بقلم: هاجر شيزاف
في مجلس «ييشع» أدركوا، في تموز، من هذا العام أن حلم ضم «المناطق» آخذ في الابتعاد عنهم. في محاولة لتحقيق إنجازات قبل الانتخابات في الولايات المتحدة، وحلّ الحكومة الحالية في إسرائيل، بدؤوا في المجلس بحملة ذات هدف متواضع: تسوية وضع البؤر الاستيطانية غير القانونية. من أجل تغيير صورتها، عملوا في الحملة على استبدال كلمة «بؤر استيطانية» بتعبير «مستوطنة شابة»، وعرض الوضع فيها كمشكلة اجتماعية – إنسانية، لطلائعيين يتم التعامل معهم كـ»مواطنين من الدرجة الثانية». إن ترديد هذه الرسائل ليس فقط على يد أحزاب اليمين، بل أيضاً على يد أعضاء من «أزرق أبيض» بتصريح من قبل رئيس الحزب، بيني غانتس، تدلل على نجاح الحملة.
اضطر غانتس للتطرق، مؤخراً، إلى مسألة البؤر الاستيطانية بعد أن دفعه اثنان من زملائه في الحزب إلى الزاوية: وزير الشؤون الإستراتيجية ميخائيل بيطون، ووزيرة الشتات عومر ينكلفيتش. غانتس، الذي رفض الرد على أقوال ينكلفيتش، قال حسب ما تقول تقارير في جلسة قائمة «أزرق أبيض»: إن «وزارة الدفاع تعمل على تسوية وضع كل البؤر الاستيطانية الموجودة على أراضي قانونية بالضبط حسب لوائح وقوانين». بؤر استيطانية غير شرعية هي اسم عام للمستوطنات التي أقيمت دون قرار حكومي وليس لها مخطط لبناء مدينة. من بين البؤر الاستيطانية هنالك مجموعات مختلفة، تلك التي أقيمت على أراضي دولة وأخرى أقيمت على أراضي خاصة لفلسطينيين، وهنالك من يتم إخلاؤهم يومياً، وهنالك مزارع للرعاة قليلة السكان، غنية بالأرض. وقد سمحت السلطات لأغلبها بالتمركز مع تقديم دعم أو عن طريق غض الطرف عنها طوال سنوات. حسب منظمة «السلام الآن»، يوجد في المناطق اليوم 124 بؤرة استيطانية.
يمكن أن نعتبر جزءاً كبيراً من البؤر الاستيطانية «مأهولة». أحدها مثلاً البؤرة الاستيطانية «أحيا» والتي أقيمت في سنة 1997 بمحاذاة مستوطنة «شيلو». سبق وأن أعلنت الدولة في الماضي نيتها المبدئية بتسوية وضعها. حسب مجلس بنيامين، فإن سبعين عائلة تسكن هناك اليوم في بيوت دائمة وفي كرفانات، وفي المكان يوجد أيضاً كنيس وحوض للتطهر.
كطلقة لبدء حملة مجلس ييشع، انعقد في آب «لوبي» «أرض إسرائيل» في الكنيست والذي يقف على رأسه بتسلئيل سيموتريتش «يمينا» وحاييم كاتس «الليكود». بموازاة ذلك دخل إلى العمل جسم أنشئ في العام 2018 باسم «منتدى المستوطنات الشابة» والذي يعمل بدعم من مجلس ييشع ويشكل فعلياً رابطة لحوالى 70 بؤرة استيطانية. «في حينه ألحقوا ظلماً كبيراً بالاستيطان، واخترعوا مفهوم «بؤر استيطانية غير شرعية» وهذا المفهوم كان يجب تغييره. هذا نضال على الوعي»، قال مؤسس ورئيس منتدى المستوطنات الشابة أوري بيرتفلد، والذي يعيش بنفسه في البؤرة الاستيطانية «عشهال». في إطار الصراع على الوعي زار في الشهور الأخيرة أعضاء كنيست عديدون هذه البؤر، من بينهم أيضاً الوزراء بيطون وينكلفيتس.
