تنتهج سلطات الاحتلال سياسات النهب والسرقة المستمرة لمياه محافظة سلفيت، فتسرق المياه ثم تبيعها لأصحابها بأسعارٍ مضاعفة، وبكميات أقل من المتفق عليه، وتتبع أسلوب “القطارة” وكأن الفلسطينيين سيشربون الماء بالتنقيط، في مقابل الضخ الكبير وغير المتوقف للمستوطنات التي يبلغ عددها 25 مستوطنة، بالإضافة إلى أربع مناطق صناعية تحتاج إلى كميات مياه كبيرة، ونسبة استهلاكها للمياه عالية، فالتوسع الاستيطاني في محافظة سلفيت منذ العام 2002 وصل إلى 400% وهذا بالتالي يستدعي زيادة حصة المستوطنات من مياه المحافظة، فالمحافظة وما فيها من قرى وبلدات، مستهدفة من قبل سلطات الاحتلال إذ تقع على الحوض الغربي الذي يعد الأغنى بالمياه، والذي تسيطر عليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل.
20% فقط من نسبة المياه المتفق عليها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تصل لسلفيت
أما في فصل الصيف فتعمل بلدية سلفيت بمبدأ إدارة الأزمة لحل مشاكل عدم وصول المياه لأهالي المدينة، بسبب تنصل سلطات الاحتلال من الاتفاق المبرم مع بلدية سلفيت بتزويدها بـ 120 كوب في الساعة، إلا أن “مكروت” تقوم بتزويد 50% من كمية المياه المتفق عليها وقد تصل إلى 20% فقط في بعض الاحيان”، وتتذرع إسرائيل بأن أسباب انقطاع أو شح المياه هو فصل الصيف والحر، في الوقت الذي لا تنقطع فيه المياه عن المستوطنات أبدًا.
للمياه يوميًا؛ حيث أنه وحسب منظمة الصحة العالمية، هناك حاجة تتراوح ما بين 50-100 لترًا من الماء للفرد يوميًا لضمان تلبية معظم الاحتياجات الأساسية وعدم ظهور مخاوف صحية قليلة. إلا أن الاحتلال يستمر في سياسته العنصرية في تقييد الوصول لمصادر المياه وتخفيض الكميات المتاحة منها، حيث أن معدل استهلاك المياه للمستوطن في الضفة الغربية يصل إلى 6-7.5 مقارنةً باستهلاك المواطن الفلسطيني.
التلوث في أودية مدينة سلفيت
لا يكفي سلطات الاحتلال اتباع سياسة التعطيش للفلسطينيين، وإنما تُطلق المستوطنات المحاذية للمدينة مخلفاتها السائلة والصلبة في الوديان، إذ قال الباحث في شؤون الاستيطان الدكتور خالد معالي ” المستوطنات تقع في مناطق عالية، والمناطق المنخفضة والتي هي مناطق يسكنها الفلسطينيون، تعد قنوات انسياب للمياه العادمة غير المكررة التي تخرج من المستوطنات” ولا يقف الأمر عند المياه العادمة وإنما شهدت مواقع مختلفة في المحافظة تلوثها بمواد سامة نتيجة خروجها من المصانع في مستوطنات غرب سلفيت مثل مستوطنة بركان.
فيقول عفانة “إن هذه المصانع تلقي بمخلفاتها الصناعية التي تحتوي على مواد سامة كالزرنيخ في الأراضي ما يؤدي إلى تسربها للمياه وتسمم المواطنين وتعرضهم لخطر الإصابة بمرض السرطان، إذ ترتفع نسب الإصابة بالسرطان في محافظة سلفيت مقابل المدن الأخرى”. لا يقف نهب الاحتلال للمياه السطحية وتلويثها، وإنما تمنع حكومة الاحتلال حفر أي آبار، فمنذ عام 1967 رفضت سلطات الاحتلال أكثر من 20 طلب لترخيص حفر آبار، وهذا المنع ليس فقط في محافظة سلفيت، وإنما في محافظات الضفة المختلفة، وفي المقابل يتم نهب المياه الجوفية وتزويدها للمستوطنات إذ يقول معالي “الاسرائيليون يعلمون أن تلوّث المياه الجوفية ليس بالأمر السهل، فيسرقون هذه المياه ويتم توزيعها على المستوطنات، وما تبقى يتم بيعه للقرى الفلسطينية بأسعار عالية جدًا”.
وادي المطوي، من متنزه إلى مكرهة صحية
تحول وادي المطوي -وهو أحد المصدرين الرئيسيين للمياه في المدينة- من محمية طبيعية ومتنزه إلى مكرهة صحية يتجمع فيها الذباب والحشرات والروائح الكريهة، بعد انسياب المياه العادمة من مستوطنة “أرئيل” وتجمعها في وادي المطوي بالإضافة لتلوث المياه الذي بدوره يؤدي لتلوث المزروعات والمنتجات الحيوانية عند شرب الأبقار لهذه المياه الملوثة، إذ يقول معالي “يمكن رؤية المجاري في منطقة المطوي بالعين المجردة، وهذا يوضح كذب الاحتلال وتضليله أنها تقوم بتنقية وتكرير المياه العادمة”، فيما وقفت سلطات الاحتلال في وجه مشاريع بلدية سلفيت بتكرير المياه، ومنها عرقلة مشروع بلدية سلفيت مع الحكومة الألمانية لمدة 20 عام والذي كان مقررًا العمل به في عام 1998 وهدفه إقامة محطة تكرير للمياه العادمة في منطقة المطوي، لكن سلطات الاحتلال استمرت بمنع العمل بالمشروع، في انتهاك واضح لحقوق الفلسطينيين في تحقيق السيادة على أراضيهم وما فيها من موارد.
تمكنت المحافظة وبعد عشرين عاماً من مباشرة العمل في المحطة، أي في العام 2018، وفي ذات العام تم العمل على ترميم ينابيع المطوي وعين سكة من قبل اتحاد لجان العمل الزراعي، وتضمن هذا الترميم بناء الجدران وتأهيل الأرضية من خلال فردها بالبسكورس المدموج، وتزويدها بمحطة كلورة جديدة، وتركيب كاميرات مراقبة في موقع الينابيع، هذا بالإضافة إلى تركيب مضخة جديدة وتأهيل المضخات القديمة، إذ تعد هذه الأنشطة تحت إطار دعم صغار المزارعين وتسهيل وصولهم إلى مصادر المياه في المحافظة. لا تزال محافظة سلفيت حتى هذه اللحظة تعاني من نقص المياه خاصة في فصل الصيف نتيجة القطع المستمر من قبل الاحتلال ودون تبليغ رسمي لبلدية سلفيت، ومن هنا أكد عفانة أن إسرائيل تستغل المواطنين وحاجتهم للمياه في الضغط على السلطة الفلسطينينة أي لمآرب سياسية، فيما دعا معالي المؤسسات غير الحكومية والأهلية إلى كشف وفضح ممارسات الاحتلال إذ قال” إن الدور الحكومي لدعم الزراعة باهت للغاية وميزانية وزارة الزراعة لا ترقَ إلى الحد المطلوب، إضافة إلى أن المؤسسات الأهلية لا تقوم بالدور المنوط بها في كشف جريمة الاحتلال بحق المياه والمزارعين في المحافل الدولية”.