مديحه الأعرج **
كل عام والمرأة الفلسطينية والعربية و نساء العالم بألف خير.. والمجد والخلود لشهيدات فلسطين، والحريه لاسيراتنا وأسرانا
في الثامن من آذار، نضال المرأة الفلسطينية الوطني والاجتماعي، مستمر ومتواصل حتى نيل الحرية من الاحتلال، والقضاء على كافة أشكال الاضطهاد والظلم والعنف والتمييز بحقها
يأتي يوم المرأة العالمي هذا العام ونساء فلسطين تعاني بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، إضافة إلى معاناتهن جراء الفقر والحصار والتطهير العرقي في القدس والأغوار وتصاعد وتيرة الإرهاب المنظم من قبل المستوطنين، وهنا نترحم على الشهيدة ريهام دوابشة من قرية دوما التي أحرقت وعائلتها عندما أقدم مستوطنون من عصابات “تدفيع الثمن” الارهابية على مهاجمة منزلها بمواد مشتعلة عام 2015 وكذلك الشهيدة عائشة الرابي من قرية بديا قضاء سلفيت والتي استشهدت عام 2018 بعد رشق سيارتها بحجارة المستوطنين أثناء عربدتهم على الشوارع ومحاولة اختطاف للطفلة (حلا القط) على يد مستوطنين في قرية مأدما والقائمة هنا تطول ولا ننسى شهيداتنا على امتداد تاريخ نضالنا الوطني الفلسطيني واللواتي سطرن ملاحم بطولية بنضالهن جنبا الى جنب الرجل واستشهدن في مواجهة المحتل الغاصب.
وللوقوف أكثر على تأثير الاستيطان على النساء الفلسطينيات ، لابد من الاشارة الى محطة تاريخية وهي اتفاق أوسلو عام 95 عندما قسمت الضفة الغربية الى مناطق (أ،ب،ج) والتي كانت من المفترض أن تدوم فقط ل خمس سنوات لكن عندما فشلت المفاوضات عام 2000 وجدنا أنفسنا أمام واقع 40% من الضفة الغربية مناطق (أ،ب) و60% من مساحة الضفة الغربية تحت سيطرة الإحتلال الإسرائيلي كاملة.وأمام واقع آخر ، حيث تضاعفت وتيرة الاستيطان وأعداد المستوطنين بشكل قياسي .
واذا عدنا الى تصنيف المناطق فمنطقة (ج) تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية حيث نلاحظ أن هذه المنطقة بغالبيتها تستخدم حصريا لمناطق تدريبات عسكرية ، أو كمحميات طبيعية أو مستوطنات وجزء آخر تعتبره سلطات الاحتلال “أراضي دولة” في انتهاك للقانون الدولي الانساني وقد خصصت هذه المناطق لاستخدام المستوطنين ولا يسمح للفلسطينيين أصحاب الأرض باستغلالها على الرغم من أنهم محميين بموجب القوانين الدولية.
وسأخصص خلال هذا المقال لاستعراض واقع المرأه الفلسطينية في هذه المنطقة تحديدا ومناطق أخرى مشابهة من حيث إجراءات الاحتلال، ففي منطقة (ج) تعاني المرأه الفلسطينية من ظروف سيئة جدا تتمثل في غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية ، هذه الظروف المعقدة التي فرضتها إجراءات الاحتلال ساهمت الى حد كبير في ديمومة العنف والتهميش والحرمان من الحقوق الأساسية وفرص المشاركة ، حيث تقل فرص النساء بسبب مضايقات وممارسات الاحتلال واعتداءات المستوطنين أضف لها عدم توفر الخدمات الصحية والاجتماعية الضرورية وكذلك القيود المجتمعية.كما تعاني النساء أيضا من العزلة الجغرافية والفقر والتقاليد المحافظة وبفعل الاحتلال العسكري ، الذي يجعل حركة النساء مقيدة مجتمعيا بسبب الخوف .
