– أجرى الأسبوع الماضي خبيران من خبراء معهد “بروكينغز” في واشنطن، هما البروفسور شبلي تلحمي، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة ميريلاند، والبروفسور مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، الماضي ، استطلاعًا فريدًا للعلماء من ذوي الخبرة الفائقة في الشرق الأوسط ، وهو أول مقياس جديد للباحثين في الشرق الأوسط، معتمدين على مصادر متوفرة في هذا الحقل من “جمعية دراسات الشرق الأوسط ، وقسم سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لرابطة العلوم السياسية الأميركية” ، و”مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن” حيث حدد الخبيران 1293 باحثًا من هؤلاء للمشاركة في الاستطلاع.
يقول الباحثان :”ما الذي ينتظرنا في الشرق الأوسط والولايات المتحدة؟ ألمحت إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن إلى أنها ستستمع إلى الخبراء لتجنب الكوارث مثل حرب العراق عام 2003. وبالتالي، فمن الممكن أن يساعد هذا الاستطلاع الفريد صانعي السياسة الأمريكيين الجدد على فهم حقائق الشرق الأوسط كما يراها علماء المنطقة”.
ويشرح الباحثان : “الشرق الأوسط لا ينقصه أبدًا التعليقات والآراء؛ العديد من الاستطلاعات عالية الجودة تطلب بانتظام من علماء السياسة وخبراء السياسة الخارجية وجهات نظرهم حول سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. لكن ما رأي الخبراء الأكاديميين في الشرق الأوسط؟”.
وبحسب الباحثين، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء الخبراء يتحدثون واحدة من اللغات الإقليمية على الأقل ، وقد أمضوا وقتًا طويلاً في الشرق الأوسط ، وكرسوا حياتهم المهنية للدراسة الدقيقة للمنطقة وسياساتها.
يقول الباحثان :”في غضون ثلاثة أيام ، وافق 521 باحثًا على المشاركة فأجابوا بمعدل 40٪ ، مقسمين بالتساوي تقريبًا بين علماء السياسة والعلماء غير السياسيين”.
ويقول تلحمي ولينش : “لقد طرحنا على هؤلاء الخبراء أسئلة وصفية ، وليس ما يعتقدون أنه يجب أن يحدث – أو ربما سيحدث – في الشرق الأوسط، حيث طلب المسح تقييمهم للمنطقة كما هي موجودة حاليًا وقد تكون موجودة بعد عقد من الزمان، وليس ما يفضلونه بشأن النتائج أو السياسات”.
وبحسب الخبيرين ، فإن نتائج الاستطلاع ترسم صورة مثيرة للفضول بشأن الشرق الأوسط ، ورؤى قيّمة قد تفكر فيه (أو تستفيد منها) إدارة الرئيس جو بايدن – التي قالت إنها تهدف إلى أخذ آراء الخبراء على محمل الجد – لأنها تصوغ السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة”.
الفلسطينيون وإسرائيل: واقع الدولة الواحدة ألأشبه ما تكون بـالأبارتهايد
يشرح الباحثان :”ربما تكون النتيجة الأكثر وضوحا للمسح هي التقييم الجماعي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أغلبية كبيرة من الخبراء المستطلعين ، أو 59٪ ، تصف الواقع الحالي لإسرائيل والفلسطينيين بأنه واقع دولة واحدة أقرب إلى الفصل العنصري” فيما يرى 7٪ آخرون أنه “واقع دولة واحدة مع عدم مساواة ، ولكن ليس شبيهًا بالفصل العنصري”.
وبحسب الاستطلاع :”2٪ فقط يصفون الوضع بأنه احتلال إسرائيلي مؤقت للضفة الغربية وقطاع غزة. 30٪ يصفون الوضع الحالي بأنه احتلال شبه دائم من قبل إسرائيل”.
وفي حين أن إدارة بايدن ستسعى على الأرجح لبدء الدبلوماسية ، فإن الخبراء لا يقدمون سوى أمل ضئيل جدا لتحقيق حل الدولتين.
يقول الباحثان : “في الاستطلاع الذي أجريناه ، قال 52٪ أن مثل هذه النتيجة لم تعد ممكنة ، بينما رأى 42٪ أنها غير محتملة خلال السنوات العشر المقبلة. وفقط 6٪ يعتبرون ذلك محتملاً خلال العقد القادم”.
ويستنتجان : “هذه التوقعات قاتمة بشكل خاص لأنه بدون احتمال وجود دولتين منفصلتين ، إسرائيل منفصلة وفلسطين منفصلة ، يتوقع 77٪ من الخبراء المستطلعين ، رؤية واقع الدولة الواحدة الأقرب إلى الفصل العنصري ، بينما يتوقع 17٪ أخرى واقع الدولة الواحدة مع تزايد عدم المساواة ، ولكن ليس أقرب إلى الفصل العنصري بينما يتوقع 1٪ فقط رؤية دولة ثنائية القومية تتمتع بحقوق متساوية للجميع.
