو جزء منها، على حقوق الفلسطينيّين. وسنتطرّق في هذا المستند إلى أربعة أبعاد:
1. الانتهاك المباشر لحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين
– حريّة الحركة والتنقّل، سيؤدّي ضمّ أجزاء واسعة من الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل وفرض سيادتها على هذه المناطق إلى تسيير تدابير أمنيّة واعتبارات أخرى من المتوقع أن تقلّص جدًا حريّة حركة وتنقّل الفلسطينيّين في أرجاء الضفّة. ويمكن أن ينعكس المسّ بحريّة الحركة في تقليص قدرتهم على السفر في الشوارع والطرقات، أو قدرتهم على الخروج من الضفّة الغربيّة.
– انتهاك الحقّ بالملكيّة، ثمّة خشية كبيرة من أن تشمل تدابير الضمّ مصادراتٍ شاسعةً لأراضٍ بمُلكيّة فلسطينيّة خاصّة، إلى جانب التخوّف أيضًا من أن يفقد الفلسطينيّون الذين لم تُصادر أراضيهم بشكل رسميّ قدرتهم الفعليّة على استصلاح وزراعة الأراضي وكسب أرزاقهم منها، نتيجة لتقييد الوصول إليها.
– ترسيخ المستوطنات وتوسّعها، الضمّ سيُعمّق ويُكرّس وجود المستوطنات (والبؤر الاستيطانيّة غير المُرخّصة)، وسيؤدّي إلى توسيعها بشكل جارف. كما أنّ تكريس وجود المستوطنات لا يشكّل استمرارًا لانتهاك القانون الدوليّ فحسب، بل يشكّل مأسسة وتوسيعًا لمراكز تنتهك حقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين بشكل مثابر وممنهج، بدءًا بنهب أراضيهم وانتهاءً بالعنف الممارَس ضدّهم.
– خطر طرد جماعات سكّانيّة مسلوبة الاعتراف وهدم بيوت، السعي الإسرائيليّ لضمّ أكبر منطقة ممكنة من جهة، والتي يسكنها أقلّ قدر من الفلسطينيّين من جهة أخرى، تشكّل خطرًا بطرد أفراد وجماعات سكّانيّة فلسطينيّة، وخصوصًا جماعات لا تعترف بها دولة إسرائيل. ويُمكن لإسرائيل أن تدّعي في وضعية الضمّ أنّ الحديث يدور عن مقيمين غير شرعيّين في نطاقها، وطردهم بسهولة.
– مكانة الفلسطينيّين في المنطقة المضمومة، نحن لا نعرف كيف ستكون مكانة الفلسطينيّين سكّان المنطقة التي ستخضع للضمّ، إلّا أنّ أيّ إمكانيّة مطروحة لا تشمل مكانتهم كمواطنين متساوين في دولة إسرائيل تحمل في طيّاتها إمكانية انتهاك لحقوقهم.
– السيطرة على الموارد الطبيعيّة، سيؤدّي الضمّ إلى انتقال الموارد الطبيعيّة الموجودة في المنطقة المضمومة، إلى سيطرة إسرائيل الحصريّة، وسيكون بوسعها أن تديرها وتستغلها كما يحلو لها، ومن دون تقييدات.
2. إسقاطات الضمّ على المستوى الدوليّ
يُشكّل ضمّ الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل انتهاكًا فظًّا للقانون الدوليّ، من خلال المسّ بمكانته وخلخلتها، والمسّ بمكانة المؤسّسات والجهات الدوليّة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ ضمّ الضفّة الغربيّة أو أجزاء منها إلى إسرائيل، وتوسيع الصلاحيات الجغرافيّة للمؤسّسات الإسرائيليّة بحيث تشمل المنطقة المضمومة أيضًا، يُشكّل تحديًا لسياسة التمييز التي تبنّاها المجتمع الدوليّ تجاه إسرائيل.
3. تغييرات في نظام الحكم والقوّة السلطويّة
إنّ ما يعنيه إلغاء منظومة الحكم الاحتلاليّة هو وجود نظام حكم إسرائيليّ مباشر –من دون وساطة الجيش- في المنطقة المضمومة. ونتيجة ذلك على أرض الواقع نقل الصلاحيّات الممنوحة للقائد العسكريّ إلى السلطات الإسرائيليّة. وبطبيعة الحال، فإنّ ولاء نظام الحكم الإسرائيليّ يعود إلى مواطني إسرائيل وسكّانها فقط، وبالتالي إلى المصالح الإسرائيليّة. ولا شكّ في أنّ المصالح الفرديّة والجمعيّة الخاصّة بالفلسطينيّين من سكان المنطقة المضمومة، لن تُشكّل عنصرًا ذا صلة في مجمل الاعتبارات الخاصّة بالسلطات الإسرائيليّة، مهما كانت المكانة التي سيحظى بها هؤلاء الفلسطينيّون. كما أنّ ضمّ المنطقة سيمنح قوة سلطويّة كبيرة للسلطات المحلية والمجالس الإقليميّة الإسرائيليّة الموجودة في الضفّة، أي المستوطنات. ومن المتوقّع أن تكون إحدى النتائج المركزيّة والمضمونة لكلّ ما تقدّم، التسارع الكبير في تطوير وتشييد المستوطنات في الضفّة الغربيّة.
4. تعميق وتجذير نظام الأبرتهايد في الضفّة الغربيّة
الضمّ سيُثبت أنّ إسرائيل معنيّة بترسيخ وتعميق الوضع القائم في هذه الأيام، حيث تعيش تحت سيطرة وسيادة دولة إسرائيل مجموعتان مختلفتان من البشر: مواطنون إسرائيليّون يملكون حقوقًا كاملة، وسكّان فلسطينيّون معدومو الحقوق السياسيّة والأُخرى، في حين أنّ المجموعة الإسرائيليّة تسيطر على المجموعة الفلسطينيّة وتمارس عليها تدابيرَ قمعيّة. إنّ التمييز المُمأسَس والمنظوميّ ضدّ الفلسطينيّين وتوجيه الموارد الطبيعيّة في المنطقة لصالح الإسرائيليّين وعلى حساب الفلسطينيّين، يشكّلان دلالة ساطعة على وجود نظام أبرتهايد (فصل عنصريّ). الضمّ سيسحب البساط من تحت الادّعاء الرائج اليوم لدى أوساط كثيرة، بأنّ دولة إسرائيل السياديّة هي دولة ديمقراطيّة، رغم أنّ الضفّة الغربيّة تخضع لنظام أبرتهايد، أو على الأقل نظام حكم يحوي علامات وملامح الأبرتهايد. ففرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة يعني إعلانًا إسرائيليًّا بأنّ الحديث بات عن نظام حكم واحد لا عن منظومتَي حكم منفصلتيْن.