كما تعاني النساء من حرمان الفرص الاقتصادية والتعليمية والسياسية ، وتعيش النساء والأسرة كاملة في ظل التهديد المنتشر في كل مكان بهدم المنازل والتهجير القسري (خربة حمصه الفوقا) نموذجا والتي هجرها الاحتلال وهدم مساكنها والتي كانت قد تعرضت في السابق للاخلاء أكثر من 11 مرة بغاية معلنة وهي اجراء تدريبات عسكرية وأخرى مضمرة وهي دفع السكان للهجرة وتحويل المنطقة الى مجال حيوي لنشاطات استيطانية ، اضافة الى تعرض الأهالي لمصادرة أدواتهم الزراعية وممتلكاتهم ، وملاحقة مربي المواشي ، ولنا أن نتخيل حجم التأثيرات النفسية والضغوطات التي تتعرض لها النساء ، عواطف ونفسية مدمرة بسبب الشعور بالعجز عن توفير العناية والرعاية لآسرتها التي تشتت بفعل ذلك.ليس هذا فحسب ، بل تتعرض النساء أيضا لعنف مباشر من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين أثناء خروجهن للأراضي الزراعية أو لجمع المياه،أو حتى داخل منازلهن .
وتعاني النساء من فرص محدودة في التعليم نتيجة غياب البنى التحتية وقلة المدارس وبعدها احيانا عن المسكن فضلا عن قيود التنقل ، فيما تتراوح الفرص الاقتصادية ما بين العمل بالزراعة وتربية الحيوانات والتي بالغالب تكون غير مدفوعة الأجر ،أو العمل بالمستوطنات في ظل ظروف قاسية. أما فرص النساء في اقامة مشاريع ريادية فتعترضها معيقات مادية وحواجز ونظام تصاريح معقد يحد من حركة المرأه ، فيما تعاني النساء أيضا من صعوبة الحصول على الخدمات الطبية لان الاحتلال والمستوطنين يعطلون في الغالب فرص تقديم الرعاية الصحية في هذه المناطق .
الفلسطينيون بشكل عام وفي مناطق (ج) بشكل خاص لا يسيطرون كما هو معروف على مواردهم ولا يستطعيون الحصول على رخص لبناء مساكنهم ، مما يضطرهم الى البناء بدون ترخيص وبالتالي تكون مساكنهم عرضة للهدم في أي وقت بسبب اجراءات فرضها الاحتلال ، كما أن مصادرة الأراضي لغرض التوسع الاستيطاني يحاصر الفلسطينيين في مصادر رزقهم ويحرمهم من استغلال أراضيهم اضافة الى شح المياه وحرمان الفلسطينيين من حفر آبار نتيجة احتكار الشركة الاسرائيلية للمياه”مكروت” وسيطرتها على مصادر المياه الفلسطينية والتي تزود المياه بشكل دائم للمستوطنات ولا توفر الحد الأدنى منها للفلسطينيين ، كما تواجه النساء تعسف سلطات وقوات الاحتلال وحرمانها من خدمات الكهرباء وحتى محاولة الاستعانة بألواح شمسية لغاية الإنارة والتي عادة ما تكون عرضة للتخريب او المصادرة مما يجعل حياة الاسرة الفلسطينية صعبة للغاية.
وهناك نموذج آخر لمعاناة لنساء في مدبنة الخليل بعد التوقيع على برتوكول الخليل مع الجانب الاسرائيلي عام 1997 والذي قسم المدينة الى منطقتين H1,H2حيث يسيطر الفلسطينيون على 80% من مدينة الخليل و 20% وهي منطقة H2، تخضع للسيطرة الاسرائيلية بالكامل حيث تعاني النساء في هذه المنطقة من انتهاك لحقوقهن بشكل كبير خاصة في ظل النظام الصارم المقيد للحريات في التنقل والمضايقات من جنود الاحتلال والمستوطنين ، حيث تتجلى سياسة التمييز العنصري بأسوأ مظاهرها على مستوى المدينة بأنظمة تمييز عنصري يخضع الفلسطينيون بموجبها في تلك المنطقة لقوانين الاحتلال العسكرية بينما المستوطنون لقانون مدني اسرائيلي .
