تواكب (آفاق) خطط الاحتلال بضم الأغوار: سلة غذاء فلسطين والثروة الاقتصادية، وتستشرف أسبابها الحقيقة، وتحلل دلالاتها وتداعياتها، وتحاور مهتمين بشأنها ومسؤولين في بعض مواقعها، وتورد أرقامًا ومعطيات عن أهمية المنطقة التي تشكل نحو ربع الضفة الغربية، وتمتد على نحو 720 ألف دونم، وينهب الاحتلال 85% من مساحتها.
نهب
وفق معطيات لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، تشكل الأغوار نحو 28% من مساحة الضفة الغربية. بينما يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على قرابة 95 % منها. وفيها 29 تجمعاً فلسطينياً، ويجثو على أرضها 32 مستوطنة، ويتخذ الاحتلال من أراضيها معسكرات لتدريب جنوده، والاستلاء على الأرض، ونهب الماء، إذ تضم نحو 47% من مصادر المياه الجوفية، ويطارد المواطنين، ويضيق الخناق عليهم. وتضم المنطقة 80 ألف فلسطيني و9500 مستوطن، و48% منها معسكرات ومناطق تدريب عسكرية، وفيها 6 حواجز دائمة، وينهب المستوطنون 40 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، مقابل 18 مليون متر مكعب للفلسطينيين.
كما تحولت 5 آلاف دونم من أراضيها لمناطق تدريب عسكري، و400 ألف دونم لمناطق عسكرية مغلقة، وفيها 90 موقعاً عسكريًا، و65 حقل ألغام، وتضم 169 بئرًا، وتنتج 50% من خضراوات الضفة.
استيلاء
اعتاد مدير دائرة الزراعة في الأغوار الشمالية، هاشم صوافطة الجلوس في مكتبه في عين البيضاء المشرفة على مساحات شاسعة من حدود بيسان والمقابلة لمناطق أردنية.
يرى أن الحديث عن مخطط الضم “لن يؤدي إلى تغيير جوهري في الأغوار”، فقبل الضم يضيف: “عشنا مصادرات وهدم بيوت وترحيل مواطنين ونهب مصادر مياه، وبعد الضم سنعيش العدوان ذاته، فستزيد مصادرة الأراضي، وسيستولي الاحتلال على كل شيء فوق الأرض وتحتها”.
ووفق صوافطة فإن الهدف الأساسي للضم، الاستيلاء الكامل على حوض الماء الشرقي الموجود في الأغوار، والذي ينتج سنويًا 170 مليون متر مكعب من الماء.
وأضاف أن مواطني تجمعات الأغوار الشمالية: بردلة وكردلة وعين البيضاء يحصلون على 40% من حقوقهم بموجب اتفاق مع الاحتلال عام 1973، لكن جرى التراجع عنه وقلت الكمية المتفق عليها، فيما تضاعف عدد السكان إلى 4 أضعاف، ليصبحوا اليوم 4 آلاف نسمة.
وتابع: من أهداف الضم السيطرة التامة على المياه، وفي حال تم ذلك، فهذا يعني تهجير المواطنين من أرضهم؛ لأن لا حياة دون مياه. فهناك 12 ألف دونم تزرع بالخضروات وألفا دونم بيوت بلاستيكية و25 ألف دونم حبوب في الأغوار الشمالية، عدا عن المراعي الشاسعة.
مساحات
وبجسب أرقام يوردها صوافطة، تقسّم الأغوار عمومًا إلى ثلاث مناطق من غور بيسان وحتى حدود الجولان السوري، والأغوار الوسطى من بيسان حتى أريحا، والثالثة من أريحا حتى غور النقب بمساحة 720 ألف دونم، وتشكل قرابة 30% من مساحة الضفة الغربية. فيما تمتد مساحة طوباس والأغوار الشمالية وحدها على 410 كيلو مترات مربعة، وحال نفذ الاحتلال خطة الضم، سيجري الاستيلاء على نحو 280 كم مربع من المحافظة.
وتنتشر في الأغوار الشمالية آبار خورشيد، والبلد، والتميمي، والقفاف، والزعبي، وفاروق، وأبو خضر، ونمر الحسن، وأم العبر، وأبو العيلة، وفي حال الضم سيجري تجفيف الآبار.
وقال مدير زراعة طوباس والأغوار الشمالية، جعفر صلاحات، إن الأغوار “منطقة زراعية ذات ميزة نسبية”، وتنتج خضارها أبكر من المناطق الأخرى، وتمتد على نحو 40 ألف دونم تزرع بالمحاصيل الحقلية، والخضروات، والبيوت البلاستيكية، وهناك مراعٍ مفتوحة بمئات آلاف الدونمات، ومساحات واسعة يمنع المزارعون من الوصول إليها.
وأضاف: تمتاز الأغوار ككل بتنوع زراعاتها، ففي الأجزاء الوسطى والجنوبية تنتشر مزارع النخيل، وتتخصص الشمالية بالخضراوات والأعشاب الطبية والمحاصيل الحقلية، وهذا يعني أنها ثروة.