إيران والصفقة النووية
اعتقد الخبراء المستطلعين أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة ، أو JCPOA) وفق صيغتها الحالية، ستقلل من احتمال حصول إيران على سلاح نووي خلال العقد المقبل – وهذا ما يقوله 75٪ من المشاركين في الاستطلاع”.
كما أن 21٪ يقولون أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) لن تحدث فرقًا حقيقيًا – فقط 2٪ يقولون إن عودة الولايات المتحدة لللاتفاق النووي الإيراني (العودة إلى تفعيله من قبل كل الموقعين عليه) ستجعل إيراني أقرب لامتلاك القنبلة النووية.
ويقول الخبيران : “لعله من غير المستغرب أن يعارض العلماء بأغلبية ساحقة إي عمل عسكري ضد إيران أو استمرار سياسة “الضغوط القصوى” التي فرضتها إدارة الرئيس السابق ترامب.
يشرح الباحثان : “لقد كان الانقسام الأساسي بين المستطلعين حول التكتيكات: حيث قال 67 في المائة أن عودة الولايات المتحدة على الفور إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) قبل معالجة القضايا الأخرى من شأنها أن تخدم المصالح الأميركية بشكل أفضل ، بينما يفضل 23 في المائة التفاوض أولاً على صفقة كبرى بما في ذلك الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية بالتوافق مع الحلفاء مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.
ماذا حدث للربيع العربي؟
أشار الباحثان إلى أن “الخبراء في الاستطلاع الذي نظماه (لمعهد بروكينغز) يختلفون حول المستقبل وأهمية انتفاضات 2011 التي هزت العالم العربي (الربيع العربي)، ويعتقد غالبية العلماء والخبراء أن الانتفاضات لا تزال نشطة. و 30٪ يتوقعون موجة أخرى من الاحتجاجات الجماهيرية خلال العقد المقبل ، بينما يقول 46٪ أن الانتفاضات لا تزال مستمرة بأشكال مختلفة.
ويعتقد 7٪ فقط أن الانتفاضات قد ولت وانتهت ، بينما يعتقد 17٪ أنها لن تتكرر على الأرجح لمدة عقد على الأقل.
لكن هل كانت “انتفاضات الربيع العربي” مهمة؟ يقول تلحمي ولينش أن أغلبية ضئيلة ، 54٪ ، تعتقد أن هذه الانتفاضات كان لها تأثيرا كبيرا ، لكنه ليس تحويليًا (بمعنى مغيرا للواقع بشكل حيثي). 29٪ اعتقدوا أن الربيع العربي “كانت انتفاضات تحولية ، بينما رأى 17٪ أنها اضطرابات مؤقتة مع القليل من التأثير على المدى الطويل.
وماذا عن الولايات المتحدة والشرق الأوسط؟
3٪ فقط من العلماء يرون أن الولايات المتحدة أقوى في الشرق الأوسط اليوم مقارنة بما كانت عليع قبل عشر سنوات ، بينما يرى 75٪ أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف في وجودها بالشرق الأوسط مما كانت عليه.
اللافت للنظر بحسب الباحثين، أن 38٪ فقط من الخبراء ما زالوا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها القوة الخارجية الوحيدة المهيمنة في المنطقة كما أن الأمر لا يتعلق بروسيا، (منافسة أميركية روسية في المقام الأول) ، حيث أن 8٪ فقط يرون انقسام المنطقة على أساسة معادلة “ثنائية القطبية” كما كان عليه الحال أبان الحرب الباردة .
وهناك أغلبية طفيفة (54٪) تنظر إلى المنطقة على أنها متعددة القطبية ، بمعنى تعرضها لتنافس القوى العظمى على النفوذ والسلطة.
ولا يرى العلماء والخبراء انتعاشًا قادمًا لهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة. وبالنظر إلى المستقبل ، يتوقع 10٪ فقط أن تصبح الولايات المتحدة أقوى (في تواجدها في المنطقة) بعد عقد من الآن. هذا، بحسب الخبيرين، لا يعني بالضرورة انخفاضًا حادًا: حيث يتوقع 48٪ (من الخبراء المستطلعين) أن تكون الولايات المتحدة أضعف خلال عقد من الزمان ، بينما يتوقع 41٪ أن تكون كما هي الآن تقريبًا. المثير للاهتمام ، أن العلماء لا يتفقون على ما إذا كان هناك انخفاض عام في أهمية الدول الخارجية فيما يحدث في الشرق الأوسط: يقول 42٪ أن القوى الخارجية لديها نفس القدر من التأثير كما كان قبل عقد من الزمن ، بينما يعتقد 29٪ أن القوى الأخرى (مثل روسيا) أصبح لديها أثر أكبر ، فيما يقول 28٪ أن تأثير أثر الدول الأخرى (مثل روسيا) أصبح أقل مما كان عليه في الماضي.
سعيد عريقات / القدس دوت كوم