في حين أن الهدف النهائي لأعضاء المنتدى هو تسوية وضع البؤر الاستيطانية، فإن حملتهم الحالية تتركز بما شخصّوه كهدف يدعو إلى تماهٍ أكثر- تسوية وضع البنى التحتية فيها. هكذا، فإن عضو الكنيست، متان كهانا، من «يمينا» نشر على «فيسبوك» فيلم فيديو حول هذا الموضوع باسم «ليروني لا يوجد إنترنت»، وعضو الكنيست أريئيل كيلنر من «الليكود» قال في الكنيست: إنه «من المثير للغضب جداً رؤية التمييز ونقص البنى التحتية الأساسية من الكهرباء والماء والاتصالات في المستوطنات الشابة في «ييشع» وهي المستوطنات غير المعترف بها بالمقارنة مع البلدات غير المعترف بها على سبيل المثال في النقب».
ترسم هذه التصريحات صورة مضللة. معظم البؤر الاستيطانية اليوم مربوطة بالكهرباء أو الماء عن طريق المستوطنة المحاذية لها. هكذا، فعندما أمر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في وقت سابق من هذا العام، بربط 12 بؤرة استيطانية بالكهرباء كان بالإمكان أن نفهم من ذلك أن هذه أماكن يدرسون فيها على ضوء الشموع في الليل، ولكن ليس هذا هو الوضع، فعلياً تزويد الكهرباء لهذه البؤر الاستيطانية من شأنه أن يكون غير منظم نظراً لأن الحديث لا يدور عن ربط رسمي. حتى اليوم تم فقط ربط بؤرة استيطانية واحدة من بين 12 بكهرباء مباشرة بسبب مشاكل قانونية تكتنف هذه العملية، نظراً لأن هذه البؤر لم يتم شرعنتها وهي غير قانونية.
إن محاولة «شرعنة» البؤر الاستيطانية، أي تحويلها لقانونية، مستمر منذ سنوات. أبلغت الدولة محكمة العدل العليا في العام 2011 بأن سياسيتها الحالية أن البؤر الاستيطانية التي بنيت على أراض خاصة ستتم إزالتها، وتلك التي أقيمت على أراضي دولة سيتم تسوية وضعها. حسب أقوال رئيس مجلس يشع السابق، بنحس فلرشتاين، فإنه في السنوات الأخيرة تم تسوية وضع حوالى 10 بؤر استيطانية، كانت تسوية وضعها بسيطة نسبياً «مفؤوت يريحو» والتي تمت تسوية وضعها قبل لحظة من انتخابات 2019. في الوقت ذاته تدفع الحكومة قدماً بإجراءات مختلفة في هيئات قضائية وفي مؤسسات التخطيط من أجل تسوية وضع بؤر استيطانية أخرى، من بينها «مستبي كراميم» والتي تصدرت العناوين مؤخراً أو بؤر استيطانية مثل «إيفي ناحل»، والتي تتم في هذه الأيام تسوية وضعها تخطيطياً كحي في مستوطنة «معاليه عاموس».
كوبي إليراز، مستشار وزير الدفاع السابق لشؤون الاستيطان (واليوم يشغل هذه الوظيفة آفي رؤي) خلال سنوات عمله قام سوية مع الإدارة المدنية برسم خرائط للبؤر الاستيطانية المختلفة وتصنيفها حسب الفئات المختلفة. «جزء موجودة على أراض هنالك احتمالية بالإعلان عنها كأراضي دولة، وأخرى لديها طرق للوصول تمر بأراض خاصة، وأخرى غير مثبتة الحوائط (قريبة من البنى التحتية لمستوطنات قائمة- هـ.ش) وفي جزء منها ما زال يتوجب القيام بمسح للأراضي» أوضح.
حسب أقواله، حوالى 30 بؤرة استيطانية يمكن تسوية وضعها عن طريق إعلام الحكومة بأثر رجعي لاحقاً عن إقامتها: «لقد عقدنا عدداً لا بأس به من الجلسات، أصدرنا وثائق، وكل هذا العمل تم، ولا يوجد ما نجدده هنا»، قال إليراز.