تاريخ
وقال رئيس مجلس عين البيضاء، مصطفى فقهاء، إن مخططات ضم الإغوار والاستيلاء عليها قديمة جدًا، وتعود إلى بدايات تأسيس الحركة الصهيوينة، التي درست المنطقة من كل جوانبها، وخرجت بخلاصة أنها خزان مائي ضخم، وكنز من الثروات، ولوجود البحر الميت وما فيه من معادن.
ووفق مصادر تاريخية، نشر عضو البرلمان الإنجليزي لورنس أوليفانت (1888-1820) كتاب “أرض جلعاد” عام 1880، اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة القائم منها.
وأضاف فقهاء أن مخطط الضم للأغوار”ترجمة حرفية للخطة الإستراتيجية التي وضعت منذ عقود”، ووضع لها نتنياهو خطة “المسار الحيوية” في التسعينيات، وتشمل كامل غور الأردن على عرض 10-20 كيلو مترًا.
وأشار إلى أن أهداف ضم المنطقة الفعلية “نهب الثروات الطبيعية بالكامل”، وعدم الاكتفاء بمئات مليارات الدولار التي سرقتها اسرائيل من الأغوار والبحر الميت، ومنع قيام دولة فلسطينية يمكنها أن تتمتع بموارد الأغوار الغنية، القادرة على بناء أكبر دولة.
وأوضح فقهاء أن إسرائيل تحاول تسويق الإدعاء “الأمني” في ضم الأغوار، وأن المنطقة مهمة عسكريًا، وهو ما نفته بعثة “البنتاغون الأمريكي” بعد سنة من احتلال الأغوار، وجدت أنها “ساقطة عسكرًيًا ولا تحظى بموقع إستراتيجي”.
وتابع أن الوصول إلى رقم مالي دقيق لما ينهبه الاحتلال من الأغوار ليس باليسير، لكن المؤشرات تؤكد أنه “مبلغ ضخم جدًا”؛ بسبب ما تحظى به المنطقة من ثروات وموارد وسياحة ومناطق صناعية وزراعة.
وذكر فقهاء أن إدعاء الاحتلال بجني 5 مليار دولار سنويًا من الأغوار “ليس دقيقًا، ولا يساوي حجم ما تتمتع المنطقة به من موارد وثروات، وكونها تحتوي خزانًا مائيًا”.
وبين أن الهدف الرئيس من الضم اقتلاع 29 قرية فلسطينية وعشرات التجمعات البدوية من الأغوار؛ لأن تصعيد إجراءات العدوان والتضييق على المواطنين، وحرمانهم من مصادر رزقهم، وفرض سياسات وقوانين وضرائب جديدة عليهم، ستعني فعليًا تحقيق هدف “التهجير الناعم”.
وأضاف أن إنقاذ الأغوار يتطلب تعزيز الوجود الفلسطيني المتبقي في الأغوار بكل قوة، وخاصة الزراعة والتعليم والصحة.
تعطيش
ورسم فقهاء مشهد عين الحمة في الأغوار الشمالية، الذي استلم مرارًا أوامر من جيش الاحتلال بمنع ترميمه، رغم أنه يسبق إقامة إسرائيل ذاتها، وكان مشهورا بمياهه المعدنية العلاجية التي تشبه حمامات ماعين الأردنية.
وتقع العين في جنوب غرب قرية عين البيضاء، وتبتعد عنها نحو كيلومتر واحد، وتجاور التل الذي يحمل الاسم ذاته، وتحاط بكردلا وخلة حمد والفارسية وبئر الزعبي وقرية جباريس المُدمرة، فيما كان تدفقها يتجاوز كل ساعة العشرين مترا مكعبا، لكنها اليوم فقدت نحو 60% من قدرتها؛ بفعل نهب الاحتلال لجوف الأرض في الأغوار، وحفره لبئر بردلا.
واستذكر فقهاء أول اتفاق مائي فرضه الاحتلال عام 1976 على أهالي المنطقة، والذي كان يقضي بتعويض أصحاب 6 آبار جوفية بـ20% من حقوقهم التي كانوا يحصلون عليها قبل النكسة، لكن الاحتلال عاد واقتطع نصف الحصة المتفق عليها.
وبحسب الراوي، فإن آبار الأغوار وينابيعه تنتج قرابة 22 مليون متر مكعب في العام، انخفضت اليوم إلى نحو 1,8 مليون متر مكعب، لذلك تم التوجه مؤخرا لعين الحمة لتأمين العجز الكبير، العين التي كانت في السابق تسحب بأنابيب ومضخة توزع على 52 حصة، وتروي عطش 650 دونما، إلا أنها تراجعت إلى 280 فقط.
وقال إن الحمة لم تفقد فقط نبعها، بل تعرضت منازلها لهدم كامل بعد الاحتلال بوقت قصير حيث شرد الاحتلال 20 أسرة كانت تعيش على الزراعة، وتتنقل بحرية إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن، التي لا تبتعد عنها سوى 3 كيلومترات. وفق فقهاء، فإن التدمير طال عدة تجمعات غورية كعين البيضاء، والساكوت، والدير، وجباريس.