ومثال آخر يعكس ما تواجهه نساء القدس من معاناة في ظل سياسة سلطات الاحتلال الاسرائيلي القائمة على الترانسفير وسياسة التطهير العرقي الصامت عبر وسائل لا حصر لها كهدم المساكن أو اجبار المقدسيين على هدم مساكنهم بأيديهم تجنبا لغرامات باهظة يفرضها الاحتلال بحجة عدم الترخيص وبذات الوقت لا يمنح المقدسيين رخص للبناء إلا ما ندر وكل هذا في محاولة افراغ القدس من سكانها الاصليين مقابل توسيع المستوطنات والاستيطان ، فعندما تتشرد الأسر تتحمل النساء العبء الأكبر والتي تضطر أن تعيش في بيت آخر قد تنعدم فيه الخصوصية ، كما تعيش المقدسيات في قلق مستمر من احتمال الغاء الاقامة وسحب الهويات وتشتيت للعائلات.
وفي نموذج آخر تتضح معاناة النساء جراء جدار الفصل والضم العنصري الذي يتلوى في بطن الضفة الغربية كالأفعى على حد تعبير الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ( الإبن ) في الضفة والقدس ويسبب ضررا لحياة الفلسطينيين في مناطق التماس ، حيث تعاني النساء من ظروف سكن سيئة وصعوبة في الحصول على الخدمات والتعليم ومن نظام تصاريح بائس يدمر الحياة الأسرية والاجتماعية، وما يترتب على ذلك من قلة فرص العمل ونقص في وسائل النقل مما يؤثر على الحياة وسبل كسب الرزق،.
وفي قطاع غزة كانت معاناة المرأة غير مسبوقة وهي متواصلة نظرا للدمار الكبير الذي خلفته حروب اسرائيل ضد القطاع في اعوام 2008 / 2009 و 2012 و 2014 و 2019 حيث عانت النساء من تدمير المساكن وأعمال القتل والتدمير وفقدان المعيل والأبناء والتهجير عندما يجبرن على اخلاء المنازل بفعل العمليات الحربية الامر الذي وضع النساء في مواجهة تحديات مضاعفة نظرا للمعاناة في توفير المأوى نتيجة الفقر والحصار وما يعنيه السكن من الأمن والأمان للعائلة.
على ضوء ذلك ما المطلوب لحماية النساء في ظل هذا الواقع
من الأهمية بمكان أن تكون هناك خطة لحماية النساء في مناطق التماس والأكثر تضررا من الانتهاكات بما يشمل تقديم دعم اقتصادي يوفر لهن فرص عمل عبر منح صغيرة الحجم لانشاء مشاريع انتاجية او خدمية توفر عائدا منتظما لحياة كريمة إضافة الى دعم قانوني ونفسي واجتماعي خاصة بسبب صدمات الاحتلال.
كما يجب الاستناد الى القرار الدولي 1325 بتوفير الحماية للمرأه ضد انتهاك حقوق الانسان والحاجة الى توفير فرص الوصول الى الخدمات والعدالة في حالات النزاع المسلح كما تنص على ذلك اتفاقيات جنيف الرابعة وملحقاتها التي تفرض على القوة القائمة بالاحتلال توفير الحماية للمدنيين تحت الاحتلال . والى جانب هذا كله ينبغي على الجهات الرسمية والأهلية ، وخاصة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والاطر النسائية رصد وتوثيق الانتهاكات الموجهه للنساء وفضح ممارسات الاحتلال وجرائمه وجرائم قطعان المستوطنين وإعداد الملفات لعرضها على المحكمة الجنائية الدولية بما فيها تلك التي كانت فيها المرأة الفلسطينية ضحية عنف قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين .
وعلى المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية تجاه حماية المدنين تحت الاحتلال بشكل عام والنساء والنساء بشكل خاص في الوقت نفسه بناء منظومة من القوانين والتشريعات التي تصان فيها حقوق المرأه من خلال مواءمة القوانين والتشريعات المحلية مع القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة والتي انضمت لها او صادقت عليها دولة فلسطين كاتفاقية مكافحة التمييز ضد المرأة ( سيداو ) ، أي قوانين تحارب التمييز الممارس ضدها.
8/3/2021