في بداية تشرين الثاني، انعقدت لجنة الدستور في الكنيست لمناقشة تحت عنوان «استشارة قانونية لفقراء السكان في يهودا والسامرة»، والذي بادر بها عضو الكنيست أوريئيل بوسو «شاس» وعضو الكنيست كيلنر. حضر النقاش رؤساء مجالس المستوطنات ومدير عام مجلس ييشع، وكذلك المستشار القانوني لشؤون الاستيطان في وزارة الدفاع، موشي بروخت، والباحث في منتدى كهيلت والذي عين في هذا المنصب على يد نفتالي بينيت.
حسب أقوال بروخت، ففي حين أنه طوال سنوات أوضحت الحكومة بأنها تريد تسوية البؤر الاستيطانية، فإنه لم يتخذ في أي وقت من الأوقات قرار حكومي عام يشير إلى النية لهذه التسويات. «في اللحظة التي يكون فيها قرار حكومي للدفع قدماً بتسوية لمكان معين، فإنه سيكون من الأسهل عليّ كقانوني أن أجد حلولاً مؤقتة» شرح. المنطق الذي يقف خلف أقوال بروخت، دفع وزير شؤون الاستيطان، تساحي هنغبي، للإعلان في بداية هذا الأسبوع عن نيته لبلورة قرار حكومي في موضوع تسوية وضع البؤر الاستيطانية سوية مع الوزير بيتون، وبموافقة رئيس الحكومة.
سارع بيتون للقول: إن تصريح هنغبي تم إصداره دون التنسيق معه، وقال لـ «هآرتس»: إن موقفه هو تأييد «تسوية كل عملية بالإمكان تسويتها وحسب رأي المستشار القانوني، وبضمن ذلك استخدام «إجراء السوق» وقرارات حكومية سابقة ذات علاقة». في أقوال بيتون يمكن رؤية علامات على أن حملة مجلس يشع حققت نجاحاً. «كل المواطنين القانونيين في يهودا والسامرة، عرباً ويهوداً على حد سواء، يستحقون ظروفاً إنسانية أساسية ومتساوية من الكهرباء والماء والأمن والبنى التحتية»، قال.
الأحد الماضي، أقيم عرض في مدخل الكنيست وفيه أسماء البؤر الاستيطانية غير الشرعية، كجزء من حملة «منتدى الاستيطان الشاب». كما هو متوقع حضر إلى المكان أعضاء كنيست من كتلة اليمين، ولكن من برز في المشهد كانت الوزيرة ينكلفيتش، التي أعلنت هناك عن دعمها لغانتس في تسوية وضع «المستوطنات الشابة».
رغم علامات النجاح هذه، فإنه في مجلس ييشع أبدو تشاؤماً بخصوص إنجازات الحملة. حسب أقوالهم الأعمال المطلوبة من أجل تسوية وضع البؤر الاستيطانية فعلياً تقتضي قوى بشرية كثيرة غير موجودة في الإدارة المدنية. خلال هذا الأسبوع ينوي مجلس ييشع إجراء لقاء مع الإدارة من أجل مناقشة هذه المسألة من بين أمور أخرى.
على الرغم من الانقسامات في «أزرق أبيض» حول قضية البؤر الاستيطانية، فليست هذه هي المرة الأولى التي فيها يدفع غانتس قدماً بعمليات لصالح المستوطنات: مع رد قانون التسوية، بلور مع وزير العدل، آفي نسنكورن، طاقماً لتسوية وضع حوالى 2000 وحدة سكنية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه في أعقاب رفض تسوية وضع البؤرة الاستيطانية متسفي كراميم في المحكمة العليا، طالب الاثنان أن تجري المحكمة نقاشاً آخر بهذا الشأن. موقف غانتس فيما يتعلق بالبؤر الاستيطانية، مع ذلك، بقي ضبابياً، وأقواله في جلسة قائمته لم تساهم في توضيح موقفه من هذه القضية: عدة جهات في المستوطنات ضحكت عندما سمعت أن غانتس ينوي تسوية وضع البؤر الاستيطانية «المقامة على أراض قانونية» حتى لهم لم يكن واضحاً ماذا كان يقصد.
عن «هآرتس»