تبرير
وقد فنّد محافظ طوباس والأغوار الشمالية، يونس العاصي، في تصريحات صحافية إدعاءات الاحتلال بوجود أهداف عسكرية للضم، كزيادة مساحة المجال الحيوي الإسرائيلي، عبر مضاعفة عرض دولة الاحتلال باتجاه الجنوب 70 كيلومترًا، وهذا ما أسقطته أسلحة الطيران.
وقال إن الأغوار تضم 3 مناخات: السهول الغورية بحرارتها العالية، والسفوح ذات المراعي الممتدة، والجبال للديمغرافيا البشرية، وتحتوي على مخزون مائي بحوض بيسان وبردلة وكردلة يستفيد من موقعه بين جبال عجلون، وجلبوع، وحدود الجولان، ويسعى مشروع الضم إلى “إطالة عمر الاحتلال”.
وشبه العاصي الأغوار بخيراتها ومياهها وموقعها بـ”الروح التي لا يمكن لأي دولة فلسطينية مستقبلبة العيش دونها، وهذا ما يفسر أن الاحتلال يستولي على 82% منها لمستوطناته ومعسكراته وحقول ألغامه، ويلاحق المواطنين في 18% من مساحة المنطقة.
تفريغ
وأوضح عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب جمال خورشيد، إن الاحتلال منذ اللحظة الأولى لسيطرته على الأغوار بدأ يتعامل معها على أنها “منطقة اقتصادية” فهي غنية بالمياه والينابيع والثروات والمعادن، ومناسبة للزراعات المختلفة، وفريدة بزراعة تمور المجهول، والبيئة الحاضنة لزراعة الأعشاب الطبية، فهي متنوعة في مناخاتها، وثرية بالتنوع الحيوي، لذا بدأ بإحكام قبضته عليها.
وتابع: “في عام 1985 كان عدد سكان قرية عين البيضاء 1850 مواطنًا، وعام 2020 ظل العدد كما هو، وهذا مؤشر خطير على سياسة الاحتلال بتفريغ المنطقة من المواطنين، والإبقاء عليها ساحة تدريب ومعسكرات ومستوطنات، ومنع التغيير الديمغرافي وزيادة عدد المواطنين؛ لتسهيل فرض ما يريده على الأرض”.
وأضاف: “بحكم امتداد الأغوار وما تتميز به، استهدفتها مشاريع التوسع الاستيطاني وقدمت إغراءات وحوافز للمستوطنين للإقامة فيها، ومنعت احتمالات السيطرة الفلسطينية المستقبلية عليها، متذرعاً ( أي الاحتلال) بأن سيطرته من منطلق عسكري، رغم طبيعتها المكشوفة.
وأكد خورشيد أن أرقام وزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني تشير إلى مساهمة الأغوار في 60% من الخضروات في السوق الفلسطييني و40% من حجم الصادرات الزراعية لمحاصيل تنفرد بها المنطقة كالعنب اللابذري والتمور والأعشاب الطبية.
ورأى أن حماية الجزء المتبقي من الأغوار يتطلب دعم صمود المواطنين وتحسين ظروف حياتهم وتزويدهم بالخلايا الشمسية، والاستثمار في المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية، الذين يعتبرون حراسًا متناوبين لجبال الأغوار وحقولها ومراعيها، وتقديم حوافز لمواطني الأغوار بتعليم مجاني، وتشغيل الخريجين داخل الأغوار.
“ضربة قاضية”
وقال المزارع عبد الناصر عبد الرازق إن مخطط الضم إن تم فسيوجه “ضربة قاضية للزراعة”، ولن يعني إلا فرض ضرائب وقوانين مجحفة، ونهب المتبقي من المياه، وسيعني عمليًا إجبار المواطنين على الرحيل وترك أرضهم.
وأضاف أن الأغوار يتهددها “التحول إلى نسخة أخرى من القدس” بضرائب باهظة، وسياسات عنصرية، وتهجير، وتحويلها إلى تجمعات استيطانية ضخمة.
وتمتد مزارع عبد الرزاق على نحو 1900 دونم موصولة بشبكة مياه من الفارعة يصل طولها إلى 25 كيلو مترًا ، أنشئت قبل 10 سنوات في منطقة كانت تفتقد للمياه.
وتتطلب مواجهة خطة الضم وفق عبد الرازق “تغيير قواعد الدعم للمواطنين والمزارعين”، ومنح تسهيلات تساعد المزارعين على البقاء، كإعادة الإعفاءات الضريبية، وتقليل أسعار التيار الكهربائي، ودفع التعويضات الزراعية المتراكمة منذ 8 سنوات.
تستشرف “آفاق” الأسباب الحقيقية لخطط الاحتلال الإسرائيلي بضم الأغوار، وتحلل دلالات الضم وتداعياته، وتحاور مهتمين بشأن تلك الخطط ومسؤولين في بعض مواقع الأغوار، وتورد أرقامًا ومعطيات عن أهمية المنطقة التي تشكل نحو ربع الضفة الغربية، وتمتد على نحو 720 ألف دونم، وينهب الاحتلال 85% من مساحتها.
خاص بآفاق البيئة والتنمية